قضية الصراع بين قوى الثورة السورية ونظام الأسد، أساسها عميق يتعلق لا بشكل الدولة ونوعية السلطة فحسب، بل يذهب بعيداً إلى بنية الدولة باعتبارها حاصل عقد اجتماعي، تتضح ملامحه من خلال تعبيره الأوضح وانحيازه الأكبر لفئات اجتماعية على حساب فئات اجتماعية أقل قدرة على حيازة أدوات الإنتاج، أو السيطرة على قوى الدولة العسكرية والأمنية.
لهذا وكي لا تبدو الثورة السورية العظيمة وكأنها محاولة لإسقاط نظام استبدادي قهري غير منتخب بصورة شفافة فحسب، فهذا ظلم وتقزيم لدورها التاريخي، الذي نشأ من فشل الطبقة الاجتماعية المسيطرة نتيجة انسداد أفقها التاريخي لاعتبارها استنفذت دورها.
لقد فشلت الفئات والقوى السياسية المعارضة للنظام عبر تاريخها الطويل، من إنشاء إطار سياسي واحد يرتكز على أهداف الوطنية السورية، فالقوى التي شكلت ما سمي التجمع الوطني الديمقراطي وأغلبها قوى ذات محتوى أيديولوجي قومي عربي، لم تبلور هذا الإطار على قاعدة تفعيل ربط دحر الاستبداد ببناء الوطنية السوريةـ وهذا تناقض بنيوي، فبقي هذا التجمع حتى اللحظة أسير لنيته المركبة التحالفية.
وسط القمع المشدد الذي مارسه نظام الأسد في عهد الأب، استطاع تغذية الانشقاقات في كل الأحزاب التي انضوت تحت خيمته المسماة “جبهة وطنية تقدمية” معتمداً على تحفيز الانتهازية في هذه الأحزاب ذات الأيديولوجيات الهشة.
في هذه الحالة انتهت الأحزاب التي انضمت إلى خيمة جبهة النظام ، وتم السيطرة عليها من داخلها عبر زرع عملاء للنظام بصورة أعضاء.
على الجانب الآخر تلقت أحزاب المعارضة ضربات متتالية أضعفت بناها التنظيمية، وهي بالأساس لا تملك أدوات وأساليب مقاومة سياسية لاستبدال نظام حافظ الأسد، ثم أتت خطوة سياسية طفولية قادتها جماعة إسلاموية لم تقرأ تكوين المجتمع والدولة السوريتين (الطليعة المقاتلة)، لذا خاضت حرباً غير متكافئة بين نظام يسيطر عل الجيش والأمن المتعدد الوظائف والأسماء، وبين مجموعات قادها عدنان عقلة لا تملك غير قناعتها بأنها يجب أن تدمّر نظاما حافظ الأسد، دون أن يدركوا أنهم منحوه ورقة تعميم العنف على كل المجتمع السوري وفي كل مفاصله، وبذلك بدأ عملياً تشكّل الدولة الأمنية التي صارت لاحقاً بأجهزتها المتوحشة أداة إرهاب للمجتمع والدولة.
في ظل هذا الاحتقان وبعد مجازر وحشية ارتكبها النظام في حلب وحماه وجسر الشغور وغيرهما من المناطق، وبعد مرور الزمن وانكشاف نهب السلطة للمال العام وإفساد مؤسسات الدولة ولدت الثورة السورية، التي ركب صهوتها من لم يصنعها فشكلوا “المجلس الوطني” ثم مؤسسة “الائتلاف الوطني”.
الثورة بحاجة لقيادات من داخلها وليس من معارضات الخارج الإسلامية الموزعة في لندن وبرلين، وباعتبار ضعف خبرة التنسيقيات في إدارة الصراع جرت تصفية دور وأثر التنسيقيات.
الحق يجب أن يقال، فالطريق إلى جهنم معبد بالنوايا الحسنة، فأطر الثورة لم تطور نفسها وبنيتها وأداءها السياسي والشعبي، ولهذا بقيت تمارس دور وصاية على قوى الثورة، وهذا زاد من عزلتها واستمداد شرعية وجودها من الخارج غير الوطني، وصار هذا عامل استقواء على الثورة، وصار مؤسسو هذه الأطر يعتقدون أنهم خلقوا لهذا المهمة، وتحول صقورهم إلى شلة من الفاسدين الذين يقاتلون لا من أجل القضية السورية بل من أجل مصالحهم.
لنعترف إن تشكيل هيئة المفاوضات له دور وظيفي/ سياسي محدد هو التفاوض مع النظام على جوهر القرار 2254 بالدرجة الأولى، وهذا يعني التفاوض على الحوكمة والدستور والانتقال السياسي إلى دولة المؤسسات الديمقراطية، لكن ضعف خبرة المعارضة وضعف أدائها جعل ديمستورا الوسيط الدولي يضحك عليهم منفذاً إرادة موسكو، فقسم القرار إلى سلال من أجل الشغل على سلة لن تنتج اتفاقاً حول بناء دستور جديد لسورية، فكيف يبنى هذا الدستور والنظام الأسدي يرفض ويماطل ويسوّف، فهل هناك عاقل يقول أنه مجبر على التنفيذ، وليس هناك جدول زمني لإنجاز التفاوض، سيما وأن القرار الملغوم 2254 يقول الحل ينجزه السوريون.
أمام هذه اللوحة المشؤومة المحبطة والسيئة، غابت عن أطر الثورة مبادئ المحاسبة السياسية والمسلكية، وهذا خلل في عملها وتصويب مسارها، كذلك على هذه الأرضية جاءت عملية الإصلاح التي يقودها رئيس الائتلاف الشيخ سالم المسلط ورفاقه، هذه العملية تحتاج إلى تعميق وطرد حيتان متخفية ضمن الائتلاف تعرقل عملياً إصلاحه.
كذلك أمام هذه اللوحة هناك أمر مخجل وقعت به هيئة المفاوضات السورية، هذا الأمر يتعلق بفقدان الثقة بين مكوناتها وتناقضات هذه المكونات
لذلك كيف ترضى على نفسها هيئة التنسيق الوطنية أو الائتلاف، الصراع على حصصهما من الأعضاء؟ والمقصود المستقلون، والذين اعتقدت السعودية أنها قادرة على حل هذا الإشكال من خلال انفرادها بدعوة مستقلين شكلاً ومؤيدين لرؤيتها ورؤية هيئة التنيق فعلاً
إن الموقف السياسي الذي قامت به السعودية، أتى على أرضية الصراع السابق بينها وبين تركيا التي تحتضن الائتلاف وقوى الثورة، وهكذا بقيت وحدة هيئة التفاوض رهن أجندات إقليمية وليست سورية.
مجيء الدكتور بدر جاموس رئيساً لهيئة المفاوضات يتطلب منه التركيز على إعادة لحمة هيئة المفاوضات، فإذا لم يفعل وبصورة علنية سيتهمه الناس بأن راضٍ عن بقاء الانقسام.
وإن هيئة التنسيق التي تواصلتُ مع كبار شخصياتها، قالوا لي لا شروط لديهم لوحدة هيئة المفاوضات، هذه الوحدة على أرضية صياغة أي قرار بصورة توافقية وليس بعدد الأصوات. المطلوب من بدر جاموس وبشكل علني أن يضع خطة كسر الحواجز بين هيئة المفاوضات والسعودية، كذلك يجب أن يفعل الشيخ سالم المسلط على بناء علاقات ثقة مع الشقيقة السعودية.
لذلك يبدو السؤال التالي هاماً للغاية، هناك تفاوض على سلال القرار الدولي 2254 الأربع، فكيف تفاوضون وعدوكم يعرف تمزقكم، الثورة السورية العظيمة التي تجاوز شهداؤها المليون شهيداً وأكثر من مليوني معوق وأكثر من ثلاثة عشر مليون مهجر ونازح. ننتظر من بدر جاموس ترميم وتطوير بنية هيئة التفاوض وبناء مكتب اعلامي قوي وفعال ومهني يخوض معاركها باقتدار فهل سيفعل؟. وهذا أمر ينسحب على الشيخ سالم المسلط رئيس الائتلاف فمكتبه الإعلامي ليس مكتباً مهنياً متطوراً فكفى تأجيلاً لعملية إصلاحه، فالإصلاح الشامل الذي الذ يقوده لا يخترق وعي الناس بالتغريدات فحسب وإنما باستراتيجية إعلامية لم تنفذ بعد.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت