شهدت العاصمة الأمريكية واشنطن في يومي التاسع والعاشر من أيلول الجاري، عقد ما سمي “مؤتمر الميثاق الوطني السوري”، كانت الغاية منه التوافق على ميثاق وطني لسورية ديمقراطية حرّة تقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون.
الدعوة إلى هذا المؤتمر واجهت مقاطعة من جهات واسعة من الأمريكيين المنحدرين من أصل سوري، وكشفت عن اختلافات عميقة بطريقة قراءة الصراع السوري وطرق حله وفق القرارات الدولية ذات الصلة، والتي لم تنتج أي تقدمٍ يذكر على مستوى الحل السياسي.
الدعوة لعقد هذا المؤتمر مشروعة، فالمسألة الوطنية وحلها هي مسؤولية كل قطاعات الشعب السوري، ولكنّ هذه المشروعية لا تعني صوابية الاختيار للسير بهذا الطريق أو ذاك.
فلو عدنا قليلاً إلى بدايات الثورة السورية، وطرق تفجّرها، وآليات عملها، لعرفنا لماذا وصلنا إلى ما وصلنا إليه من إخفاق ملموس في إنهاء نظام الاستبداد الأسدي، فهذا الإخفاق، يقف خلفه عامل حاسم، وهو غياب إطار عمل تنظيمي ثوري واحد، يتقاطع على برنامج حدٍ أدنى مقبول من الجميع، وبالتالي لو حدث ذلك لما توزعت جهود وتضحيات قوى الثورة وتشظّت، بل كنا وجدنا قراراً موحداً ومركزياً ضمن إطار جبهوي واحد، يمتلك أدوات مقاومته للاستبداد والتوحش، على كل الأصعدة العسكرية والسياسية والإعلامية والشعبية الثورية.
وفق ذلك المسار ونتائجه، تم عقد مؤتمر واشنطن من قبل أمريكيين سوريين، لوضع ميثاق وطني سوري، هؤلاء لا أحد يشكّ بوطنيتهم ومصداقيتهم ورغبتهم بإخراج القضية السورية من عنق الزجاجة، فهم محقون في البحث عن إيقاف هذا النزيف الوطني القاتل، الذي ربما سينتهي إلى تقسيم البلاد، وتدمير القضية الوطنية.
ولكن، ألا يحق لمن تتبع انعقاد المؤتمر، والاطلاع على مرتكزاته السياسية الأساسية، التي تمّ تكثيفها بعشر نقاط، بطرح أسئلة مشروعة ونظيفة حول إمكانية نجاح خطوة كهذه؟، أليس مشروعاً مناقشة الأمر من زاوية نقدية تخدم العمل الوطني؟، لئلا تذهب هذه الجهود إلى مثيلات لها سبقتها بالفشل؟
لهذا ووفق هذه المنهجية، كان من المفترض التفكير الجدي بعقد مؤتمر وطني سوري جامع، يمثّل كل المكونات السورية الموجودة داخل البلاد أو خارجها، عبر تمثيلات تختارها المكونات بنفسها، فعقد هكذا مؤتمر وطني جامع هو من يسمح بوضع أوراق للنقاش حول أهمية الاتفاق على ميثاق وطني تتفق عليه كل المكونات، وإن كان هذا الميثاق بحدٍ أقل مما يطمح إليه البعض.
الميثاق في هذه الحالة هو ميثاق فوق دستوري، أي لا يمكن لبرلمان أو حكومة منتخبة أن تغيّر من بنوده وإطاره الواحد. مما يشكًل قاعدة أمان واطمئنان لكل المكونات، باعتباره يحفظ حقوق الجميع ويمنع التجاوز عليها، وهذا مؤداه ترسيخ مفهوم المواطنة السورية في مربعها الحقيقي، وليس في اعتبارها مجرد شعار مؤقت لمرحلة يتم بعدها الانقضاض على هذه المواطنة الواحدة بحقوقها وواجباتها والتزاماتها.
هذا يجعلنا نقول وبنية حسنة، إن اخوتنا الأمريكيين من أصل سوري وضعوا العربة أمام الحصان، فكيف لهذا الحصان أن يجرّ عربة الميثاق.
نقصد انهم ذهبوا للبحث عن عقد مؤتمرات فرعية متباينة، قد لا تجد تقاطعات تسمح لاحقاً بعقد المؤتمر الوطني السوري الجامع لكل المكونات.
مثل هكذا مؤتمرات جزئية، قد تفتح الباب لعقد مؤتمرات تحت تسمية وطنية مضمونها إثني أو طائفي أو ديني أو مناطقي، وهذا يذهب بسورية الواحدة الديمقراطية التعددية إلى صيغة شبيهة بصيغة فخّ اتفاق الطائف اللبناني.
الوطنية السورية لا تقول بمثل هذه التقسيمات إلا على المستوى السياسي الوطني، فكيف يمكن إذا ما انعقدت مؤتمرات جزئية جانبية، لمكونات تتخيّل أنها تستطيع فرض شروطها على باقي المكونات، كأن يقول المكون السوري الكردي بضرورة أن يسمّي نفسه القومية الثانية بعد المكون العربي، أليس في ذلك غبنً والتفاف على حقوق باقي المكونات السورية؟
إن مربع الوطنية السورية هم مربع آمن لكل المكونات دون استثناء، لأنها تجد فيه نفسها من خلال وثيقة الميثاق الوطني فوق الدستوري.
مربع الوطنية السورية المطلوب يمكن العمل عليه من خلال تعاون عميق بين قيادة ائتلاف قوى الثورة والمعارضة باعتبارها ممثلاً شرعياً تعترف به دول المجموعة الدولية وإطارها الأمم المتحدة.
لهذا يمكن مناقشة وضع الحصان أمام العربة لتتم عملية الانتقال بالبلاد من وضعها الخالي في عنق الزجاجة إلى وضعها الجدي في فضاء الوطنية السورية الواحدة.
هذه الرؤية تتطلب برأينا أن تقوم الأطر والمكونات السياسية السورية بكل تعبيراتها الوطنية للعمل مع ائتلاف قوى الثورة والمعارضة، لعقد المؤتمر الوطني السوري الجامع، الذي سيكون من مخرجاته الميثاق الوطني السوري فوق الدستوري.
لقد شهدت ساحة العمل الثوري والسياسي السورية طيلة مراحل الثورة حتى الآن تجارب لم تثمر عن حركة واقعية ملموسة تكون قاعدة جذبٍ وحشدٍ لقوى الشعب السوري، ولعل أشهر هذه المبادرات، التي أعتقد أنها انقسمت ثم فشلت، رغم أنها في أحد شطريها عقدت مؤتمرها، ولم يتغير في الواقع السوري القائم أي خطوة إيجابية ذات ملموسية في طريق الحل السياسي وفق القرار الدولي 2254.
إن ائتلاف قوى الثورة والمعارضة بقيادته الإصلاحية، هو المعني الأول بالتحضير لعقد هذا المؤتمر الوطني الجامع لكل السوريين الرافضين للديكتاتورية والاستبداد والفساد وقهر الانسان.
فالائتلاف لديه خبرات متراكمة وواسعة في تنظيم هكذا مؤتمرات، ثم أنه في تنظيم هذا المؤتمر يكون اكتسب شرعية شاملة من شعبه ومكونات هذا الشعب، ومن المجتمع الدولي، وهذا يؤدي بالضرورة إلى تغيّر عميق وملموس في ميزان القوى الحالي، الذي سيميل بالضرورة لصالح الدفع بتنفيذ القرار الدولي 2254.
إن المحاولات التي تريد أن تقوم بجمع السوريين حول رؤاها، هي محاولات قوى سياسية ونخبوية، نعتقد أنها لم تر بعد جدل العلاقة بين رؤاها وحركة الواقع، الذي تتحكم به شروط داخلية وإقليمية ودولية، ولهذا لا نجاح لأي جهد يضع الحصان قبل العربة فهل سنتعض؟.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت