بدأت منظمات عالمية وجهات دولية تلفت الانتباه إلى مخاطر كبيرة قد تنجم عن انتشار “الكوليرا” في سورية، مع إعلان ارتفاع عدد الوفيات إلى 8 حالات منذ 25 أغسطس/ آب الماضي حتى اليوم.
وقال مدير الطوارئ الإقليمي لشرق المتوسط في منظمة الصحة العالمية، ريتشارد برينان، اليوم الثلاثاء، إن عدد الوفيات جراء الإصابة بـ “الكوليرا” ارتفع في سورية إلى 8 حالات، 6 منها في حلب و2 في دير الزور.
برينان حذر في تصريحات لوكالة “رويترز” من انتشار “الكوليرا” على نطاق جغرافي واسع، داعياً إلى التحرك السريع لاحتوائه، وأشار إلى أنه “أول تفشٍ مؤكد للكوليرا في السنوات الأخيرة”.
الانتشار الحالي لـ “الكوليرا” في سورية، لفت الأنظار إلى موجات عدة ضرب فيها الوباء سورية والمنطقة، منذ أول انتشار له عام 1848 وحتى اليوم، مع اختلاف التسميات التي أُطلقت عليه واختلاف التعامل معه والتصدي له.
خرافة “الهوا الأصفر”
أول معالم انتشار “الكوليرا” في تاريخ سورية، كانت عام 1848 حين ضرب بشكل رئيسي مدينة دمشق، وأودى بحياة عشرات الآلاف من الناس، وكان يُعرف حينها باسم “مرض القرن الـ 19”.
تشير الدراسات التاريخية إلى أن “الكوليرا” أدت حينها إلى وفاة أكثر من 300 شخص في سورية، حيث وصل عدد الموتى إلى أكثر من 10 آلاف، خلال الفترة بين أغسطس/ آب 1848 وحتى أكتوبر/ تشرين الأول من نفس العام.
وتمثلت الأعراض التي ظهرت على السكان المصابين حينها بالإقياء والإسهال الشديدين، ما يؤدي إلى الجفاف الشديد والموت بعد 3 أيام من الإصابة.
بعد ذلك انتشر الوباء بصورة أقل خلال أعوام 1865 و1874 و1892، لكن الموجة الأكبر له حدثت عام 1902، وأُطلق عليه اسمه “الهوا الأصفر”.
تلك التسمية جاءت من اعتقاد الناس الخاطئ أن الوباء سببه تغيّر الهواء وفساده وانتشار البكتريا والسموم به، لتُظهر الدراسات فيما بعد أن سببه المياه والأطعمة الملوثة.
ويُعتقد أن “الكوليرا” انتقل إلى سورية حينها عن طريق مواكب التجار وأفواج الحج، ثم انتشر بصورة أكبر بعد تلوث نهر بردى، بسبب غسل أغراض المرضى بالنهر الذي كان يُغذي مدينة دمشق، ما أدى لتلوثه.
واعتُبر “الكوليرا” حينها من الأمراض “المخزية” للمصاب بها، حيث كان الناس ينفرون منه، لأن أعراض الإقياء والإسهال كانت تحدث مع المصاب فجأةً في الطرقات وأماكن العمل وعلى مرأى الناس.
موجة منتصف القرن
شهد عام 1947 موجة جديدة من انتشار “الكوليرا” في سورية، بعد تفشيه في مصر، حيث تم تسجيل أول الإصابات في قريتي محجة والقنية في حوران جنوبي سورية.
واتخذت السلطات حينها إجراءات احترازية، حيث فرضت حجراً صحياً على القريتين، وأغلقت المدارس في حوران، كما قيّدت التنقل بين المحافظات السورية إلا في حالات الضرورة القصوى، وكذلك تم إغلاق الحدود مع دول الجوار وإيقاف الرحلات.
ورغم تلك الإجراءات، انتقل الوباء إلى دمشق، إلا أنه لم ينتشر فيها بصورة كبيرة، خاصة أن وزارة الصحة حينها بدأت حملات تطهير للأحياء، ونظمت حملات تلقيح من دمشق وصولاً للجنوب السوري.
وبعد 3 أسابيع من ظهور أول حالة، تم إعلان سورية خالية من وباء “الكوليرا”، وتم رفع إجراءات الحظر المفروضة على المحافظات السورية.
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن عدد الإصابات لم يتخطَ 44 حالة، توفي منها 18 شخصاً.
“الكوليرا” وحصار المدن
بحسب “منظمة الصحة العالمية” سجلت سورية عامي 2008 و2009 موجات متقطعة من انتشار “كوليرا”، خاصة في محافظتي دير الزور والرقة.
لكن الحرب والعمليات العسكرية منذ عام 2011 والتي أدت إلى تدهور الوضع الصحي في سورية، أعادت الحديث عن انتشار “الكوليرا” مجدداً، خاصة عام 2015، نتيجة الحصار الذي فرضه نظام الأسد على بعض القرى والمدن.
إذ حذرت “منظمة الصحة العالمية” في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، من تفشي “الكوليرا” في سورية، خاصة بين المدنيين المحاصرين، بعد الإعلان عن وفاة طفل (5 سنوات) في محافظة حلب بسبب إصابته بالمرض.
كما تم تسجيل إصابات في داريا والغوطة الشرقية، في صيف عام 2015، والتي كانت محاصرة من قبل قوات الأسد، وسط ضعف إمكانيات الاستجابة للمرض.
ما هو مرض “الكوليرا”؟
و”الكوليرا” هو مرض وبائي معدي يصيب الجهاز الهضمي، وتبدأ أعراضه بإسهال شديد، يليه قيء شديد، وانخفاض كبير في ضغط الدم نتيجة فقدان الجسم لسوائله؛ ما يؤدي إلى الوفاة خلال ساعات، إذا لم يتلق المريض العلاج المناسب سريعاً.
ويوضح مدير البرامج في “منظمة الأمين”، الدكتور رامي كلزي، لموقع “السورية نت”، أن المرض ينتشر عبر الطريق الفموي من الأطعمة والمشروبات الملوثة، بالإضافة للتعامل مع جثث الوفيات من مرض الكوليرا.
وطالب كلزي بالاهتمام بشكل جدي بغسيل الخضروات والفواكه، والابتعاد عن أي طعام مشبوه فيه، وعن المستنقعات وأماكن الصرف الصحي، مع الالتزام الجدي بالغسيل المتكرر لليدين بالماء والصابون، والابتعاد أيضاً عن جثث الموتى و”جيف الحيوانات”.