يلتقي الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان بنظيره الروسي، فلاديمير بوتين في مدينة سوتشي الروسية، اليوم الجمعة، وذلك للمرة الثانية وجهاً لوجه خلال 17 يوماً، بعد اجتماعهما في طهران، في إطار القمة الثلاثية الخاصة بمسار “أستانة السوري”.
وينظر إلى هذه القمة الثنائية بـ”عين الأهمية”، كونها تتزامن مع سلسلة من التطورات الإقليمية والعالمية، فيما تعتبر الثانية من نوعها في “سوتشي” بين الزعيمين، حيث كانت الأخيرة في شهر سبتمبر / أيلول 2021.
وسلطت صحف تركية مقربة من الحكومة، اليوم، الضوء على اللقاء بين أردوغان وبوتين، مشيرة إلى الملفات التي ستتم مناقشتها، وأن “الملف السوري” سيكون في الأولوية.
وأورد تقرير لصحيفة “صباح” أنه “من المتوقع أن يكون البند الذي يحظى بالأولوية في جدول الأعمال في الاجتماع الحاسم هو العملية العسكرية التي تخطط تركيا لشنها في شمال سورية”.
وإضافة إلى سورية هناك ملفات أخرى مثل “محاربة الإرهاب”، ممر الحبوب الأوكرانية، الذي ترعاه تركيا والأمم المتحدة، فضلاً عن “محطة أوكويو للطاقة النووية” والتعاون المشترك في “صناعة الدفاع والطاقة”.
من جانبه ذكر موقع قناة “سي إن إن تورك” أن “العمل العسكري المحتمل في شمال سورية هو الموضوع الذي يحظى بأولوية على جدول أعمال الاجتماع”.
وأوضح الموقع: “سيذكّر الرئيس رجب طيب أردوغان خلال الاجتماع باتفاقية النقاط العشر الموقعة مع روسيا في عام 2019. سيطلب من روسيا الوفاء بمسؤولياتها”.
وسيقوم أردوغان وبوتين بتقييم العلاقات الاقتصادية، “بما يتماشى مع الهدف المحدد مسبقاً لحجم التجارة المشترك”، بالإضافة إلى المشاريع القائمة في مجالات الطاقة والدفاع، فيما “ستتم مراجعة القضايا المتعلقة بتوسيع مجالات التعاون”، وفق “سي إن إن تورك”.
ومنذ شهرين تقريباً تهدد تركيا بشن عملية عسكرية في شمال سورية، ضد المناطق التي تخضع لسيطرة “وحدات حماية الشعب” و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، لكنها وحتى الآن لم تحصل على “الضوء الأخضر” من الدول الفاعلة، من بينها روسيا وإيران.
وحسب تصريحات المسؤولين الأتراك من شأن العملية المحتملة أن تستهدف منبج في ريف حلب الشرقي والثانية تل رفعت، وهما منطقتين كانت قوات الأسد قد انتشرت وأجرت مناورات عسكرية فيهما بالشراكة مع “قسد” والقوات الروسية.
“ثامن رحلة منذ 2019”
ويشير تقرير نشره موقع “المونيتور” الأمريكي إلى أن القمة في سوتشي ستكون على بعد حوالي 500 ميل (800 كيلومتر) شرق أوديسا، حيث غادرت أول شحنة حبوب أوكرانية يوم الاثنين.
وهذه الرحلة الثامنة لأردوغان إلى روسيا، منذ بداية عام 2019.
ولقد أقام بوتين وأردوغان “علاقة خاصة”، حسب الموقع، ونقل عن إمري كاليسكان، الزميل الباحث في مركز السياسة الخارجية في لندن قوله: “إنهم يفهمون بعضهم البعض ولديهم اتصالات مباشرة”.
واتفاق الحبوب الذي توسطت فيه تركيا والأمم المتحدة لا يحرر المنتجات الأوكرانية فحسب، بل يوفر أيضاً القمح والأسمدة الروسية، مما يساعد في تخفيف الاقتصاد الروسي المتضرر من العقوبات.
ويأتي اجتماع البحر الأسود، اليوم، بعد أسبوعين من لقاء أردوغان مع بوتين والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في طهران.
وفي ذلك الوقت حث أردوغان على موافقة الداعمين الرئيسيين للنظام السوري للعملية ضد “وحدات حماية الشعب”.
ويضيف “المونيتور”: “الآن يأمل أردوغان أن يكون بوتين، الذي تسيطر قواته الجوية إلى حد كبير على السماء فوق شمال سورية، أكثر قابلية لعدم التدخل في أي توغل تركي في المنطقة”.
ونقل عن الباحث التركي، أيوب إرسوي: “الهدف الأساسي للرئيس أردوغان هو تأمين رؤية فلاديمير بوتين للهجوم العسكري التركي المزمع ضد بعض المناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب في سوريا، وربما مناقشة التفاصيل العملياتية معه بعبارات عامة”.
ومن الأهداف ذات الصلة أيضاً “تحقيق التعاون الروسي في ثني إيران عن معارضة العملية العسكرية التركية”.
بدوره قال كريم هاس، المحلل السياسي التركي المقيم في موسكو: “يمكن لروسيا أن تعطي الضوء الأخضر، أو ربما الضوء الأصفر، في المناطق التي تسيطر عليها الجماعات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة”.
وستدين روسيا دبلوماسياً أي عملية من هذا القبيل، لكنها لن تقف ضد الجيش التركي على الأرض إذا حدثت مثل هذه العملية. “كل هذا يتوقف على ما ستحصل عليه روسيا من أردوغان لمثل هذه العملية”.
ويضيف هاس: “ربما يمكن لأردوغان أن يؤجل انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو في البرلمان التركي أو يوقف الدعم العسكري لأوكرانيا”.
وتأتي أهمية اللقاء، على اعتبار أن كل الاتفاقيات المهمة فيما يخص الملف السوري، خلال الأعوام الماضية، كانت تتم بين الرئيسين في روسيا.
وكان الاتفاق الأول في 17 من سبتمبر/ أيلول 2018 فيما يعرف “اتفاق إدلب”، ونص حينها على إنشاء منطقة منزوعة السلاح، وتسيير دوريات مشتركة وفتح الطرقات الدولية في شمال غربي سورية.
وبعد شن تركيا عملية “نبع السلام” في 2019، التقى الرئيسيان في سوتشي مجدداً، واتفقا على إيقاف العملية التركية، مقابل انسحاب “قسد” عن الحدود التركية بعمق 32 كيلومتراً، وتسيير دوريات مشتركة.
أما الاتفاق الثالث بين أردوغان وبوتين، فقد تم التوصل إليه أيضاً في روسيا، بداية مارس/آذار 2020، بعد هجوم قوات نظام الأسد بدعم روسي على إدلب، والسيطرة على مساحات واسعة.
وتفاهم الزعيمان على “وقف إطلاق النار، وإقامة ممر أمني على بعد 6 كيلومترات شمال، و6 كيلومترات جنوب الطريق الدولي السريع الرئيسي في إدلب، وتسيير دويات مشتركة”.
ماذا تغير منذ سوتشي 2021؟
في غضون ذلك وبالعودة إلى اللقاء الذي جمع أردوغان وبوتين في سوتشي، العام الماضي في شهر سبتمبر / أيلول، فقد وصف آنذاك بأنه “خاص”، فيما لم يعقد الزعيمان مؤتمراً صحفياً بعد الاجتماع لأكثر من 3 ساعات.
وذكرت وسائل إعلام وصحف تركية، في أعقاب القمة السابقة في “سوتشي” أن لقاء أردوغان وبوتين “لم يكن اعتياديا”، كونه جاء في ظرف دولي حساس، واقتصر فقط “وجها لوجه”، بعيدا عن مشاركة أطراف ووفود أخرى.
وكان لافتاً عقب الانتهاء من اللقاء عدم خروج الرئيسين في مؤتمر صحفي، لتقتصر التفاصيل على تصريحات قدمها أردوغان لصحفيين أتراك، وبيان آخر أصدره الكرملين على نحو متزامن.
وقال أردوغان بحسب ما نقل التلفزيون التركي الحكومي، أكتوبر 2021، إنه بحث مع نظيره الروسي سبل التوصل لحل “نهائي ومستدام” للملف السوري، خاصة في إدلب، مشيراً إلى أنه وبوتين حددا خارطة طريق سيعتمد عليها وزراء دفاع وخارجية البلدين.
وأضاف في أثناء عودة من روسيا أن القمة كانت “مثمرة”، وأن بلاده “تواصل الالتزام بكل قضية اتفقت عليها مع روسيا حيال سورية ولا عودة عن ذلك”.
في المقابل جاء في بيان الكرملين أن “بوتين وإردوغان اتفقا على الالتزام بكافة الاتفاقيات المبرمة حول محافظة إدلب السورية”.
وأضاف: “تم التأكيد على ضرورة تنفيذ الاتفاقيات التي تم التوصل إليها سابقاً، وخاصة طرد المجموعات الإرهابية التي لا تزال موجودة في إدلب”، دون ذكر تفاصيل إضافية حول النقاط التفصيلية التي ناقشها الجانبان بالملف السوري.