هل انتهت السيادة السورية إلى غير رجعة؟
كتب مرة باتريك سيل في السيرة الشخصية لحافظ الأسد أنه حول سوريا من بلد يتلاعب به الجميع إلى بلد يطلب وده الجميع، فصراع المحاور بين العراق والأردن والسعودية ومصر حول سوريا الخمسينات تحول إلى صراع سياسي داخلي بين هذه الدول، بيد أن الأسد اعتمد على القوة العسكرية في فرض قوته على لبنان وسوريا واعتمد على لعب الدور الإقليمي من أجل الحصول على العائدات المالية من دول الخليج وخاصة السعودية.
أما اليوم فتبدو سوريا كما وصف الصحافي المخضرم والوزير السابق غسان تويني الحرب الأهلية اللبنانية التي امتدت على مدى 15 عاما بأنها كانت “حروب الآخرين على أرض لبنان”، فهذا الوصف ينطبق تماماً على ما آلت إليه الحرب السورية، فإسرائيل دخلت في حرب معلنة ضد إيران في سوريا، والولايات المتحدة تقصف أهدافاً داخل الأراضي السورية في تحد للحماية الروسية لقوات النظام السوري، أما تركيا فتحارب النسخة السورية من حزب العمال الكرستاني على الأراضي السورية، ولم يبق من “السيادة” السورية التي يتبجح النظام السوري بتكرارها سوى هذا المقعد “اليتيم” في الأمم المتحدة الذي أصبح يرمز إلى دولة فاشلة نصف سكانها لاجئون وأكثر من 92 من سكانها النازحين والمقيمين على أراضيها يعيشون في فقر مدقع دون أن تمتلك مؤسسات الدولة أي قدرة على تأمين خدمات الدولة الأساسية من مياه وكهرباء، هذا فضلاً عن كونها لا تسيطر سوى على 60 من الأرض حيث تتوزع البقية بين مناطق تسيطر عليها دول خارجية من روسيا إلى الولايات المتحدة إلى تركيا، وتبقى السماء مفتوحة لكل من يرغب بالقيام بقصف من أي نوع كان ضد أي فريق كان، فالولايات المتحدة تقصف أهدافا تدعي أنها لداعش وروسيا تقصف مواقع المعارضة في إدلب وغيرها من الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة، أما تركيا فتقصف مواقع تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية.
الخريطة لا تبدو صعبة الفهم بالنسبة للمراقب ولكنها تبدو مستحيلة على التفسير بالنسبة للسوريين أنفسهم، كيف قادت مظاهرات سلمية تطالب بتغيير شكل نظام الحكم نحو نموذج أكثر انفتاحاً وديمقراطية إلى حرب دولية على الأرض السورية يذهب ضحيتها الآلاف شهرياً.
أما إذا تحدثنا عن تورط إيران في الأزمة السورية منذ اليوم الأول تقريبا عبر الدعم السياسي لنظام الأسد وبعد عدة أشهر تقريبا انتقلت إيران إلى مرحلة أخرى عبر ما أسمته تقديم المستشارين السياسيين والعسكريين للنظام السوري بهدف الاستفادة من خبرتهم في قمع التظاهرات السلمية في إيران خلال ما يسمى الثورة الخضراء، وقدموا خبراتهم لنظام الأسد في اعتقال مئات الألوف من الناشطين والمتظاهرين السلميين في المدن السورية المختلفة بدءا من شهر أيار 2011 ومع تحول الثورة السورية إلى ثورة مسلحة مع بداية عام 2012 بدأت إيران في إرسال دفعات كبيرة من مقاتلي الحرس الثوري الإيراني الذي بدأ يشرف على نصب الحواجز العسكرية في المدن المختلفة بما فيها دمشق، ومع سيطرة المعارضة السورية على أجزاء كبيرة من مدينة حلب ثاني كبرى المدن السورية بدأت باستراتيجية جديدة تعتمد على إرسال الميليشيات الطائفية التي تجلبها من لبنان ممثلة في حزب الله، أو ميليشيات شيعية عراقية، وفي مرحلة تالية ميليشيا ما يسمى فاطميون وزينبيون وهم عبارة عن اللاجئين الباكستانيين والأفغان الشيعة المقيمين في إيران وأصبح النظام الإيراني يجندهم ويرسلهم بكثافة إلى المدن السورية مع اضمحلال دور الجيش السوري النظامي وانشقاق معظم المقاتلين عنه.
أما إسرائيل فهي تنفذ باستمرار الطلعات الجوية في السماء السورية، لقد تحولت سوريا إلى ساحة صراع مفتوح بين إيران وإسرائيل، ومع تواتر الطلعات الإسرائيلية واستهدافها لأهداف سورية عسكرية تابعة للنظام السوري ولحزب الله، في الحقيقة تعتمد إسرائيل في سياستها في سوريا على روسيا بشكل أكبر بكثير من اعتمادها على الولايات المتحدة، ويبدو أن روسيا تدعم الخطط الإسرائيلية في القضاء على تواجد الميليشيات الإيرانية في سوريا وتمدها بمعلومات استخباراتية دقيقة بل إن بعض التقارير أشارت إلى علم روسيا نفسها بالضربات الإسرائيلية على المواقع السورية مما يعني أن روسيا ربما تجبر نظام الأسد على تغيير تحالفاته مع إيران ولو بالقوة على حساب ضمان العلاقة الروسية – الإسرائيلية في سوريا، فالتعاون الاستخباراتي والعسكري بين إسرائيل وروسيا يبدو سيتم على حساب العلاقة الروسية – الإيرانية.
تبدو الحرب في سوريا وكأنها قد دخلت مرحلة جديدة من التصعيد الإقليمي يدفع ضحيتها الشعب السوري ولذلك يبدو الحل السياسي الذي تأمل الولايات المتحدة الوصول إليه أشبه بالسراب وإذا كان المجتمع الدولي ما زال يعول على قرار مجلس الأمن الدولي ٢٢٥٤ بوصفه السبيل الأوحد لوقف العنف ووضع حد للمعاناة المأساوية للشعب السوري، فإن هذا القرار يبدو أنه ليس ذا قيمة اليوم مع أزيز الطائرات العسكرية التي تؤكد ما سبق وكما جرى خلال الحرب اللبنانية فإن الحرب في سوريا أيضاً هي حروب الآخرين على الأرض السورية.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت