أعاد لبنان إثارة ملف اللاجئين السوريين على أراضيه مجدداً، عبر حراكٍ بمختلف الاتجاهات، يهدف بنهاية المطاف إلى إعادة السوريين لبلدهم، متجاوزاً بذلك تحذيرات الأمم المتحدة من “خطر العودة”.
تضمن ذلك الحراك عمليات ترحيل “قسري” قامت بها السلطات اللبنانية خلال الأسابيع الماضية ضد سوريين، بحجة “مخالفتهم للقوانين”.
تلاها خطاب موجه للداعمين الدوليين في مؤتمر “بروكسل 7″، جاء فيه أن لبنان “لم يعد قادراً على استيعاب الوجود السوري على أراضيه”، مطالباً بالمزيد من الدعم.
ثم كشفت تقارير لبنانية عن خطة وضعها مجلس الوزراء اللبناني، تتضمن خطوات قريبة وبعيدة المدى، لإعادة السوريين من لبنان.
إلا أن تلك المساعي دائماً ما تصطدم بحواجز تضعها مفوضية اللاجئين، والتي يقول لبنان إنها “تعرقل” عودة السوريين لبلدهم، ما يدفعه إلى اللجوء لنظام الأسد والتنسيق معه بملف العودة.
“الداتا”.. ملف يريده لبنان بإصرار
أبرز الملفات الخلافية بين لبنان ومفوضية اللاجئين هو “الداتا” (البيانات) الخاصة باللاجئين السوريين، والتي يطالب لبنان المفوضية بتزويده بها.
وتصر الحكومة اللبنانية على تسلم “الداتا” من المفوضية، تحت ذريعة معرفتها لعدد اللاجئين السوريين المسجلين والمستحقين للمساعدات.
كما تبرر ذلك بحاجتها لمعرفة عدد السوريين المسجلين كنازحين في لبنان، ويذهبون بشكل دوري إلى سورية.
في حين تضع المفوضية شروطاً ومحددات دولية لقبول تسليم “الداتا”، خوفاً من وصول تلك البيانات لأيدي النظام السوري.
وكان مجلس الوزراء اللبناني، منح المفوضية في 24 أبريل/ نيسان الماضي، مهلة أسبوع واحد فقط لتزويد وزراة الداخلية اللبنانية بالبيانات الخاصة بالسوريين.
إلا أن المفوضية رفضت التجاوب معه، حفاظاً على “سرية” و”خصوصية” المعلومات المتعلقة بالسوريين وحمايتهم.
وطالبت المفوضية بتشكيل لجنة تقنية “تخضع لمعايير دولية”، من أجل مشاركة الداتا مع الحكومة اللبنانية وحمايتها.
وقالت المتحدثة باسم المفوضية، دلال أبو حرب، إن “هدفنا الأول والأخير يبقى حماية أولئك الأكثر ضعفاً في المجتمع المضيف، وضمان استمرارية الالتزام بمبادئ القانون الدولي”.
وأضافت أبو حرب في حديث سابق لـ”السورية. نت”، أن المفوضية تواصل المشاركة في مقترحات ”بناءة” لمعالجة وضع اللاجئين في لبنان وضمان حمايتهم، بما في ذلك القضايا المتعلقة بمشاركة الداتا.
من جانبه، قال المحامي اللبناني، نبيل الحلبي، في حديث سابق لـ “السورية نت”، إن “المفوضية ترفض تسليم الداتا بسبب وجود معلومات دقيقة عن اللاجئين وخاصة المعارضين، وإمكانية تشكيل خطر عليهم في حال الوصول إلى عناوين سكنهم”.
في حين يرى محللون أن النظام لديه تغلغل مخابراتي في لبنان، وبالتالي هو قادر على اختراق المعلومات التي يريدها.
وكان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، هدد بقطع التواصل والتنسيق مع المفوضية في حال امتنعت عن تسليم البيانات.
“دولرة المساعدات”
ملف إشكالي آخر بين لبنان ومفوضية اللاجئين، يدور حول منح المساعدات للاجئين السوريين بالدولار الأمريكي أم بالعملة اللبنانية المحلية.
وكانت الحكومة اللبنانية رفضت طلب المفوضية بإعطاء مساعدات نقدية للسوريين بالدولار، واشترطت تقديمها بالليرة اللبنانية فقط.
وقال وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني، هيكتور حجار، في مايو/ أيار الماضي إن مفوضية اللاجئين، طلبت من الحكومة اللبنانية إذناً بمنح المساعدات المالية للسوريين بالدولار وليس بالليرة.
وقال إن المفوضية “تحججت بصعوبة تأمين كميات كبيرة من الكاش بالليرة اللبنانية داخل ماكينات التصريف الآلي”.
وأرجع الوزير اللبناني سبب رفض بلاده لـ “دولرة المساعدات” إلى أسباب عدة.
من بينها أن “الدفع بالدولار للنازحين السوريين يعزّز بقاءهم في لبنان ودمجهم في المجتمع”.
وبحسب حجار، فإن منح 20 دولار شهرياً لكل لاجئ سوري و40 دولار لكل عائلة سورية في لبنان، هو “أكبر بكثير من راتب موظف فئة أولى في القطاع العام”.
ومن بين الأسباب التي ذكرها هو أن الشارع اللبناني “رافض للنزوح السوري في لبنان”.
وقد تحصل مقارنات “بين المساعدات المختلفة التي يحصل عليها النازحون والمساعدات البسيطة التي يحصل عليها اللبنانيون”، حسب حجار.
وأضاف: “في البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً يستفيد حالياً 70 ألف عائلة لبنانية فقط، في مقابل 230 ألف عائلة سورية”.
واعتبر أن “دولرة المساعدات” سوف تزيد التوتر بين اللبنانيين والسوريين في لبنان، حسب تعبيره.
وطالب الوزير بدفع هذه المساعدات النقدية في سورية “من أجل تشجيع النازحين على العودة لبلدهم”.
اللاجئون..”صلة الوصل” مع النظام
يعتبر لبنان أن عدم تجاوب مفوضية اللاجئين مع مطالبه، يهدف إلى “عرقلة” عودة السوريين لبلدهم.
فيما تنفي المفوضية ذلك، بقولها إنها “تدعم العودة الطوعية والآمنة والكريمة للاجئين، وتدعوهم للعودة متى شعروا هم بالأمان للقيام بذلك”.
كل ذلك، دفع الحكومة اللبنانية إلى اللجوء للنظام السوري، والتنسيق معه من أجل إيجاد مخرج يضمن “قدر المستطاع” تنفيذ خطتها للعودة.
إذ أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان، نجيب ميقاتي، مطلع الشهر الجاري، أنهم بصدد تشكيل لجنة وزارية، من أجل بحث ملف السوريين في العاصمة دمشق.
وقال ميقاتي في تصريحات صحفية، إن “هذه الخطوة ستكون بالتنسيق مع اللجنة السداسية المنبثقة عن الجامعة العربية”.
وسبق أن طرح لبنان عام 2022، خطة لترحيل السوريين بالتنسيق مع النظام السوري.
وتستهدف الخطة إعادة 15 ألف سوري شهرياً إلى مناطق سيطرة الأسد، أي بمعدل 180 ألف شخص في السنة.
إلا أن الخطة “فشلت” بتحقيق نتائجها، بعد معارضة من منظمات حقوقية وجهات دولية.
وكذلك طرح لبنان خطة مماثلة عام 2017، إلا أنها لم تخرج بالنتائج التي ترجوها السلطات اللبنانية أيضاً.
ويبلغ عدد السوريين المسجلين في لبنان كلاجئين نحو مليون سوري، من أصل 6 ملايين نسمة يعيشون في هذا البلد.