“مركز عمران للدراسات” يبحث التداعيات الاقتصادية للحرب الأوكرانية: وقائع وسيناريوهات
عقد مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، مساء اليوم الأربعاء، ندوة بحثية، حملت عنوان: “التداعيات الاقتصادية للغزو الروسي على أوكرانيا”، وتمركزت محاورها حول الظلال الثقيلة التي ألقتها العملية العسكرية الروسية على الاقتصاد العالمي.
الباحث مناف قومان الذي أدار الندوة، مهد لها بالإشارة إلى أن العالم الذي ما زال يعاني اقتصادياً من تداعيات وتأثيرات أزمة كورونا، استيقظ على عملية عسكرية روسية زادت من ضبابية المشهد على الأسواق العالمية.
ونوه قومان، إلى أن مؤشرات اقتصادية غير تقليدية بدأت تظهر، مثل زيادة تخزين السلع، خاصة المستوردة بالنسبة للعديد من دول العالم.
وقدمت الدكتورة سلام سعيد الباحثة والمحاضرة الجامعية، في بداية مداخلتها، توضيحات حول بعض القرارات والسياسات الاقتصادية المتولدة عن الحرب، ومن بينها طلب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، دفع ثمن الغاز بالروبل.
ورأت في هذا المجال، بأن الطلب الروسي، لا يأتي لمنافسة الدولار كعملة عالمية، وإنما فقط للحفاظ على مستوى الروبل تجاه الدولار، خاصة بعد خسارة موسكو نحو 30 بالمئة من قيمة عملتها المحلية.
وبالنسبة لرفض مجموعة الدول الصناعية السبع، الطلب الروسي، رأت سعيد، بأن ذلك دليل على إحجام هذه الدول عن أي خطوة من شأنها أن تدعم العملة الروسية.
لكن بالمقابل، توقعت الخبيرة الاقتصادية، الوصول إلى حل قريب في هذا المجال، خاصة وأن بوتين لا يريد أن ينهي هذه الورقة، نظراً لأهميتها.
وحول تداعيات الحرب على الاقتصاد العالمي، شددت سلام على أن من أهمها أسعار النفط، الذي بطبيعة الحال يدخل في كل أسعار السلع المنتجة، وهذا يؤدي إلى زيادة التضخم، وتأثيرات أخرى متعلقة بالركود.
واختتمت مداخلتها بالتنبؤ بوجود ترتيبات اقتصادية جديدة: “سيكون هناك لاعبون اقتصاد جدد وطرق جديدة لتوريدات الطاقة، ونحن قادمون على فترة اقتصادية صعبة”. حسب وصفها.
ماذا عن تركيا وسورية؟
تداعيات العملية الروسية على سورية وتركيا، من محاور الندوة التي تحدث فيها الباحث سنان حتاحت، وأشار خلالها إلى أن لتركيا حصة كبيرة من التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي مع البلدين (روسيا وأوكرانيا).
وذكّر الدكتور حتاحت، بأن 30 % من مصادر الطاقة في تركيا تعتمد على روسيا، وأنها بالمقابل تصدّر منتجاتها الزراعية إلى روسيا، وتستورد القمح والزيت النباتي من أوكرانيا، وبالتالي الغزو الروسي هو بالنسبة لأنقرة حرب على أبوابها وتأثيراته مباشرة.
ولا يعول حتاحت كثيراً على المفاوضات الجارية حالياً بين الطرفين المتحاربين، مشيراُ إلى أنها في بدايتها ، وتصطدم بالموقف الروسي الذي لا زال على حاله، وبموقف أوكراني لا يستطيع أن يقدم تنازلات مجانية، وبالتالي الاتفاق بينهما ما زال بعيداً.
وفيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، رأى حتاحت بأن هناك خيارات لتركيا مثل الشراء من فرنسا، لكن بالمجمل تأثرها الاقتصادي بالحرب يحتاج إلى سنوات للظهور، أما بالنسبة لنظام الأسد، فإن هناك تلميحات حول التوجه إلى الهند.
ورأى حتاحت أن هناك قوتان تستطيع الاستفادة من الحرب، وهي إيران مع قرب الإعلان عن اتفاق نووي جديد يعطيها دفعة من أموالها المحجوزة، ومساحة أكبر للتحرك في المنطقة.
وفيما يتعلق بتركيا، رأى حتاحت بأنها يمكن أن تستفيد، وأن لديها الإمكانية، لكن لا تتوفر لديها الإرادة، مفسراً ذلك باعتماد تركيا في سياستها حول الشأن السوري على نهج الاحتواء، سواء بالملف الامني أو بالملفات الأخرى، و”هي تعمل على ردود الأفعال أكثر منها فاعل مباشر”. حسب قوله.
مدير البحوث في “مركز عمران” معن طلاع، بدوره، شدد على أن هناك عقلانية ما تزال تحكم سلوك الدول بشكل بعيد فيما يتعلق بالحرب الأوكرانية، وهذا مؤشر على عدم وجود تغيرات كبرى في النظام الدولي.
وحول تأثيرات الغزو، يرى طلاع بأن ذلك منوط بالسيناريوهات الثلاثة المتوقعة، مرجحاً أولها المتمثل في الخروج بصيغة تفاوضية تنتهي بأن “لا تنتصر روسيا كل الانتصار، ولا تنتهي أوكرانيا”.
السيناريو الآخر وفق رأي طلاع، هو تدحرج الأزمة واستنزاف اقتصادي لروسيا، وهو “سيناريو للتنويه منهك لكل الدول، لذلك سيسعى الجميع إلى عدم الانزلاق إليه”. حسب قوله.
وأضاف: “السنياريو الثالث الأخير، هو تحقيق مكاسب استراتيجية لروسيا والسيطرة على مناطق مهمة عسكرية، والدخول في لعبة التوازن وفصل الملفات”.
استاذ العلاقات الدولية خطار ابو دياب، وفي إجابة على تساؤل إن كانت مغامرة بوتين محسوبة المخاطر ام لا؟ قال بأن بأن الروس سقطوا في فخ، وأن بوتين من أجل حماية نفسه من الخطر الاوكراني أوقع نفسه في خطأ أكبر.
ونوه في هذا المجال، إلى اعتراف موسكو بمقتل ما يزيد عن 1300 جندي، بينما أوساط أوروبية تتحدث عن 15 ألف قتيل وجريح، ما يعني 15 بالمئة من حجم القوات المهاجمة.
وراى أبو دياب، بأنه لا أحد يعلم متى تتوقف الأحداث، وانتهاء الحرب، مختتما حديثه بالتأكيد على أن الحرب زادت العالم اضطراباً، وربما ستكون فاتحة لمصادر نزاع أخرى حول الاقتصاد والطاقة، وحول مستقبل العملات.