بين شهر وآخر يُطلع المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسون مجلس الأمن الدولي ما يصفه بـ”عدم إحراز أي تقدم ملموس”. ورغم أن هذه العبارة تصّدرت حديثه منذ استلامه “المهمة المعقدة”، أقدم رأس النظام السوري، بشار الأسد على تثبيتها على نحو أكبر، في حديث له قبل أيام.
ويوكل إلى بيدرسون مهمة “تنفيذ قرارات دولية تدعو إلى انتقال سياسي غير محدد في سورية”، لكنه بات الآن يواجه المزيد من التحديات بعد أن أجرى الأسد مقابلة تلفزيونية هذا الأسبوع مع قناة “سكاي نيوز عربية”، بحسب تقرير لمجلة “ذا ناشيونال“.
وألقى الرئيس باللوم على دول الجوار في الفوضى في سورية، فضلاً عن ازدهار التجارة غير المشروعة في نوع من الأمفيتامين المعروف باسم “الكبتاغون”، فيما لم يشر إلى احتمال تغيير حكم عائلته الذي استمر 53 عاماً.
وقال الأسد إن “المعارضة التي يعترف بها هي المعارضة المصنّعة محلياً لا المصنعة خارجياً”، ضارباً بعرض الحائط تأكيدات الدول العربية والغربية على ضرورة التقدم بالحل السياسي، والذي تشارك فيه بعدة مسارات أطراف من المعارضة تقيم في معظمها خارج البلاد.
“أي حل ليس بيد الأسد”
ويشير تقرير المجلة، اليوم السبت، إلى أن “بيدرسون وهو دبلوماسي نرويجي يصر على جهوده حتى الآن ولم يستسلم كما فعل أسلافه الثلاثة”.
ويقول عضو اللجنة الدستورية السورية، خالد الحلو: “بيدرسن لا يزال مستمراً في عمله لأنه يدرك أن أي حل ليس في يد الأسد”.
وكان اثنان من أسلاف بيدرسون، الدبلوماسي الجزائري المخضرم الأخضر الإبراهيمي، والأمين العام السابق للأمم المتحدة الراحل كوفي عنان، من أبرز الأسماء في الدبلوماسية الدولية في نصف القرن الماضي.
وصمم الإبراهيمي اتفاقات الطائف عام 1989 التي ساعدت على إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية، لكنها فشلت في تخفيف نفوذ النظام السوري.
وخلف عنان كمبعوث لسورية واستقال في عام 2014، العام الذي بدأت فيه عملية السلام التابعة للأمم المتحدة في جنيف.
وقالت المتحدثة باسم مبعوثة الأمم المتحدة جينيفر فينتون إن بيدرسن يواصل “التواصل مع جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة، واستكشاف واختبار إمكانيات الجذب الدبلوماسي في جميع جوانب ولايته”.
وتضيف أن “مهمته من أجل الانتقال السياسي في سورية هي واحدة من ثلاثة مسارات دبلوماسية دولية”.
والمسار الثاني هو عملية تشرف عليها روسيا في “أستانة”، عاصمة كازاخستان.
وتتكون “أستانة” من موسكو وإيران – الداعم الإقليمي الرئيسي للأسد – وتركيا.
ومنذ سنوات تحضر وفود من النظام السوري والمعارضة، لكن حضورهم رمزي في الغالب، حيث تقرر القوى الكبرى أي نتيجة.
لكن أنقرة خففت من معارضتها للأسد على مدى العامين الماضيين، جزئياً لتقويض الميليشيات الكردية التي استحوذت، بدعم من الولايات المتحدة، على أراضي على حدودها في شمال شرق سورية.
يشكل الشمال الشرقي الجزء الأكبر من المنطقة الأمريكية في سورية، والتي تمتد في الغالب على طول الحدود مع تركيا والعراق.
وتنخرط تركيا أيضاً مع ممثلين عن الأسد في مسار ثالث متوقف يركز على إيجاد طرق لتقويض منطقة النفوذ الأمريكية في سورية، بينما تشرف روسيا على المحادثات وتحضرها إيران.
“بيد أمريكا وروسيا”
وفي هذا المشهد المجزأ، كان على السيد بيدرسن أن يعمل، بعد أن وافقت الولايات المتحدة في عام 2015 على استيلاء موسكو على الملف الدبلوماسي الدولي لسورية.
وقال عضو “الدستورية” الحلو إن روسيا، بتعاون من إيران وتركيا، كانت ستفرض حلاً سياسياً “شكلياً” للحرب السورية، يقوي النظام في دمشق لولا غزو أوكرانيا العام الماضي.
وأضاف: “توقفت واشنطن في الغالب عن لعب الكرة مع روسيا بشأن سورية”، مشيراً إلى أنه “لا يبدو أن الأسد قد أدرك أن الصورة الدولية قد تغيرت بعد حرب أوكرانيا”.
وتابع أنه “لا يدرك مدى ضعفه، وأنه إذا وافقت الولايات المتحدة وروسيا على الإطلاق، فسيتم فرض حل، سواء أراد ذلك أم لا”.
“التحول العربي”
وانسحبت الدول العربية، التي دعم بعضها جماعات معارضة للأسد، إلى حد كبير من الملف السوري بعد التدخل الروسي عام 2015.
وبتشجيع روسي، وبسبب انفراج سعودي مع إيران، رحب معظمهم بعودة الأسد إلى جامعة الدول العربية، بعد أكثر من عقد من العزلة.
الدول لديها أسباب مختلفة لاستيعاب الأسد، بحسب “ذا ناشيونال”، حيث يأمل الأردن في الحد من تدفق الكبتغون وإيماءات للترحيب بعودة اللاجئين.
وتضيف المجلة: “يبدو أن الدول الأخرى لديها المزيد من المصالح الجيوسياسية في الاعتبار، فيما يتعلق بعلاقات أفضل مع إيران واتفاق محتمل بين أنقرة ودمشق”.
لكن الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى عارضت إعادة العلاقات الدبلوماسية.
وتقول منى يعقوبيان، المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط إن ما يسمى بالتطبيع “يعقد مهمة بيدرسون، رغم أنه رحب بها”.
وتضيف أن “هذه الخطوة وجهت لعملية السلام التابعة للأمم المتحدة ضربة خطيرة أخرى”، إضافة إلى “رفض روسيا الانخراط في جنيف”.
وفي مقابلته مع “سكاي نيوز” ذكر الأسد الأمم المتحدة فقط عندما تحدث عن إمكانية عودة ملايين اللاجئين الذين فروا من سورية.
لكن في الشهر الماضي، قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بعد لقائه مع الأسد في دمشق إن قرار الأمم المتحدة 2254، جوهر تفويض بيدرسون، ولا يزال هو الأساس لحل الصراع في سورية.
وخفف القرار، الذي تم تمريره بعد ستة أسابيع من التدخل الروسي، من حدة الصفقات الدولية السابقة التي دعت على وجه التحديد إلى هيئة حكم انتقالية ورفع قبضة الأجهزة الأمنية في البلاد.
لكنها أبقت على احتمال انتقال السلطة في سورية مفتوحاً، فضلاً عن المصالحة.
وتوضح بينت شيلر، رئيس قسم الشرق الأوسط في مؤسسة هاينريش بويل أن “الأسد ليس لديه مصلحة في إطلاق القرار، ولا في الاستجابة بشكل إيجابي للإيماءات العربية”.
وتقول: “حتى الآن لم يرد النظام بالمثل على الخطوات الأولية التي اتخذتها الدول العربية”، وإنه “في جميع المناطق التي توقعت فيها دول المنطقة مزيداً من التعاون، ساء الوضع وليس أفضل”.
“مماطلة”
وقبل يوم واحد من بث مقابلة الأسد، أعلنت الشرطة في الأردن مصادرة مخبأ من المخدرات من منطقة تجارية على الحدود مع سورية، حيث كان من المقرر تهريبها إلى المملكة.
وقال أحمد طعمة رئيس وفد المعارضة إلى “أستانة” إن وفود النظام السوري “تبنت أسلوب المماطلة كلما انعقدت المحادثات في جنيف”.
وأضاف: “إنهم يعترضون على أي اقتراح على أساس أنه يقوض سيادة الحكومة الحالية ويصفون أي معارضة بأنها إرهابية. استراتيجيتهم هي تخريب المحادثات من الداخل”.
وفي نهاية المطاف اعتبر أنه يبدو أن جميع القوى الدولية راضية عن ترك “خطوط الفصل القائمة” في سورية، بين النظام ومناطق المعارضة والأراضي التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
وقبل عدة أسابيع، أعرب بيدرسون في خطاب ألقاه أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، عن أمله في حدوث تطورات إيجابية قريباً.
وقال إنه على الرغم من شهور من الدبلوماسية الواعدة، لم تكن هناك نتائج ملموسة للشعب السوري، كما ناشد النظام السوري للعمل مع الأمم المتحدة سعياً وراء مسار سياسي، وأصر على الحاجة إلى “مسار سوري – سوري وعملية أوسع لبناء الثقة”.