خبا كثيراً، خطاب النظام غير الرسمي، حول الاستثمارات والأموال العربية الساخنة، القادمة قريباً، لانتشال الاقتصاد المتدهور من عثراته، وحلت مكانه ملهاةٌ أخرى، بدت إسعافية، في ضوء مزاجٍ في الشارع أخذ يتقبّل ويردد شائعات وقصص غير معلومة المصدر، تفيد بحالة من اليأس الاقتصادي أو حتى اللامبالاة، لدى سلطات النظام، بالتزامن مع انهيار غير مسبوق في القدرة الشرائية للسوريين، بات معها النشاط الإنتاجي في سوريا، ضرباً من العبث.
وفيما كان مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر يفيموف، يوجه ضربة معنوية لنظام الأسد، مفادها، أن طلب بشار الأسد من فلاديمير بوتين، الحصول على قرضٍ مالي من روسيا، في آذار/مارس المنصرم، ما يزال قيد البحث، بانتظار “عدد من الظروف المرافقة (له) بشكل إيجابي”، مما يؤكد أن لا قرضاً روسياً للنظام في المدى المنظور، بالتزامن، كثُرت الشائعات والقصص في الشارع السوري، حول استقالة رأس النظام من الشأن الاقتصادي تماماً، ورفضه حتى لمناقشته، وإلقاء كامل أعباءه ومسؤولياته على اللجنة الاقتصادية التي تضم الوزراء المعنيين داخل مجلس الوزراء. في وقتٍ تتصاعد فيه مؤشرات الاستياء داخل الشارع العلوي، بالذات، نظراً لأن أبناء الطائفة الأكثر التصاقاً بالنظام، يستندون معيشياً، في جلهم، على الوظيفة الحكومية، خلافاً لحواضن اجتماعية أخرى، هاجر الكثيرون من أبنائها إلى الخارج، فتحولوا إلى مصدر تمويل لمعيشة أهاليهم في الداخل عبر الحوالات. وتجلت مؤشرات الاستياء تلك، وفق مصادر محلية، بجرأة متصاعدة في أوساط العلويين، في تحميل رأس النظام وزوجته شخصياً، مسؤولية ما هم فيه، والنيل منهم مباشرةً، في الأحاديث العامة.
وترافقت الوقائع آنفة الذكر، مع تدهور قياسي للقدرة الشرائية للسوريين، بحيث بات صحن الجبنة مع البطيخ، تحدياً ليس في مقدور شريحة واسعة من الأسر السورية، التصدي له. وتضخمَ سعر صحن البيض ليلتهم ثلث الحد الأدنى من الأجور. وتفاقمت ظاهرة الاستقالات الجماعية من القطاع العام، حتى بات الأخير -الذي كان قبل عقدٍ يناقش كيف يمكن له الحد من العمالة الفائضة لديه- يخشى من انهيار كامل في المدى المنظور.
في ضوء ما سبق، ألقى النظام بـ “ملهاة” الزيادة المرتقبة للأجور، في سياق اهتمامات السوريين، فتحولت إلى موضوع النقاش الرئيس. وفتُح الهواء الإعلامي، على مصراعيه، للنقاش حول هذه “الملهاة”، حتى تجاوزت الحدود المأمولة من جانب النظام ذاته، فتصدى الإعلام شبه الرسمي، ممثلاً في صحيفة “الوطن”، للجم “خيال البعض”، الذي توقع نسبة زيادة تصل إلى 200 أو حتى 300%. وهي نسبة حتى لو تحققت، لا ترقى إلى خُمس الزيادة التي يمكن لها، فعلاً، تحقيق الكفاف المعيشي للسوريين، والتي قدّرتها باحثة اقتصادية في دمشق، بحد أجر أدنى، 1.5 مليون ليرة سورية شهرياً، أي بزيادة على الحد الأدنى الراهن، بنسبة 1500%.
لكن تلك الإشارة إلى مدى تفاهة أثر الزيادة المنتظرة في الأجور على معيشة السوريين، لم تمنع من تمدد الجدل والنقاش حول هذه “الملهاة”، ودخول الشائعات على الخط، كنتيجة لتأكيدات عضوٍ في مجلس الشعب، أن الزيادة المرتقبة لن تُموّل من رفع أسعار المشتقات النفطية، مما تسبب بولادة شائعة التمويل الخارجي من جانب دولة خليجية لزيادة الأجور، على مدى عام كامل. وهي شائعة سرعان ما خبت، حينما زاد النظام سعر مادة الفيول المباع للقطاع الخاص، بنسبة 30%، بعد أقل من شهر من زيادة سابقة بنسبة 40%. مما يؤكد أن النظام يعتزم تمويل الزيادة المرتقبة للأجور، من زيادات أسعار المشتقات النفطية، مما يعني بدوره، أن تلك الزيادة التُهمت مسبقاً، وستستوعبها الزيادات المُنتظرة في أسعار السلع، كنتيجة لزيادة أسعار المشتقات النفطية.
أما على ضفة الخبراء الاقتصاديين المقيمين في مناطق سيطرة النظام، فقد انقسموا كالعادة، بين مدرستين تقليديتين في التحليل الاقتصادي. الأولى، رحبت بالزيادة المرتقبة، من زاوية أنها ستتيح زيادة القدرة الشرائية للسوريين، مما سيزيد الطلب على المعروض، وهو ما سينتج عنه زيادة في النشاط الإنتاجي. فيما الثانية، كانت أكثر حذراً، ولم تخفِ مخاوفها من أن السيولة المتمثلة بزيادة الأجور، بالتزامن مع ضخ سيولة ناجمة عن شراء القمح من الفلاحين محلياً، ستنعكسا ارتفاعاً في معدلات التضخم، المفرط أساساً.
وفيما حاول النظام التركيز على إشغال الشارع السوري بـ “ملهاة” الزيادة المرتقبة للأجور، والنقاش حول نسبتها، بين من يقول إنها ستكون بحدود 100%، وبين من يقلل من ذلك، مرجحاً أنها لن تتجاوز الـ 50%، أشارت تعليقات السوريين الكثيفة حول هذا الموضوع، أنهم يميلون للمدرسة الثانية في التحليل الاقتصادي، ويتوقعون قفزات كبيرة في أسعار السلع، ستلتهم الزيادة المنتظرة، كما تعودوا على مدى تاريخ علاقتهم مع النظام، إذ ارتبطت زيادة الأجور، شرطياً، مع زيادة الأسعار، بحيث كانت دوماً، تُفرّغ من أثرها الإيجابي المنتظر على معيشتهم. بل تحولت في كثير من الأحيان، إلى نذير شؤم لدى شريحة واسعة منهم. فيما نَحَت قلة من المعلّقين، إلى التفاؤل الساخر، الذي يعبّر عن واقع حال السوريين الأليم، إذ أصبح جلّ طموحهم، أن تجعل الزيادة المنتظرة أجور الموظف قادرة على تغطية تكاليف مواصلاته إلى الوظيفة الحكومية، بدلاً من أن ينفق من جيبه خدمةً للحكومة، ما دامت الأخيرة باتت تمتنع عن قبول استقالات الموظفين الجماعية، خشية أن يفرغ قطاعها العام، من العمالة، قريباً.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت