تسبب زلزال شباط بكارثة أصابت الشمال السوري، لتضيف مأساة جديدة إلى مآسي السوريين جراء ما عايشوه من قتل وتشريد وتدمير ممنهج من قبل نظام الأسد وحلفائه. وفي حين كان التركيز منصباً على استجابة المجتمع الدولي لهذه الكارثة وتقييمها بما لها وعليها، وانتقاد السلطات المحلية، بادرت المجتمعات المحلية كما في سرمدا لأخذ زمام المبادرة عبر مبادرات مجتمعية، اتسمت بالسرعة والكفاءة بالتعاطي مع الكارثة ضمن حدود الممكن، كاشفة عن المسؤولية المجتمعية للفاعليين محلياً كالتجار، وأهمية استثمارها ومأسستها للبناء عليها، ليكون الدرس الأهم المستفاد، حيوية المجتمعات المحلية وإمكانياتها الكامنة، وضرورة إشراكها في أي مقاربات للتدخل من قبل المانحين والسلطات المحلية في الاستجابة لكارثة الزلزال وغيرها.
دور حكومي ثانوي..وتحرك مجتمعي عفوي
افتقرت السلطات المحلية في منطقة إدلب للتخطيط والموارد اللازمة للاستجابة، هذا ما أظهرته استجابتها في التعاطي مع الكارثة، حيث اقتصر دورها على الإشراف العام وإطلاق المناشدات للجهات المانحة والمنظمات والرأي العام لإرسال الدعم للمنكوبين.
بالمقابل كان هنالك حراك نشط للمجتمع المحلي، سواء من خلال منظمات محلية أو عبر مبادرات وحملات تطوعية، أعادت التأكيد على دور هذا المجتمع وأهميته، بالوقت الذي تم فيه إضعاف مشاركته سابقاً من خلال توجهات مركزية أو فرض قيود صارمة عليه.
في سرمدا، لم يكن الدمار كبيراً مقارنة بالعديد من المناطق التي ضربها الزلزال، فعدد الأبنية المهدمة قارب 15 كتلة سكنية، يضاف لها حوالي 40 بناء متصدع، أما عدد الضحايا وتبعاً لتقديرات محلية، بلغ 66 وفاة وعشرات الجرحى.
حفز الزلزال المجتمع المحلي للتحرك والتفاعل مع الكارثة على كافة المستويات، كالقطاع الخاص متمثلاً بالمقاولين وأصحاب الشاحنات والتركسات لتضع إمكانياتها تحت تصرف الفرق الميدانية، بالإضافة لفرق تطوعية متمثلة بشخصيات فاعلة في المجتمع من شباب وأشخاص أصحاب خبرة، تركَّز عملها على الاستجابة الطارئة، وتنسيق العمل مع المنظمات الداعمة التي توجهت لمراكز الإيواء المؤقتة لتأمين المستلزمات الأساسية العاجلة، كما قام جزء من هذه الفرق بشكل رئيسي بمؤازرة فرق الإنقاذ عبر إزالة الأنقاض ومساعدة الفرق الطبية في إسعاف المصابين، ليبرز دور المتطوعين في كل من عمليات الإخلاء والإيواء والإغاثة.
لم تنأى المشافي الخاصة بنفسها عن الأزمة، حيث ساهمت بشكل كبير في استقبال المصابين من الزلزال مجاناً كمشفى جواد وظلال والرازي وغيرها لتخفف الضغط عن المشافي والقطاعات الطبية التي عانت من نقص حاد في المستلزمات.
أدركت السلطات المحلية ضرورة وأهمية المشاركة المجتمعية في الاستجابة لكارثة الزلزال، لتشكل لجان محلية مؤلفة من شخصيات وأفراد فاعلين في المجتمع المحلي، مهمتها وضع خطط للاستجابة وتنظيم الجهود وحشد الموارد المحلية، كان للتجار المحليين نصيب منها.
المسؤولية المجتمعية لتجّار سرمدا: مبادرة ( خير التجارة )
ولدت كارثة الزلزال مبادرات محلية متفاعلة ومتفاوتة في الحجم والنطاق والأهداف، ساهمت بجانب مهم من تخفيف حدة الأضرار والمعاناة، لعل أبرزها مبادرة (خير التجارة) التي أطلقتها غرفة تجارة وصناعة سورية الحرة( سرمدا) بتاريخ 19 شباط 2023، لبناء 200 شقة سكنية لمتضرري الزلزال.
نجحت المبادرة في جمع نحو مليون ونصف المليون دولار، إلى جانب جمعها لما يعادل سبعمائة ألف دولار كمساهمات عينية كمواد بناء وأعمال إكساء، وعلى الرغم أن المبادرة كانت موجهة بالأساس للشركات والتجار الكبار، إلا أنها شملت أيضاً التجار المتوسطين والصغار ومستثمرين محليين، إلى جانب أفراد من المجتمع المحلي، ليقدر عدد المتبرعين ككل بأكثر من 850 شخص. ما يميز هذه المبادرة ويجعلها ناجحة، أنها كانت محددة في إعلانها من حيث الغاية والمستهدفين والشركاء، إلى جانب ما حازته من زخم إعلامي وقدرة عالية على التنسيق لتوفير المعلومات والتواصلات، إلى جانب توفيرها آليات يسيرة في الدفع والمساهمة بالتبرعات و بكافة العملات عبر عدة مكاتب صرافة في مختلف المناطق، فضلاً عن ضمان الشفافية في سير المراحل وتوثيق التبرعات وإتاحتها للعلن. يضاف لما سبق أن هذا الجهد متسقاً مع الأولويات لمرحلة التعافي المستدام من أثر الزلزال، عبر توفير منازل ملائمة لمن فقدوا مساكنهم، بالاعتماد على لجنة الاستجابة الطارئة المشكلة من الوجهاء والاعيان.
هنالك تحدٍ أمام هذه المبادة وهو قدرة القائمين عليها من اختيار الفئات المستفيدة وفق معايير موضوعية، لاختيار الفئات المتضررة المستحقة دونما تمييز.
ساهمت مشاركة الشركات والتجار بشكل أساسي في هذه المبادرة، في تصويب الصورة النمطية السلبية بأنهم تجار أزمات ولا يعنيهم إلا مصحلتهم الشخصية، كما أكدت أهمية دورهم المجتمعي وتفعيل مسؤوليتهم واستثمارها في مساحات عمل تخدم المجتمع، فلا بد من المحافظة على دورهم كرأس مال اجتماعي يمكن البناء عليه في توفير الموارد والتمويل اللازم لمواجهة المخاطر و التنمية المحلية.
إن المسؤولية المجتمعية للكيانات والأفراد التي تفاعلت كرد فعل عفوي للكارثة، أثبتت للسلطات المحلية أن تحقيق المشاركة المجتمعية في كافة المستويات ابتداءً من مشاركة وتبادل المعلومات بين الجهات الرسمية و الجهات اللاحكومية والشعبية، انتقالاً لتصميم الخطط والبرامج، انتهاءً بمرحلة التنفيذ والمراقبة والتقييم، تعزز الإمكانيات في التصدي للمخاطر التي تهدد تماسك المجتمع والأمن والسلامة، وأن هذه الشراكة ستنتج حلولاً أكثر واقعية وملائمة، والبناء عليها سيحقق دفعة باتجاه تحقيق الاستقرار المجتمعي ويحرك عجلة النمو والتنمية الاقتصادية و الاجتماعية، وإن إطلاق المبادرات المحلية ودعمها بالطرق القانونية وتقديم التسهيلات لها من جانب السلطات المحلية، سيصقل خبرات المجتمع بكافة فئاته ويكسبه المرونة في مواجهة مشاكله، ويخلق المساحات والهوامش التي يستطيع المجتمع من خلالها أن يعرف دوره وحدوه فيها، وألا تكون رغبة السلطة في اللجوء للمجتمع في الأوقات العصيبة عندما تقف عاجزة لمعالجة مخاطر محددة، و أن تكون ممتدة لما بعد الكارثة في مرحلة الاستقرار و البناء.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت