شهدت محافظة إدلب، خلال الأيام الماضية، سلسلة من “التحركات المريبة”، سواء من الجانب الذي تسيطر عليه “هيئة تحرير الشام” أو ذاك الخاصع لسيطرة قوات الأسد، ما أثار جملة من التساؤلات التي ارتبطت على الخصوص بزاوية “التزامن” من جهة، والسياق العام الذي جاءت فيه من جهة أخرى.
وفي الوقت الذي أعلن فيه النظام السوري عن فتح “مركز تسوية” في مدينة خان شيخون التي سيطر عليها قبل عامين، تحدث صحفيون مقربون منه عن “خطة لإعادة أهالي معرة النعمان إلى منازلهم”، فيما روّجت وسائل إعلام شبه رسمية عن “خطوات تدريجية لإعادة فتح المعابر عبر خطوط التماس”.
وجاء كل ذلك بصورة “مفاجئة” ودون أي مقدمات، ولاسيما أن محافظة إدلب كانت قد دخلت خلال الفترة الأخيرة في مرحلة “سبات ميداني” وسياسي يرتبط بمشهدها العام أيضاً.
لكن ما كان لافتاً التحركات التي حصلت على الطرف الآخر، من جانب سيطرة فصائل المعارضة، حيث تحدثت مصادر لـ”السورية.نت” وتقارير إعلامية عن مساعٍ بدأتها “هيئة تحرير الشام” لفتح معبر مع مناطق سيطرة النظام، بالقرب من مدينة سراقب بريف إدلب الشرقي.
وفي حين بقيت هذه المساعي دون أي تأكيدات رسمية، جاءت هجوم “تحرير الشام”، قبل يومين على نقاط تتبع لـ”الجبهة الوطنية للتحرير” بالقرب من مدينة سرمين، ليزيد حالة الجدل بخصوص “فتح المعبر”.
وقال مصدر من “الجبهة الوطنية”، لـ”السورية.نت”، في 29 من سبتمبر/أيلول الماضي، إن “قوة تتبع لتحرير الشام، هاجمت بالأسلحة والرشاشات الثقيلة، نقاط رباط للجبهة الوطنية، واستولت عليها”. كما أشار إلى أن “القوة المهاجمة أطلقت النار على عناصر الجبهة الوطنية، وأصابت مقاتلين اثنين”.
وأوضح المصدر أنّ “حجّة هجوم تحرير الشام كشف طريق سرمين ـ سراقب، الذي تعتزم افتتاح معبر فيه مع النظام”، فيما أكدت شبكة “المحرر” المقربة من “فيلق الشام” أحد أبرز تشكيلات “الجبهة الوطنية للتحرير” الحادثة، وقالت إنّ “مقاتلاً أصيب، خلال هجوم لهيئة تحرير الشام، على نقاط الرباط على محور مدينة سراقب”.
“صدفة” أم ترابط؟
وتخضع محافظة إدلب لاتفاقيات منها ما يتعلق بمسار “أستانة” الذي يضمنه الثلاثي “الأتراك، الروس، الإيرانيين”، أو ذاك الذي يتعلق بمدينة “سوتشي”، والتفاهمات الأخيرة التي اتفق عليها الرئيسان الروسي والتركي، فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان.
ولا توجد مؤشرات حتى الآن عما ستكون عليه المحافظة في المستقبل، وما إذا كانت خطوط تماسها ستتغير سواء لصالح النظام أم بمسارات أخرى، وخاصة أن موسكو تصر على ضرورة تسوية وضع إدلب وفقاً لمنظورها الخاص، وكذلك الأمر بالنسبة لنظام الأسد.
وبينما لا يرى عبد السلام عبد الرزاق وهو قيادي في فصائل المعارضة أي “ارتباط” فيما يحصل، في إشارة إلى “نوايا النظام” في محيط إدلب و”معبر المزمع افتتاحه من جانب تحرير الشام” يشير الباحث في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، نوار شعبان إلى أن الأطراف المتخاصمة وعندما تصل إلى مرحلة تتطلب “بعض الاستمرار” تبدأ بـ”التناغم إعلامياً من أجل ضبط الحاضنة في كل منطقة على حدى”.
ويقول عبد الرزاق لـ”السورية.نت”: “فتح المعابر في إدلب أو بريف حلب كان في السنوات الماضية بين أخذ ورد، وغالباً ما تصدى الحراك المدني والثوار لهذه الفكرة، ولأي محاولة تواصل مع النظام المجرم إن كان اقتصادياً أو غير ذلك”.
لكن الفصائل ترى في المعابر “شريان يدر أرباح”، ومع ذلك لا يتوقع القيادي أي “ارتباط مع مراكز التسويات الشكلية التي اعتدناها من النظام في مختلف المحافظات، في سياق تسويقه لنفسه على أنه مع عودة النازحين واللاجئين إلى مدنهم”، وفق تعبيره.
ويضيف: “يعرف النظام أنه غير فعال ولكن يريده ضمن بروبوغندا معينة. لا يمكن أن تكون الفصائل جزء منها. وأقصد تناغمها معه بفتح المعابر”.
في المقابل يقول الباحث شعبان لـ”السورية.نت”: “هناك نوع من أنواع الارتباط” بين تحركات النظام السوري من جهة، وما تحاول العمل عليه “تحرير الشام” من جهة أخرى.
ورغم هذا الارتباط، إلا أن الباحث يرى بأن “المعابر لن تكون على أساس المصالحات، والترويج لها”.
#المجلس_الأعلى_للإفتاء#الفتوى #رقم11
فتوى في حكم عقد "التسويات" و"المصالحات" مع نظام الأسد المجرم pic.twitter.com/ZJbqYMqdA1— المجلس الأعلى للإفتاء (@AIftaa_sy) September 30, 2022
“شيء صوري”
وسبق وأن ارتبطت مناطق سيطرة فصائل المعارضة بإدلب مع مناطق سيطرة النظام السوري بمعابر داخلية، كان أبرزها معبر مدينة مورك. وهي المدينة التي سيطر عليها النظام بإحدى حملاته العسكرية، المدعومة من روسيا.
وبعد اتفاق “سوتشي” الأخير في 2020 وما تلا ذلك من العمليات التي أطلقتها قوات الأسد وسيطرت من خلالها على مناطق واسعة من الريفين الجنوبي والشرقي انقطعت كل هذه الشرايين، وبقيت دون أي حالة عبور.
ويرى الناشط السياسي المقيم في إدلب، عبد الكريم العمر أن “افتتاح النظام لمركز التسوية بخان شيخون ومن ثم إعلانه لعودة أهالي معرة النعمان يهدف من خلالهما تقديم نفسه على أنه متصالح مع شعبه والآخرين”.
“خان شيخون ومعرة النعمان أصبحتا مدن أشباح. النظام السوري وبعد السيطرة عليهما قطعت شبيحته أشجار الزيتون والفستق الحلبي، وحتى أنها سحبت الحديد من أسطح الأبنية”.
ولا يعتقد العمر في حديث لـ”السورية.نت” أن هناك ارتباط بين ما يحصل على طرفي حدود إدلب، لكنه يشير من جانب آخر إلى أن “التزامن فيما يحصل ليس صدفة”ز
ويقول الناشط السياسي: “اليوم أمام تعثر الحل السياسي وعدم وجوده ربما الأتراك والروس اتفقوا على ترتيب الوضع في هذه المنطقة حتى التوصل لاتفاق نهائي”.
وحتى اللحظة الحالية من غير الواضع ما إذا كانت ستفتح المعابر أما لا، وخاصة للتجارة والاقتصاد. ويعتبر العمر: “في النهاية هناك موقف أمريكي. ما يحصل مجرد تصريحات وكلام لا أكثر ولا أقل. بانتظار موقف حقيقي من واشنطن، والتي صرّح مسؤولوها مؤخراً عن رفضهم للتطبيع وإعادة علاقات بعض الدول مع النظام السوري”.