مبدأ “رابح- رابح” في التعاملات الاقتصادية بين النظام وإيران.. ما إمكانية تطبيقه؟
شهد اليومان الماضيان لقاءات واجتماعات بين حكومة النظام، برئاسة حسين عرنوس، ونظيرتها الإيرانية، لتحريك ملف الاتفاقيات الاقتصادية العالقة، والتوصل لاتفاقيات جديدة بين الجانبين في المجال المصرفي.
وتندرج تلك اللقاءات ضمن الترتيبات اللاحقة للزيارة التي أجراها الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، لدمشق في مايو/ أيار الماضي، والتي تخللها توقيع اتفاقيات “استراتيجية” لم ترَ النور حتى اليوم.
رئيس الوزراء في حكومة النظام، حسين عرنوس، قال خلال تواجده في طهران الأحد الماضي، إنه تم إيجاد الحلول للعوائق التي تقف بوجه تنفيذ مذكرات التفاهم بين الجانبين، مشيراً إلى أن نتائج اللقاءات الأخيرة “ستظهر خلال أيام”.
وبحسب عرنوس، فإن الاتفاقيات التي وقّعها النظام مع إيران كانت وفق مبدأ “رابح- رابح” لكلا الطرفين.
مضيفاً: “سيشهد المواطنون في سورية وإيران نتائج هذه الزيارة خلال وقت قريب، لأنها قامت بإنشاء بنية اقتصادية تساعد الشعب السوري على مبدأ رابح رابح”.
ما هو مبدأ “رابح- رابح”؟
في مجال التعاملات الاقتصادية، يستخدم مصطلح “رابح رابح” لوصف موقف يحصل فيه كلا الطرفين المعنيين على مكاسب وامتيازات تفيد كليهما، سوءاً كانا شركتان أو مؤسستان أو دولتان أو أي طرفين نشأ بينهما خلاف ونزاع.
وبدلاً من فوز أحد الطرفين على حساب الطرف الآخر أو الخروج بمعادلة محصلتها صفر، يمكن لسيناريو “رابح- رابح” ضمان حصول كلا الطرفين على نتيجة إيجابية.
ويساهم هذا النموذج بصيغته العامة في “تعزيز العلاقات الثنائية بين الطرفين والدفع نحو الاستدامة والإنتاجية”.
لكن ما إمكانية تطبيق هذه الاستراتيجية بين النظام السوري وإيران، التي تعتبر أبرز داعميه؟
يرى الباحث الاقتصادي في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، مناف قومان، أنه لقياس مدى نجاح مبدأ “رابح- رابح” يجب النظر إلى كلا الطرفين فيما إذا كانا ندّين لبعضهما ونشأ بينهما نزاع تجاري، أو ما إذا كان يتفوق طرف على آخر اقتصادياً.
وأضاف في حديثه لـ”السورية نت” أنه في حالة سورية وإيران، نرى أن “الميزان التجاري مائل دوماً لإيران، بفضل صادرات الوقود بالدرجة الأولى، والاستثمارات الإيرانية في قطاع الكهرباء وإعادة الإعمار والزراعة والصناعة والبنى التحتية في سورية، سواءً المنفذة أو المتفق على تنفيذها”.
أما بالنسبة للطرف السوري، فلديه الثروات والأرض والامتيازات وبعض المواد المصنعة التي يمكن تصديرها لإيران، وفق قومان.
مردفاً “في ظل ما يعانيه الاقتصاد السوري من أزمات ومشاكل، ستبقى إيران تقدم للنظام المساعدات المالية والمادية، وتأخذ مقابلها امتيازات وعقود واستثمارات ونفوذ على الأرض، دون حصول النظام على مقابل”.
وبالتالي ستبقى إيران رابحة مقابل خسارة النظام اقتصادياً، حسبما قال.
وأضاف: “لذا لا أعتقد أن معادلة (رابح- رابح) مجدية، وتندرج ضمن الوعود والحملات الإعلامية المستمرة بين البلدين منذ أكثر من 10 سنوات دون حصول تطور يذكر في العلاقات التجارية الثنائية”.
ودائماً ما أبدت طهران توجساً خلال السنوات الماضية من بطء تنفيذ الاتفاقيات التي أبرمتها مع نظام الأسد، وخاصة المتعلقة بالمجالات الاقتصادية.
ولأكثر من مرة عبّر مسؤولون كبار عن توجس طهران ومخاوفها من “ضعف الحصّة”، وهو ما دفع الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي لزيارة دمشق في مايو 2023، معلناً توقيع عدة اتفاقيات مع رأس النظام، بشار الأسد.
مصرف إيراني ومشروع السكك
انعقدت أواخر الأسبوع الماضي اجتماعات اللجنة الوزارية السورية- الإيرانية في طهران، بحضور كبار المسؤولين في حكومة النظام والحكومة الإيرانية.
وبحث الطرفان الاتفاقيات الاقتصادية العالقة بين الجانبين، وإمكانية عقد اتفاقيات جديدة في المجال التجاري والمصرفي.
ونقلت صحيفة “الوطن” شبه الرسمية عن وزير الإسكان وبناء المدن الإيراني، الخميس الماضي، أنه تم الانتهاء من تأسيس مصرف إيراني في سورية، وسيباشر أعماله في الأيام القليلة القادمة.
وكان الحديث عن تأسيس مصرف إيراني في سورية قد بدأ عام 2019، حين أعلن رئيس البنك المركزي الإيراني، عبد الناصر همتي، عن إصدار رخصة لإنشاء بنك مشترك بين إيران وسورية في دمشق.
لكن الاتفاق دخل مرحلة الجدّية مطلع عام 2022، خلال زيارة أجراها وزير الطرق الإيراني، رستم قاسمي إلى دمشق.
وقال قاسمي حينها: “تم التوصل إلى توافقات جيدة، وتقرر افتتاح مصرف مشترك، وعلى ضوئه سيتم إنشاء تبادل لفروع مصارف محلية بين الجانبين”.
ومنذ ذلك الوقت لم يحرز الجانبان أي تقدم بهذا الخصوص، ليتم الإعلان أمس عن الانتهاء من تأسيس المصرف، على أن ينطلق خلال أيام.
وتخضع المصارف الإيرانية لعقوبات أمريكية تمنع المصارف في الخارج من التعامل معها خشية فرض عقوبات.
كما يخضع مصرف سورية المركزي لعقوبات من وزارة الخزانة الأمريكية، منذ نهاية 2020.
وإلى جانب المصرف، تحدث وزير الاقتصاد في حكومة النظام، محمد سامر خليل، عن خطط الطرفين لإقامة مشاريع مشتركة مثل إنشاء مناطق تجارة حرة، ومعاهد تأمينية ومصرفية مشتركة.
وقال إن الجانبين توصلا إلى “توافق جيد بشأن الخطوط العريضة لاتفاقية التجارة الحرة وإطار التعاون بين البنوك المركزية وقطاعي السياحة والنقل”.
وكذلك، دعا وزير الطرق الإيراني إلى ضرورة الانتهاء من مشروع السكك الحديدية بين طهران ودمشق، مشيراً إلى أن “السكك الحديدية في جمهورية إيران الإسلامية مستعدة تماماً لدراسة إعادة بناء خطوط السكك الحديدية المتضررة في سورية”.