فرضت تركيا معادلة جديدة في المناطق الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في شمال وشرق سورية، وعلى نحو مفاجئ أدخلت طائراتها المسيّرة كطرف أساسي في عمليات الاستهداف.
وحتى الآن لم تعرف الأهداف التي تقف وراء إدخال “المسيرات” على خط التصعيد في المنطقة، في ظل مؤشرات على اتباع أنقرة لاستراتيجية جديدة من شأنها أن تستنزف “قسد” و”وحدات حماية الشعب” التي تعتبر أحد أكبر تشكيلاتها العسكرية.
وتصنف تركيا “وحدات حماية الشعب” على قوائم الإرهاب، وتعتبرها الذراع العسكري لـ”حزب العمال الكردستاني” (pkk).
واستهدفت طائراتها المسيرة في الأيام الماضية بشكل مركّز عدة مواقع لـ”قسد”، وشخصيات فاعلة فيها وسط مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة.
وأثارت تلك الهجمات اللافتة والمفاجئة مخاوف “قسد” والقياديين في “الوحدات”، حيث اعتبروا في سلسلة تصريحات نقلتها وكالة “هاوار” مؤخراً أن ذلك من شأنه أن يفتح “حرباً جديدة” في المنطقة.
“استراتيجية حرب استنزاف”
موقع المونيتور الأمريكي نشر تقريراً اليوم السبت، وقال فيه إن عمليات الاستهداف التي تنفذها المسيّرات التركية تشير إلى “استراتيجية جديدة تتبعها تركيا ضد القوات الكردية السورية”.
وأضاف الموقع أن تركيا شنّت “سلسلة من الضربات بطائرات بدون طيار استهدفت أعضاء بارزين في وحدات حماية الشعب (YPG)، بإيماءات هادئة على ما يبدو من روسيا والولايات المتحدة”.
وخلال الأسبوعين الماضيين فقدت “وحدات حماية الشعب” نحو عشرين من أعضائها، بينهم شخصيات بارزة، في حوالي 20 غارة بطائرات مسيرة استهدفت أهدافاً، بما في ذلك مركبات تقل قادة عسكريين وأماكن اجتماعات ومراكز قيادة.
وأصابت إحدى الغارات مركبة تابعة لـ”الوحدات” على طريق القامشلي – عامودا في 19 أغسطس/آب الحالي، مما أسفر عن مقتل صلاح الدين الشهابي، وهو قائد ميداني كبير معروف أيضًا باسمه الحركي “ريناس روج”.
ما سبق كان هذا أول هجوم تركي على هدف لـ”وحدات حماية الشعب”، منذ عملية نبع السلام في خريف 2019.
وتبع ذلك غارة ثانية في وقت لاحق من ذلك اليوم، استهدفت مقرات “مجلس تل تمر العسكري” في بلدة تل تمر شمال الحسكة، حيث كان هناك اجتماع رفيع المستوى يعقد.
وبحسب ما ورد كان المبنى مكان اجتماعات بين جنرالات أميركيين وقادة “وحدات حماية الشعب” في الماضي، وأودى بحياة سبعة من قادة الأخيرة، بما فيهم سوسين بيرهات من وحدات “حماية المرأة” (الفرع النسائي بالكامل لوحدات حماية الشعب).
في غضون ذلك وفي يوم 22 أغسطس/آب الحالي دمر هجوم بطائرة مسيرة سيارة في قرية هيمو بالقرب من القامشلي، مما أسفر عن مقتل قائد من “الوحدات”، وإصابة ثلاثة آخرين بجروح خطيرة.
جاء ذلك بعد وقت قصير من استهداف طائرة مسيرة لسيارة في قرية قره مزرة جنوب شرق عين العرب، وبحسب مصادر متقاطعة فإن السيارة مملوكة لقيادي من “الوحدات”، وقتل إثر الغارة.
على ماذا تعتمد؟
بحسب موقع “المونيتور” فإن الآفاق الدبلوماسية والعملياتية الحالية في المنطقة، بما في ذلك العلاقات الأمريكية الروسية “تحوّل دون القيام بعملية برية تركية أخرى واسعة النطاق”.
وبالتالي يبدو أن تركيا، بحسب الموقع الأمريكي “تستعد لحرب استنزاف طويلة الأمد لتقييد حركة وحدات حماية الشعب، وإضعاف قيادتها وقدراتها على التحكم والاتصال وإضعاف معنويات مقاتليها”.
وستعتمد مثل هذه الاستراتيجية على ضربات الطائرات بدون طيار، وكذلك صواريخ كروز جو – أرض تركية الصنع، والتي يبلغ مداها 200 كيلومتر، ويمكن أن تطلقها الطائرات الحربية والطائرات بدون طيار التركية من الجانب الآخر من الحدود، دون الدخول إلى سورية.
ويوضح الموقع بحسب ما ترجم فريق “السورية.نت”: “ستركز الاستراتيجية على ما يبدو على عمليات القتل المستهدف لقادة وحدات حماية الشعب، بالاعتماد على الذكاء البشري والإشارة للكشف عن أماكن وجود الأهداف وأنشطتها”.
وعلى عكس حملة الطائرات الأمريكية بدون طيار في سورية، فبفضل ميزتها الجغرافية يمكن لتركيا أن تستمر في حرب استنزاف باستخدام الطائرات المسلحة بدون طيار وصواريخ كروز لفترة طويلة.
ماذا عن أمريكا وروسيا؟
وحتى الآن لم يصدر أي تعليق من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بشأن الضربات التي بدأتها أنقرة من خلال طائراتها المسيرة.
وبالنظر إلى صمتهما بشأن الغارات يقول موقع “المونيتور”: “يبدو أن كل من روسيا والولايات المتحدة فضلتا الضربات التركية بطائرات بدون طيار كبديل لعملية برية واسعة النطاق”.
ويضيف أن حرب الاستنزاف هذه ستبقي التوترات تحت السيطرة إلى حد ما، بينما تلبي في الوقت نفسه حاجة تركيا إلى إضعاف القدرات العسكرية لوحدات حماية الشعب. يبدو أن هذا هو الخيار الأكثر منطقية الذي يمكن أن تتنازل عنه تركيا والولايات المتحدة وروسيا”.
وقبل أيام كان المتحدث باسم “مجلس منبج العسكري” التابع لـ”قسد”، شرفان درويش قد قال: “”زادت تركيا مؤخراً من هجماتها بطائرات بدون طيار ضد نقاطنا العسكرية وقادتنا في جميع أنحاء شمال شرق سورية، مثل كوباني وتل تمر وآخرها في القامشلي”.
وأضاف درويش لموقع “صوت أمريكا“: “المناخ السياسي الحالي لا يساعد تركيا على شن عملية برية واسعة النطاق، لذلك يستخدمون بدلاً من ذلك الطائرات بدون طيار والضربات الجوية لتوسيع عملياتهم”.