لم يحمل العام 2022 كثيراً بالنسبة للواقع الميداني على الأرض في سورية، على عكس ما شهدته الأعوام السابقة، لكن وعلى الرغم من أن خطوط النار والجبهات لم تتغير، إلا أن حرباً “من نوع آخر” كانت قد تصدّرت مشهد الأعوام الـ12 الفائتة، وبينما ارتبطت بجزء بـ”أشباح الإرهاب” كما يصف مراقبون، انسحبت لتأخذ منحاً تصاعدياً بضربات الجو.
في مناطق شمال غربي البلاد التي لطالما كانت على موعد بتغييرات ميدانية على الأرض بقيت خطوط التماس بين النظام السوري وفصائل المعارضة على حالها، بعيداً عما فرضته الطائرات الحربية الروسية من الجو، إذ واصلت استهدافاتها جنوباً وشمالاً، وركّزت في فترات كثيرة على القرى والبلدات ونقاط تجمع المخيمات على الحدود مع تركيا.
وكذلك الأمر بالنسبة لمناطق ريف حلب الشمالي، الخاضعة لتحالف “الجيش الوطني السوري”، من عفرين وصولاً إلى جرابلس، ومنطقة “نبع السلام”، إذ لم تشهد هذه الخريطة من السيطرة أية تحديثات من الخارج، لكن ذلك لم ينف ما حصل داخل الحدود، بعدما كسرت “هيئة تحرير الشام” خطوط مناطق سيطرتها، لتتوغل في مناطق “الوطني”، ومن ثم لتنحسب، الأمر الذي أسفر عن “تغيّر بنيوي وطارئ”، في طبيعة التشكيل العسكري المذكور.
في غضون ذلك وإلى أقصى الشمال الشرقي حيث مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) لم تتغير حدود سيطرة هذه القوى النافذة على الأرض، ومع ذلك كانت على سلسلة مواعيد “حساسة”، فرضها الجانب التركي، بتهديدات تكررت بين شهر وآخر، وارتبطت باحتمالية التقدم براً “على حين غرّة”.
وفي وقت بقيت فيه التهديدات قائمة، اتجهت تركيا مؤخراً وقبل شهرين فقط من نهاية العام 2022، لتفرض واقعاً جديداً بعملية جوية أطلقتها تحت اسم “السيف المخلب”، مستهدفة مواقع كثيرة لـ”قسد”. وجاء ذلك بعدما كثّفت من ضرباتها المسيرة، التي حصدت أرواح العشرات من قادة “وحدات حماية الشعب” وعناصرها، وهي المتهمة بالتبعية لـ”حزب العمال الكردستاني”.
وبموازاة ما عاشته مناطق “قسد” تركياً كانت قد استفتحت عام 2022 بهجوم شنه تنظيم “الدولة الإسلامية” على سجن الصناعة في محافظة الحسكة، محاولاً تحرير قادة وعناصر معتقلين، وبينما استمرت المعارك لأسابيع، كان مصيرها الفشل في النهاية، فيما تبعها حملات قادها التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا، ما أسفر عن مقتل الزعيم الأول لـ”داعش”، عبد الله قرداش “أبو إبراهيم القرشي”.
“الأعنف إسرائيلياً”
على خلاف ما عاشته مناطق فصائل المعارضة و”هيئة تحرير الشام” و”قسد” خلال عام مضا شهدت مناطق سيطرة النظام السوري حرباً كانت “الأعنف من نوعها إسرائيلياً”.
وعلى الرغم من أن الطائرات الإسرائيلية لم تغادر الأجواء السورية، على مدى السنوات الماضية، إلا أما اتبعته خلال 2022 كان مختلفاً، من زاوية كم الضربات وتوقيتها، والنقاط التي استهدفتها، إذ تركّزت بشكل أساسي، وخاصة في الربع الثاني من العام الفائت على المطارات (دمشق وحلب).
ولم تقتصر “الحرب الإسرائيلية” على ضربات الجو، بل تواصلت على البر، مستهدفة شحنات أسلحة إيرانية، في المنطقة الساحلية وفي محيط العاصمة دمشق، وأخيراً في معبر البوكمال الحدودي، في حادثة كانت هي الأولى من نوعها، من زاوية الإعلان الرسمي عنها.
ويقول الباحث السوري المختص بالشأن الإيراني، ضياء قدور لموقع “السورية.نت” إن عام 2022 كان “مميزاً بالنسبة لموضوع الغارات الإسرائيلة”، موضحاً: “كان العام الأكثر عنفاً بالضربات، لأن الإحصائيات وساعتها واتساعها وعددها وكثافتها كان الأكبر. العدد حطّم كل الأرقام القياسية”.
وتحدث قدور المهتم بمتابعة مسار الضربات عن “زيادة ملحوظة أيضاً في عدد النقاط التي استهدفتها إسرائيل في 2022، مقارنة بالأعوام السابقة من العقد الماضي”.
“صحيح لم نرى تغيراً في الاستراتيجية، سواء الإيرانية التي تمضي قدماً بتنفيذ المشروع الإيراني مهما كانت الخسائر، أو الغارات التي تطورت بشكل مقابل تناسباً مع زيادة التوغل الإيراني في سورية”.
إلا أن قدور يوضح أن “الموضوع الأهم في ضربات إسرائيل 2022 يرتبط بمسألتين، الأولى هي أن الاستهداف الإسرائيلي للدفاعات الجوية، والثاني هو ضرب المطارات”.
وفيما يتعلق بالمسألة الأولى، يوضح الباحث: “كان هناك كم كبير من الأهداف المنتعلقة بالأهداف الجوية، ما يعطي مؤشر أنه وفي حال استمرار الغارات وتكبد النظام خسائر أكبر في الدفاعات الجوية، سيكون لإسرائيل حرية مطلقة في العام المقبل 2023”.
أما الثانية يشرح الباحث: “المعركة الإسرائيلة بين المطارات كان الأبرز في 2022. المسار الجوي الذي تتبعه إيران لتهريب الأسلحة ليس مساراً مفضلاً، إنما كان مساراً إجبارياً للمضي قدماً بالمشروع الإيراني، والدليل هو التعطيل المؤقت أو الكلي للمطارات الذي تجاوزت إحصائياته الأعوام السابقة بأشواط طويلة”.
“حرب أشباح الإرهاب”
ولا يعرف بالتحديد ما سيحمله العام 2023 بالنسبة للميدان السوري المعقّد والمقسم بين عدة أطراف نفوذ وقوى محلية ودولية، ومع ذلك يرى الباحث السوري في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، نوار شعبان أن “الوضع الميداني سيكون ما بين استمرارية الحرب على أشباح الإرهاب، وما بين تثبيت خطوط النار”.
وعلى مدى الأشهر الـ12 من 2022 “لاحظنا على أكثر من جبهة أن خطوط النار كانت مثبتة، سواء في الشمال الشرقي أو الشمال الغربي”.
ويقول شعبان لموقع “السورية.نت”: “في المقابل فإن الحرب ضد أشباح الإرهاب كانت مستمرة على أكثر من جبهة وفي أغلب القطاعات، على الرغم من أن حدتها اختلفت بحسب اختلاف الأهواء الدولية”.
وقد يدفع الجمود الميداني في سورية خلال 2022 أي مراقب للاعتقاد بأن الوضع كان عادياً، وبالتالي لم يطرأ أي شيء جذري، من شأنه أن يسفر عن تحولات.
لكن الباحث يضيف بخلاف ذلك، موضحاً أن “الوضع كان حساساً جداً ومستهلكاً للقوى الموجودة في سورية، وحتى أن عملية ضبط خطوط النار تحتاج لمتابعة ميدانية ولوجستية، فيما تستهدف على العكس أي معركة هدف معين، وتنتهي بتحقيقه”.
ويتوقع الباحث أن تستمر عملية “محاربة أشباح الإرهاب”، كما وصفها في 2023، ومن المرجح أن تتصاعد، “لأن شرح الإرهاب وإلصاقه بأي جماعة يستخدمه خصوم ضد خضوم آخرين”.
أما عن خطوط النار، وعلى الرغم من ثباتها إلا أنها “معرضة للتغيير”، فيما يستبعد شعبان أي “تغير ضخم على الجبهات، وخاصة في الربع الأول من العام المقبل. مرحلة التغييرات وفق المعارك انتهت والآن تسود أدوار التفاهمات”.