هناك مثلٌ أميركي شائع يقول: إذا “كانت تمشي كالبطة وتصدر صوتا كالبطة، فهي إذن بطة”، وهذا ينطبق على الانتخابات البرلمانية في لبنان والتي تعكس نتائجها حسابياً خسارة حزب الله وحلفائه الأكثرية، وصورياً خسارة رموز كبيرة موالية للحزب مقاعدها، وعملياً تغير الصورة النيابية في بيروت.
هذا يعني أن حزب الله خسر الأكثرية، لا أكثر ولا أقل. فمن 72 مقعدا كانت لدى الحزب وحلفائه منذ 2018 اليوم أضحت 62 أي أقل من الـ65 المطلوبة لأكثرية في برلمان من 128 مقعد. هذا لا يعني أن الطرف المعارض للحزب حصد الأكثرية، ولا يعني أن حزب الله غير قادر على تشكيل تحالف أكثري جديد، إنما بحرفيته يقول إن الأكثرية النيابية التي كانت بيد الحزب وحلفائه في الأربع سنوات الفائتة لم تعد موجودة.
المبالغات والاستطرادات وتلوين الواقع من الحزب وحلفائه لا يغير من نتائج وأرقام وزارة الداخلية، ومن أن أسماء عمالقة متحالفة مع الحزب منذ التسعينات من إيلي الفرزلي الى أسعد حردان وطلال أرسلان ووئام وهاب باتت خارج ساحة النجمة. هذه كلها كانت أبواق تدافع عن الحزب في أمجاده ونكساته، وصرفت الكثير من رأسمالها السياسي على طريق الشام تسوق لنظام سلطوي فيما دوائرها الانتخابية يأكلها الفقر الفساد.
سقوط الفرزلي وحردان وفيصل كرامي وغيرهم من أبواق الأسد في لبنان فيه رسالة مزدوجة: الأسد لم يكن قادرا على إنقاذهم، وحزب الله استغنى عنهم أمام متغيرات داخلية وإقليمية اليوم.
اليوم، حزب الله يدرك حجم الخضة الاقتصادية في لبنان وخلط أولوياته وتحالفاته السياسية للحد من خسائره، حتى لو يكن يقر بها علنا. ضمان قاعدته الشعبية، وتحالفه مع حركتي أمل والتيار الوطني الحر هما الأعمدة الأهم بالنسبة للحزب لرص الصف الشيعي وهو ما فعله في هذه الانتخابات وضمان الغطاء المسيحي رغم التراجع الملحوظ في أداء التيار العوني. من هنا لا يبحث حزب الله عن معارك غير ضرورية لإنقاذ الفرزلي أو غيره من شخصيات لاتزال تعيش في الحقبة السورية.
بالنظر الى المجلس الجديد، تفيد الوقائع أن حزب الله لديه ثلاث أولويات:
• أولا إعادة انتخاب نبيه بري رئيسا للمجلس وهو أمر مرجح، لانعدام البديل ولأن التيار العوني ومعه الحزب التقدمي الاشتراكي يفضل بري على أسماء أخرى.
• ثانيا سيسعى حزب الله إلى خرق صفوف ممثلي المجتمع المدني المنقسمين بآرائهم وأولوياتهم. ففي حال نجح في جذب خمسة أصوات من هؤلاء خلف أجندة التصدي للمصارف، فقد يضمن أكثرية جديدة. إنما هذا قد يضعه في صدام مباشر مع بري، حليفه الأغلى والأقوى.
• ثالثا يريد حزب الله رص تحالفاته المسيحية أي عون وفرنجيه قبل الانتخابات الرئاسية في أكتوبر المقبل، كما سيحاول البحث عن حليف سني يبدو صعب المنال اليوم في ظل الانقسام والفوضى في الساحة السنية بعد انفراط تيار المستقبل.
هذه الأولويات تعني لحزب الله تحصين موقعه السياسي والعسكري في لبنان وعدم المس بالمعادلة السياسية التي فرضها الحزب بالقوة بعد أحداث 7 أيار 2008. في نفس الوقت، هذه المعادلة غير مضمونة في ظل تضعضع موقع عون المسيحي، صعود القوات اللبنانية، والتفاف المجتمع حول مرشحين مستقلين خارج الطبقة السياسية المألوفة.
انتخابات 2022 النيابية في لبنان لم تترك مجالا لحزب الله إلا القبول بنتائجها، والتعامل ببراغماتية وضمن الحلبة اللبنانية مع واقع متغير وملتهب قد يفجر أزمة اقتصادية ويقود إلى التفتت في حال أخطأت قيادات الحزب وعلت سقف التفاوض.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت