أبرزها “اللشمانيا” و”الجرَب”..أمراض جلدية تغزو مخيمات إدلب (صور)
تترك الحقن ندباتها على جسد الطفل أحمد الياسين، إثرَ مسيرة علاج طويلة من حبّة “اللشمانيا”، تطلبت عدداً كبيراً من الحقن سواء العضيلة أو الموضعية.
أحمد الياسين المهجر من جبل الزاوية، جنوبي إدلب، يعاني من هذه الإصابة منذ ثلاث سنوات، إذ كانت البقعة الحمراء بجانب عينه اليمنى سمة رئيسية لهذه الفترة المضنية، الأمر الذي انعكس سلباً على حياته الشخصية وحتى التعليمية، مع طول أمد العلاج وبطء التحسّن والتجاوب مع العلاج.
وتغزو مخيمات النازحين السوريين في إدلب، الأمراض الجلدية لمختلف الفئات العمريّة، وتضيف أعباءً صحية على العائلات الفقيرة القاطنة فيها، مع تراجع ملحوظ في حجم الدعم سواء على مستوى البنى التحتية أو المستوى المادي.
وتأتي “حبّة السنة أو اللشمانيا أو حبّة حلب” على رأس الأمراض الجلدية وأشهرها، إلى جانب الفطار الجلدي والجرب وغيرها من الأمراض التي تسجّلها الجهات والمنظمات الصحية.
يقول علي الياسين والد الطفل أحمد، المقيم في مخيم “غطاء الرحمة” في منطقة دير حسان شمالي إدلب، لـ”السورية.نت”، إن “الإصابة شكلت لدى طفله هاجساً نفسياً وخاصةً مع المراجعة الدورية للمستوصفات والنقاط الطبية وتلقي الحقن، إلى جانب الأوجاع التي خلفتها في منطقة الرجلين – أماكن الحقن بالعضل – والحساسية في منطقة العين والحكّة كذلك”.
ويوضح أنّ “طفله أحمد توقف عن الذهاب للمدرسة مراعاةً لظرفه الصحي والتعب الذي تحمّله نتيجة مدة الإصابة الطويلة، إذ كانت تتحسّن تارةً وتعود لوضعها تارةً أخرى”.
يراجع علي في مرحلة علاجه القائمة مركز “كفرلوسين” الطبي التابع لمنظمة “سامز”، الذي تحوّل إلى قبلة طبية لسكان مخيمات شمالي إدلب، نظراً لتوسطه عدد واسع من المخيمات، ما يدل على ذلك أعداد المراجعين، والازدحام في قاعة الانتظار في العيادة الجلدية.
وفي إحصاء أدلت به مديرية صحة إدلب لـ”السورية.نت”، فإنّ محافظة إدلب وجزء من ريف حلب الغربي سجّلا خلال العام 2021 وحتى شهر آذار/مارس 2022، حوالي 45 ألف إصابة بـ”اللشمانيا”.
“رحلة علاج مملة”
شكل مرض “اللشمانيا” مأساة جماعية لدى عائلة واصل العمر، المهجر من سهل الغاب غربي حماة، إذ إنّ أربعةً من أطفاله يعانون منذ حوالي خمس سنوات من بقع حمراء خلّفتها “اللشمانيا” في وجوههم.
يقول واصل المقيم في مخيم “نور الهدى” شمالي إدلب لـ”السورية.نت”، إنّ “كثرة العلاج وتلقي الحقن شكل تخوفاً لديه من ضرر قد يصيب الكلى أو العين وغيرها من أجهزة جسم أطفاله، إلى جانب حالة ملل كبيرة جداً بعد طول أمد العلاج أيضاً”.
ولم يستفد محمد وعبد العزيز ومريم وسندس، أطفال واصل، من أربع جلسات تبريد خضعوا لها في مستشفى “جواد التخصصي” في مدينة الدانا، إذ ما زلت ندبات حمراء تغيّر ملامح وجوههم تقبع في أماكن مختلفة منه.
مرّ محدثنا بعدة مراحل علاج كان أبرزها “الحقن العضلي”، لكن قلة التجاوب مع العلاج تبدو السمة الأبرز لحالة أولاده المرضية، ويردف قائلاً: “وقفت العلاج لأني مليت والله”.
هي أيضاً، السبعينية فاطمة الكنجو، تشتكي من “حكّة مستمرة” في حديثها لـ”السورية.نت”، فهي تعاني منذ ثلاث سنوات من حبة “اللشمانيا” في خدها الأيسر.
وتضيف الكنجو المهجرة من بلدة حاس جنوبي إدلب: “أخاف على أنفي.. أشعر أنّ تنفسي يضيق بسبب هذه الحبّة، وهو مبعث قلقي”.
كانت السبعينية، إحدى زائرات العيادة الجلدية في مركز “كفرلوسين” قادمة من منطقة “دير حسان”، وتعتبر أنّ إقامتها في مخيم “القيم” في المنطقة هناك، قد يكون أبرز أسباب إصابتها بـ”اللشمانيا”، في ظل قلة المياه وانتشار المياه الآسنة وغياب شبكة الصرف الصحي.
ينتظر الطفل عبد المنعم بكرو جهةً تتبنى علاجه، بعد أن وصلت مرحلة علاجه من “اللشمانيا” إلى الجراحة التجميلية، إذ إنّ وقعها على وجهه النحيل كان الأقسى بحفرة صغيرة يحيطها اللون الأحمر على خدّه.
يقول مصطفى بكور، الأخ الأكبر لـ عبد المنعم، إنّ “الإصابة متمسكة بأخيه عبد المنعم منذ ولادته، وكان يتلقى العلاج قبل تهجيره من بلدته خان السبل بريف إدلب خلال الحملة العسكرية، وتخلل عملية العلاج الحقن والحبوب”.
يوضح مصطفى لـ”السورية.نت”، أنّ “الجراحة التجميلية هي العلاج الأخير لأخيه، وهو ما يحاولون تأمينه عبر جهة طبية أو إنسانية تتبنى العلاج بتكاليفه”.
المخيمات “بؤرة” المرض
يقول الطبيب عبد القادر عليوي، أخصائي أمراض جلدية، إنّ “اللشمانيا، مرض جلدي يصيب كافة الفئات العمرية يظهر على شكل عقيدة حمراء، تصيب الأماكن المكشوفة من الجلد، وعادةً ينتج عن طفيلة اللشمانيا، ولا يمكن الإصابة به إلا عن طريق ناقل حصراً، تكون حشرة صغيرة تسمّى ذبابة الرمل أو الفاصدة، وهي بحجم ثلث البعوضة العادية”.
واعتبر الطبيب عليوي، وهو طبيب جلدية في مركز “كفرلوسين” (سامز) في حديثٍ لـ”السورية. نت”، أنّ مخيمات النازحين العشوائية تحولت إلى خازن وبيئة حاضنة لـ”حبة السنة” (اللشمانيا) والأمراض الجلدية عموماً، مع تراجع نوعية الخدمات وخاصةً المرتبطة بالصرف الصحي والمياه والإصحاح والاكتظاظ السكّاني الكبير جداً في الخيام، إلى جانب انهيار المنظومة الصحية خلال السنوات القليلة الماضية، الأمر الذي يفسّر تسجيل مخيمات النازحين أعداداً كبيرة من الإصابات.
الطبيب عليوي، يعمل في المركز الذي يستقبل المراجعين القادمين من مخيمات النازحين شمالي إدلب ضمن “العيادة الجلدية”، يقول إنّ أعداد المرضى يصل لأكثر من 100 مريض في اليوم الواحد، غالبيتها من الأمراض الجلدية، ملاحظاً تزايد الأعداد خلال فصل الصيف نتيجة الرطوبة والحرارة المناسبة لنموّ الفطور، وكذلك الحاجة إلى كميات وفيرة من المياه، مع تراجع كمياتها نتيجة تراجع المنح.
ولفت الطبيب إلى أنّ “الأمراض الجلدية لا تقتصر فقط على مرض اللشمانيا، إنما الجرب والفطار الجلدي، اللذين يشّكلان نسبة 60% من إجمالي المرضى المراجعين للعيادة، وهي لا تقل أهمية عن اللشمانيا”.
أبو تركي، مهجر من منطقة سهل الغاب غربي حماة، ويقطن في مخيم “غطاء الرحمة” في منطقة دير حسان شمالي إدلب، كان له تجربة سابقة مع أطفاله، في الإصابة بـ”اللشمانيا”، يقول لـ”السورية. نت”، إنّ “سواقي المياه الآسنة تمر من أمام شقتي الإسمنتية في المخيم، منذ أن وصلت إليه، وهو ما سبب لي قلقاً وأمراضاً عديدة لأن أطفالي يضطرون للمرور من فوقها ذهاباً وإياباً”.
يشير أبو تركي، إلى أنّ “وجود هذه السواقي الآسنة مبعث قلق مستمر لدى عائلتي، إلى جانب الروائح الكريهة التي تعكّر معيشتنا، لكن نحن عاجزون عن أية مبادرة تحد منها، لأن الأمر بحاجة لمشاريع وبنى تحتية توفر بديل لهذه الحفر الآسنة وتحولها لشبكة صرف صحي منتظمة”.
الأدوية متوفرة.. لكن
يلفت الطبيب عليوي إلى أنّ “الأدوية اللازمة لعلاج حبة اللشمانيا متوفرة في المنطقة سواء الحقن أو التبريد وكذلك المراهم في المستشفيات والمراكز الصحية، لكن تختلف الإصابة ومدة علاجها بحسب نوعها وتجاوب المريض مع العلاج”.
بدوره، يقول الطبيب دريد الرحمون وهو رئيس دائرة الرعاية الصحية الأولية في مديرية صحة إدلب، إنّ “مديرية الصحة تلعب دوراً في مكافحة الأمراض الجلدية، من خلال شعبة الأمراض السارية التي تتلقى البلاغ بوجود أمراض، وبدورها تشكل فريقاً يقيّم الاحتياج وبعدها تجري عملية المناصرة مع المنظمات الشريكة لتأمين العلاج”.
ويوضح الرحمون، أنّ “المديرية خلال العام الفائت أحصت ألف حالة (جرب) في مخيمات محيط مدينة إدلب، وبالتعاون مع منظمة (خبراء الإغاثة) حصرت الحالات وعالجتها”.
وفيما يتعلق بـ”اللشمانيا”، فإنّ “المديرية تتعاون مع منظمة (مونيتور) وهي منظمة مختصة بهذا المرض الجلدي، بالإضافة إلى حوالي 33 فريقاً جوالاً و40 مركزاً صحياً تتصدى وتعالج مرض اللشمانيا”، بحسب الرحمون.
وحول الوقاية منها، يوضح الطبيب الأخصائي عليوي، أنّ “الوقاية تكون بتجنب أسباب الإصابة والبيئة الحاضنة لنواقل المرض، التي تتلخّص في القضاء على الحشرة الناقلة من خلال المبيدات الخاصة بالقضاء عليها، والتي تنتشر في الكهوف المظلمة والمياه الآسنة والمسطحات المائية المكشوفة.. جميع هذه الأماكن بيئة مناسبة لانتشار المرض، وكذلك الاهتمام بالنظافة العامة”.
وتخترق أزقة مخيمات النازحين مجاري المياه الآسنة (غير الصالحة للاستخدام) نتيجة غياب شبكات صرف صحي منتظمة، إلى جانب انتشار عدة مخيمات بجانب مكبات النفايات ومجاري المياه، ما يحوّلها إلى بيئة خصبة لتفشي الأمراض الجلدية.
“مشاريع وتوعية”
تبرز أهمية مشاريع المياه والإصحاح والنظافة في مخيمات النازحين، للحد من انتشار الأمراض الجلدية ومكافحة انتقال الحشرات المعدية بالأوبئة الجلدية، بالتوازي مع مشاريع توعوية.
وعلى الرغم من انتشار مشاريع المنظمات العاملة، إلا أنّ نسبة الاستجابة لقطاعي المياه والإصحاح في مخيمات النازحين لم تتجاوز الـ 24%، خلال شهر يونيو/ حزيران الماضي، بحسب فريق “منسقو استجابة سورية”.
عيسى كبيش، مهندس المياه والإصحاح في منظمة “إحسان للإغاثة والتنمية”، قال في حديثٍ لـ”السورية.نت”، إنّ “الفرق الميدانية التابعة للمنظمة، تعمل على تزويد العائلات في عدد من المخيمات بالمياه الصالحة للشرب، وتجميع النفايات من داخل هذه المخيمات وعلى أطرافها ومن ثم ترحيلها إلى مكبات النفايات البعيدة عن الأماكن السكنية، وكذلك سحب رواسب الحفر الفنية بواسطة صهاريج ومضخات خاصة ثم نقل هذه الرواسب وضخها عبر شبكات الصرف الصحي النظامية البعيدة عن الأماكن السكنية”.
ويوضح أنّ “المشروع يهدف إلى تعزيز النظافة لدى أفراد المجتمع والحد من انتشار العدوى ونقل الأمراض، وتحسين الصحة على مستوى الأفراد والمجتمعات القاطنة في المخيمات وبناء اتجاهات صحية سليمة ومساعدة الأفراد على حل المشاكل الصحية التي يواجهونها باستخدام الإمكانيات المتاحة، وغرس قيم السلوك الصحي السوي وترسيخها، بالإضافة إلى تغيير السلوكيات الخاطئة”.
وتخدّم “إحسان للإغاثة والتنمية”، حوالي 90 ألف نازح في 70 مخيماً في إدلب، بمشاريع “المياه والإصحاح والنظافة” وهي ما تعرف بالـ “ووش”.
وحول مشروع التوعية الصحية الذي تنفذه “إحسان”، قال كبيش إنّ “مشروع التوعية الصحية درّب كادر مروّجي توعية صحية، مؤلف من عدد من الشباب الذكور وعدد من الشابات الإناث، ليزور العائلات القاطنة في هذه المخيمات وينشر المفاهيم الصحية السليمة بعدة طرق”.
وأوضح أنّ “نشر المفاهيم الصحية التي يقدمها فريق المنظمة، عبر عقد جلسات توعية مباشرة مع الفئات المستهدفة، وتوزيع بروشورات ووضع لافتات وملصقات هادفة في الأماكن العامة والأماكن الصحية لضرورة الاهتمام بالنظافة الشخصية، وأدوات نظافة (صابون، وسائل التنظيف ومنشفة وقصّاصة أظافر) كهدايا للذين يحضرون جلسات التوعية”.
وإلى جانب الجلسات والبروشورات التوعوية، يقول إنّ “الفريق يعمل على توزيع سلل النظافة على العوائل المستهدفة والتي تحوي كافة معدات النظافة الشخصية (شامبو، وصابون ومقص للأظافر وفوط للأطفال تحت السنتين وفوط نسائية وسائل تنظيف للجلي ومسحوق غسيل)”.
ويستفيد من مشروع التوعية الصحية في “إحسان”، حوالي 15 ألفاً و121 عائلةً سواء مهجرة ومقيمة.
وفي ظل الجهود على الصعيدين الفردي والعام المؤسساتي، تبقى مكافحة الأمراض والأوبئة رهينة كمية ونوعية الخدمات المقدمة في مختلف المجالات الطبية والإغاثية والصحية لمخيمات النازحين.
ويأمل محدثنا الياسين أن تنتهي فترة علاج طفله الطويلة، وتغيب البقعة الحمراء التي شوّهت وجهه البريء على حدّ وصفه. ويختم حديثه لـ”السورية.نت”: “علاج طفلي بالوقت الحالي عبر التبريد بالآزوت.. وتلقيت وعوداً من الطبيب أن العلاج في مرحلته الأخيرة وأتمنى أن أراه معافى تماماً”.