قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس “لدينا مصالح مشتركة مع الشركاء الأتراك بشأن سوريا وسنواصل العمل البناء في المستقبل مع تركيا لتحقيق هذه المصالح”. وكشف الإعلامي الأميركي المعروف جاك بوسوبيك النقاب مؤخرا عن وجود خطة للإدارة الأميركية الجديدة بهدف الإطاحة بنظام بشار الأسد. وقال بوسوبيك الذي توقع الضربة الأميركية الأخيرة ضد حلفاء النظام في سوريا قبل يومين من حدوثها إن هدف بايدن في سوريا هو استكمال الخطط التي بدأها الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما بتمويل وتسليح المعارضين. إنهم يريدون رحيل الأسد بأي وسيلة ضرورية ولا يهتمون بالعواقب. ” الرئيس يستعد لإطلاق عمل عسكري ضد نظام الأسد وعزله”.
في مكان آخر حاول المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جويل ريبورن وهو يستعد لمغادرة منصبه أن يرفع من معنويات الشعب السوري بحديثه عن وجود استراتيجية أميركية جديدة في سوريا تقوم على: دفع النظام السوري وحلفائه بعيدا عن فرض حل عسكري للأزمة وإجبارهم على وقف الحرب. ودعم قوى الثورة السورية في المطالبة بالعدالة وتحقيق طموحاتها بالعيش داخل دولة عصرية مدنية ديمقراطية. ومواصلة العقوبات ضد النظام لتضييق الخناق عليه وتقليص قدراته على المناورة ومواصلة الحرب. ريبورن يواصل تفاؤله “يجب أن لا نتفاجأ إذا ما بدأ النظام في الانهيار بسرعة”.
هل قرر الرئيس الأميركي جو بايدن مواصلة سياسة أوباما السورية في دعم الثورة وقوى المعارضة لتفعل ذلك أم أنه سيدخل مباشرة على الخط للقيام بالمهمة؟ من سيدعمه في ذلك واللاعبون الإقليميون المؤثرون في الملف يتحركون باتجاه آخر يقول شيئا مختلفا مغايرا؟
البرلمان المصري مثلا يقود حملة إعادة الشرعية إلى بشار الأسد والقاهرة هي التي تشرف على عملية عودته إلى “الحضن العربي”. يبدو أن بايدن لا يعرف حجم التنسيق التركي الروسي المشترك في أكثر من مكان داخل سوريا ويبدو أنه يتجاهل التنسيق الإسرائيلي الروسي والإيراني الروسي هناك أيضا.
هل تملك واشنطن القدرة بعد الآن لدفع الملف السوري بالاتجاه الذي تريده؟ هل يستطيع بايدن أن يفعل ذلك ولماذا سيفعله؟ هل تسمح التوازنات الإقليمية في سوريا له بالإقدام على خطوة من هذا النوع؟ مع من سينسق من أجل هذه الخطوة وما الذي سيأتي بعدها؟ هل ستتكرر الحالة العراقية 2003 في سوريا؟
تتحدث تقارير استخباراتية تركية عن رصد تحرك واسع للميليشيات الإيرانية أو المحسوبة عليها في لبنان والعراق واجتماعات تنسيق عسكري أمني موسع تجري في طهران استعدادا لمعركة سنجار. المفاجأة هي ليست مشاركة كوادر حزب العمال في هذه الاجتماعات بل وجود ممثلين لمجموعات مسد السورية التي تساهم في إعداد الخطط ونقل السلاح عبر الخط الحدودي السوري العراقي. القيادات الأميركية كما يبدو لا علم لها بالكثير من التحولات والمعطيات الجديدة.
ربط الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، عودة النظام السوري إلى مقعده في الجامعة بقربه من العالم العربي وابتعاده عن إيران. “عندما نتأكد كعرب بأن المقعد السوري في الجامعة العربية لا تشغله إيران، نطمئن حينها أن مداولاتننا ومفاهيمنا عربية خالصة”. إيران تؤثر في القرار العراقي والسوري واللبناني واليمني فلماذا تكون شروط عودة النظام السوري إلى الحضن العربي مرهونة بابتعاده عن طهران؟ ما الذي تغير بين فترة تجميد عضوية النظام السوري تحت سقف الجامعة في تشرين الثاني 2011، لمجرد أنه “قمع المتظاهرين خلال الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالعدالة والحرية ” في المدن السورية وبين أواخر العام 2020 كي تعيد البحرين والإمارات فتح سفاراتها وتذكر مصر أنها هي من يقود حملة عودة النظام السوري إلى كنف الجامعة؟ لا شيء “سوى” سقوط مئات آلاف من القتلى والجرحى من السوريين بسلاح الميليشيات الإيرانية. إما أن بعض العواصم العربية ستتحدى بايدن في سوريا وتتمسك ببشار الأسد وإما أن بايدن وفريق عمله يحاولان خداعنا والملف السوري لن يكون بين أولوياتهم في القريب العاجل.
قال المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري وهو يغادر منصبه إن واشنطن لن تغير موقفها من العقوبات على نظام بشار الأسد والوجود الإيراني في سوريا. وأعلن السفير الأميركي السابق في سوريا روبرت فورد، أن إدارة الرئيس بايدن بحاجة للتعاون مع تركيا وروسيا لحل المشكلة السورية. وأشار إلى أن استراتيجية الرئيس السابق دونالد ترامب حيال سوريا، باءت بالفشل، وعلى واشنطن أن تعترف بعدم قدرتها على إنشاء دويلة جديدة داخل الأراضي السورية. ” تقّبل إدارة بايدن لمصالح تركيا وروسيا في سوريا، سيسفر عن نتائج أكثر إيجابية”. المشكلة بعد الآن ليست مرتبطة فقط بقرار واشنطن مواصلة معاداة النظام في سوريا، بل في معرفة ما الذي تنوي فعله هناك. هل يكفي أن يعين بايدن في فريق عمله 4 شخصيات بمواقف مناهضة لبشار الأسد وحكمه؟ وهل هو مؤشر حقيقي على تحول مرتقب في السياسة الأميركية السورية؟ هل تريد إدارة بايدن تسجيل اختراق حقيقي في الملف السوري أم هي وراء صفقة إقليمية أكبر تشمل ملفات لبنان وسوريا والعراق؟
لن تسمح موسكو للإدارة الأميركية الجديدة أن تتحرك كما تشاء في سوريا بعد سنوات طويلة من الجهد والتخطيط والتوغل والتمركز سياسيا واقتصاديا وعسكريا هناك. وأنقرة لن تثق ببايدن وفريق عمله ليعطيها ما تريده في سوريا وتتخلى بمثل هذه البساطة عن كل العلاقات والتوازنات التي بنتها مع روسيا وإيران في سوريا. بشكل آخر تعرف إدارة بايدن تماما أن استعادة الدور الأميركي في سوريا لا يمكن أن يتم بعد الآن سوى عبر البوابتين التركية والروسية والجلوس أمام طاولة ثلاثية مشتركة من هذا النوع. إذا ما اختارت واشنطن لعب الورقة الإيرانية في سوريا فهذا يعني الذهاب وراء استغلال الملف السوري إقليميا وأن الأمور ستتعقد أكثر فأكثر وهذا هو الترجيح الإسرائيلي المدعوم من قبل بعض العواصم العربية.
كثر هم من يتابعون عن قرب المواقف والتحركات الأميركية في سوريا لاستشفاف معالم سياسة الإدارة الجديدة في بقعة جغرافية تحولت إلى “عش دبابير” إقليمي تعقدت فيه المسائل وتشابكت الحسابات. بايدن يريد الكثير في سوريا لكنه لا يريد أن يدفع أي مقابل. هدفه هو التلويح فقط بما سيفعله تاركا الأطراف المحلية والإقليمية تلقي الرسائل وترجمتها على الأرض. بايدن يريد حصته في كل شيء ومن كل شيء لكنه ينسى أن التوازنات التي شيدتها روسيا وتركيا وإيران في سوريا لن يكون سهلا عليه اختراقها ونسفها خصوصا إذا ما راهن على حليف محلي معزول ومهمش سياسيا وشعبيا واقتنع بما تقوله بعض العواصم العربية وتل أبيب التي تحاول النفخ في أذنه لقلب الطاولة السورية على رأس الجميع هناك. معظم التقارير الإعلامية والسياسية لا تتوقع أن تبدل واشنطن من أسلوبها وطريقة تحركها في الملف السوري. الذي قد يتغير هو شكل المناورة الأميركية في التعامل مع الملف باتجاه تموضع إقليمي جديد.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت