وفاة فيصل سماق..خازن المال الذي أنقذه الأسد بعد “تفجير ألمانيا”
مراد عبد الجليل – السورية.نت
عن عمر يناهز 76 عاماً، توفي فيصل سماق المعروف بلقب “أبو سامر”، في 14 من الشهر الجاري في دمشق، وكان يعتبر شخصية لمقربة من عائلة الأسد على مدى العقود الماضية، كما كان يعتبر أحد خازني بيت المال للعائلة.
ورغم مركزه السياسي والاقتصادي السابق، لم تتطرق وسائل الإعلام الموالية للنظام لخبر وفاته، فقد كان سماق سفيراً لسورية في ألمانيا، وترأس “اتحاد شبيبة الثورة” و”المؤسسة العامة للتبغ”، التي كانت تدير صناعة وتجارة السجائر والتبغ في سورية لصالح عائلة الأسد.
وعزت شخصيات رفيعة المستوى في نظام الأسد عائلة سماق، في مقدمتهم رئيس النظام بشار الأسد ورئيس الحكومة حسين عرنوس ورئيس مجلس الشعب حمودة الصباغ، وذلك حسب بطاقات شكر وجهتها لهم عائلة فيصل نشرتها في صحيفة “الوطن” المقربة للأسد.
المعلومات عن فيصل سماق ضئيلة، لكن “السورية. نت” تحدثت مع دبلوماسي سوري، طلب عدم الكشف عن اسمه، كان على معرفة واطلاع بشخصية سماق، ودوره البارز في العديد من القضايا.
سماق من مواليد بلدة المزيرعة التي تتبع لمنطقة الحفّة في محافظة اللاذقية 1948، وبدأ دوره في نظام الأسد في سبعينيات القرن الماضي، عندما عين رئيساً لـ”اتحاد شبيبة الثورة”، وعمل على تحويله من منظمة شعبية لمنظمة سياسية رديفة لـ”حزب البعث”.
ويقول المصدر إن سماق تولى إعداد “الشباب البعثي” عبر ضم الطلاب من الإعدادية والثانوية إلى اتحاد الشبيبة، ولعب دوراً كبيراً في تجنيد “الطلاب” وتسليح بعضهم في أحداث الثمانينات.
وإلى جانب ترؤسه لاتحاد الشبيبة، كان سماق عضواً في مجلس الشعب، حتى عام 1981 عندما عينه حافظ الأسد سفيراً لسورية في جمهورية ألمانيا الديمقراطية.
فيصل سماق والثعلب
في ثمانينات القرن الماضي ضربت عدة تفجيرات ألمانيا الغربية، أبرزها تفجير المركز الثقافي الفرنسي في 25 آب/ أغسطس 1983، عندما انفجر طرد مفخخ في المركز، ما أدى إلى مقتل شخص وإصابة أكثر من 20 آخرين.
وبقيت تفاصيل التفجير غامضة حتى اعتقال الفنزويلي “ايليش راميريز سانشيز” المعروف بـ”كارلوس”، والتي أطلقت عليه أجهزة المخابرات لقب “الثعلب”، بسبب قيامه بسلسلة هجمات وقعت في سبعينات وثمانينات القرن الماضي.
بعد اعتقال “كارلوس” في العاصمة السودانية (الخرطوم) في آب/ أغسطس 1994، واعتقال مساعده يوهانس وينريش في اليمن 1995، بدأت خيوط العملية تتكشف ومسؤولية فيصل سماق فيها.
حسب صحيفة “دير شبيغل” الألمانية في 2010، فإن كارلوس أنشأ مقره الرئيسي في برلين الشرقية نهاية السبعينيات، وخطط لهجمات إرهابية وأجرى صفقات أسلحة واسعة النطاق.
وتقول الصحيفة إن “كارلوس” ومساعده وينريش هرّبوا ترسانات كاملة من الأسلحة إلى جمهورية ألمانيا الديمقراطية. أحدها كان 1982 إلى داخل السفارة السورية.
وتضيف الصحيفة أنه “في مايو/ أيار 1982 وصل وينريش، بجواز سفر دبلوماسي سوري تحت اسم جوزيف ليون، بأمتعة كبيرة تحوي 24.38 كيلوغراماً من مادة نيتروبنتا المتفجرة البلاستيكية”.
وعقب ذلك قام وينريش بإيداع المادة المتفجرة لدى سكرتير السفارة السورية في برلين الشرقية، حسب الصحيفة، التي قالت إن “وزارة الخارجية في دمشق أمرت بتقديم كل مساعدة ممكنة للإرهابي الفنزويلي”.
ووفقاً للصحيفة فإن السكرتير في السفارة، أكد أن “السفير السوري آنذاك فيصل سماق كان على علم جيد بتخزين 24 كيلوغراماً من المتفجرات المستخدمة في الهجوم على المركز الثقافي”.
في مارس/ آذار 1986 أصيب سبعة أشخاص في تفجير مقر جمعية الصداقة العربية-الألمانية في برلين، ووجهت اتهامات إلى المخابرات السورية بالضلوع وراء العملية.
ووجهت ألمانيا الاتهام إلى شخصين أردنيي الجنسية، هما أحمد حاسي وفاروق سلامة، وحكم عليهما بالسجن 14 سنة و13 سنة على الترتيب.
وحسب صحيفة “دير شبيغل” في عددها الصادر 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 1986، اعترف الأردنيان بأن العقل المدبر للتفجير هو نظام حافظ الأسد.
ووفقاً للصحيفة فإن سلامة تلقى تعليماته من “هيثم سعيد” نائب رئيس المخابرات الجوية في سورية، كما حصل الحاسي على المتفجرات من السفارة السورية في برلين الشرقية.
لكن نظام الأسد نفى حينها الاتهامات الألمانية، حسب الصحيفة، كما نفى سفيره فيصل سماق كل ما ذكره المتهمان الأردنيان.
اعتقال سماق وتدخل الأسد
ورغم انتهاء مهمة سماق كسفير في ألمانيا 1989، إلا أن القضاء الألماني بدأ في ملاحقته منذ 1994 بعد اعتقال كارلوس واعترافه بتورط سماق في تفجير المركز الثقافي الفرنسي.
في أكتوبر/ تشرين الأول 1994، وخلال زيارة سماق إلى العاصمة النمساوية فيينا، اعتقل من قبل السلطات النمساوية بطلب من المدعي العام في برلين، بتهمة التواطؤ بالهجوم على المركز الثقافي.
وبقي سماق محتجزاً لمدة أربعة أسابيع، حسب الصحيفة الألمانية، حيث ىتسبب اعتقاله في أزمة دبلوماسية بين النظام والنمسا.
وقالت الصحيفة إن ممثلي دول عربية حثوا المستشار النمساوي حينها فرانس فرانيتسكي، على عدم تسليم سماق إلى الألمان تحت أي ظرف من الظروف.
وفي ظل إصرار ألماني على تسليمه، وتخوف نمساوي من انتقام النظام في حال حصل ذلك، أطلقت فيينا سراح سماق بعد ضغوط كبيرة من نظام الأسد، حسب صحيفة “دير شبيغل“.
وأرسل حافظ الأسد رئيس ديوان وزارة خارجيته إلى فيينا للضغط عليها، ووفقاً لدبلوماسيين نمساويين، فإن “حافظ الأسد تدخل في المفاوضات عبر الهاتف”.
وأشارت الصحيفة إلى أن القضاة النمساويين استخدموا “حيلة” من أجل إطلاق سراح سماق، المقرب من حافظ الأسد، وهي التأكيد على دخوله إلى البلاد بصفة دبلوماسية وبدعوة من منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية.
لكن الصحيفة أكدت أن المنظمة الاممية لم توجه دعوة لسماق، الذي دخل العاصمة النمساوية بفيزا سياحية لحضور معرض للتبغ، كونه كان حينها مديراً لمؤسسة التبغ في سورية.
واعتبرت الصحيفة أن “استسلام النمساويين يعتبر بمثابة انتصار للأسد، فقد أثبت مرة أخرى أن أتباعه ليس لديهم ما يخشونه بسبب تورطهم في أعمال إرهابية”.
سماق ملاحق والأسد غاضب
ورغم إطلاق سراح سماق، إلا أن القضاء الألماني بقي يلاحقه في كل دول العالم بتهمة المساعدة والتحريض على القتل، الأمر الذي أغضب رئيس النظام الحالي، بشار الأسد.
تقول صحيفة “دير شبيغل” في 2003، إن القصة ازعجت بشار الأسد كثيراً، وأبلغ الألمان بأن مذكرة الاعتقال كانت مشكلة للعلاقات بين البلدين.
واشترط الأسد الأبن على الألمان إسقاط الدعوة ضد سماق مقابل تقديم معلومات عن التحقيقات التي أجراها النظام مع محمد حيدر زمار، أحد قيادي تنظيم “القاعدة” والمتهم بالمشاركة في التخطيط لاعتداءات 11 سبتمبر 2001.
وكان زمار، الحاصل على الجنسية الألمانية، اعتقل في المغرب ديسمبر/كانون الأول 2001 ورُحّل إلى سورية، وحكم عليه ستة 2007 بالسجن 12 عاماً قبل إطلاق سراحه في 2013 بصفقة تبادل مع فصيل “أحرار الشام”.
وأكدت الصحيفة أن “الرئيس السوري حث الحكومة الفيدرالية في ألمانيا، على رفع مذكرة الاعتقال ضد أحد أفراد الأسرة، وفي مقابل هذا التساهل، يقدم معلومات حصرية” من حيدر زمار.
إمبراطورية التبغ
وبعد عودة سماق إلى سورية ستة 1989 عين مديراً عاماً لمعمل بردى بشكل مؤقت، حتى هيأ له محمد مخلوف، شقيق زوجة الأسد أنيسة مخلوف، منصب المدير العام لمؤسسة التبغ، حسب ما قال دبلوماسي سوري سابق لـ”السورية.نت”.
وبقي سماق مديراً لمؤسسة التبغ لمدى تزيد عن 20 عاماً، حين أصدر رئيس حكومة الأسد، وائل الحلقي في 23 ديسمبر/ كانون الأول 2014، قراراً بإعفائه.
وتعتبر مؤسسة التبغ جزءاً مهماً من إيرادات آل الأسد، وكان يديرها سابقاً محمد مخلوف(والد رامي وخال بشار الأسد) لاهميتها في رفد خزينة العائلة بالمال، بسبب احتكارها شراء خطوط الإنتاج وتصدير التبغ الخام السوري.
وحسب المصدر فإن سماق تمكن من إنعاش مؤسسة التبغ وزاد من إيرادات آل الأسد، بعدما أنشأ مصانع تبغ لماركات عالمية.