أحمد بركات..رحلة كفاح ملهمة نحو شغف وحلم “الطبيب”
كان واحداً من بين 114 طالباً، ارتدوا زي التخرج من كلية الطب البشري في “جامعة حلب في المناطق المُحررة”، بعد تحديات ومصاعب عنوانها الرئيسي النزوح والقصف والظروف المعيشية المتردية، التي رغم قساوتها لم تثنيهم عن حلمهم نحو عالم الطب.
أحمد سرور بركات (24 عاماً)، بدت على ملامحه في حفل التخرج علامات مختلطة من السعادة للإنجاز، والإرهاق عقب 6 سنوات عجاف من دراسة الطب والعمل معاً، وسط حالة اللاستقرار “الشاقة”، حين اضطر للنزوح مع عائلته بشكل متكرر، فضلاً عن ظروف عائلية جعلت منه المعيل الوحيد لأسرته.
حين درس أحمد الثانوية العامة في قريته حزارين بريف إدلب الجنوبي، وضع نصب عينيه حلم “الطبيب” كما يقول، وعمل بجد على ذلك، لكن لم يكن بحسبانه أنه سينزح من قريته ويترك خلفه مدرسةً وبيتاً مسقوفاً وعملاً كان والده يديره.
نزح أحمد مع أهله إلى قرية كللي وهو في الفصل الثاني من دراسته للثانوية العامة(البكالوريا، وقال في حديثه لـ”السورية.نت”، إنه سكن مع 12 شخصاً من عائلته في غرفة غير مسقوفة، ليصطدم بعدم وجود مدرسة في المخيم الذي كان يقطن فيه، ما اضطره لاستكمال دراسته بنفسه والتقديم على الامتحان في القرية، محققاً مجموعاً “غير مرضٍ” بالنسبة له، أدخله كلية الهندسة المدنية في جامعة إدلب، بمجموع 212 علامة.
ست سنوات عجاف تكللت بقبعة تخرج
رغم أنها لم تكن ضمن حساباته، درس أحمد الفصل الأول من الهندسة المدنية، وحين سمع أن “جامعة حلب في المناطق المُحررة” افتتحت فرعاً للطب البشري في مدينة كفرتخاريم، قرر استعادة حلمه الأول، وتقدّم للجامعة ليدخله مجموعه ضمن نظام التعليم الموازي المدفوع.
وبسبب صعوبة الوضع عموماً، وعدم وجود دخل ثابت له ولعائلته، حصل على منحة تعليمية، تكفلت بدفع مصروف الجامعة إلى جانب راتب شهري قدره 35 دولار أمريكي، ساهم في إعالته ولو بشكل جزئي، حسب وصفه.
“استأجرتُ منزلاً مع زوجتي وأختي، التي كانت تدرس معي بنفس الكلية، بالقرب من الجامعة في كفرتخاريم، وحين كنّا في السنة الخامسة تعرضت كفرتخاريم لحملة عسكرية ما اضطرنا للنزوح إلى مخيم في محيط سرمدا والعيش في خيمة يقطنها 15 شخصاً من عائلتي بالإضافة إلى زوجتي وأولادي الثلاثة”، يقول أحمد.
ويضيف: “ترافق النزوح مع نقل كلية الطب إلى مدينة مارع، التي تبعد 100 كيلومتراً عن سرمدا، وهنا زادت الأعباء والمصاريف، حيث اضطررنا لنقل سكننا إلى مارع ودفع إيجار منزل”.
كما ترافقت فترة نزوحه مع وفاة والده بمرض خبيث، وبات أحمد وهو أكبر أبناء الأسرة، المعيل الوحيد لأهله.
كل تلك الظروف لم توقفه كما يؤكد عن مسيرته التعليمية، إلا أنها أجبرته على التقصير فيها مدة أربعة أشهر، عاود بعدها النهوض وتقدّم للامتحان الوطني في الطب البشري حيث تجاوزه بمعدلٍ كان يطمح أن يحصل على أعلى منه، ليكون واحداً من الخريجين الـ 114 من كلية الطب، مسجلاً الرقم 17 على الدفعة.
مرحلة “مهمة” رغم صعوبتها..وتحديات جديدة
في خضم تلك المواجهات التي عاشها، لم ينسَ مرحلة من حياته اعتبرها “مهمة” أيضاً، حين كان يقطن في أحد مخيمات سرمدا وأبلغهم مدير المخيم عن وظائف أعلنت عنها منظمة “إحسان للإغاثة والتنمية”، أحد برامج “المنتدى السوري”.
سجل أحمد اسمه في القائمة، وكان من بين المرشحين للوظيفة، وهو في السنة الخامسة من الطب البشري، وتم قبوله فيها، حيث باشر عمله إلى جانب دراسته.
“لم يكن سهلاً بالنسبة لي التوفيق بين الدراسة والعمل، لكن عملي أسهم بشكل كبير بتخفيف الأعباء المادية عني وإعالة أسرتي وأهلي”.
ويعتبر أحمد بركات أن لعمله في المنظمة الإنسانية، دوراً في إكماله حلم الدراسة والتخرج، وهو ما دعاه لشكر “إحسان للإغاثة والتنمية” حين وقف على منصة التخرج يوم الإثنين الماضي(22نوفمبر/تشرين الأول).
الآن يقف أحمد أمام تحديات جديدة، حسب قوله، حيث يطمح للحصول على فرصته بالتخصص بعد التخرج، وهي فرصة محدودة نسبياً في الشمال السوري وغير متوفرة سوى لـ 30 شخصاً من الخريجين من جامعتي حلب وإدلب، كما يطمح حالياً للحصول على فرصة عمل كطبيب عام أو طبيب إسعاف.
وكغيره من الطلاب الخريجين، تراود أحمد هواجس حول الاعتراف بشهادته، خاصة في الشمال السوري الذي تديره حكومتان، “حكومة الإنقاذ” و”الحكومة المؤقتة”، لافتاً إلى أن مزاولة مهنة الطب في مناطق “الإنقاذ” تحتاج إلى امتحان خاص.
دفعة “نوعية” من الأطباء
وكانت “جامعة حلب في المناطق المحررة”، احتلفت الاثنين الماضي، بتخريج 114 طبيباً وطبيبة من كلية الطب البشري، في دفعة هي الأولى من نوعها في منطقة شمال غربي سورية.
وجاء التخريج الذي أقيم في منطقة مارع، ضمن حفل تكريم واسع، حضرته فعاليات مدنية وطبية ومؤسسات حوكمة في منطقة ريف حلب، في إنجاز لاقى ترحيباً واسعاً من سكان مناطق شمال غربي سورية، ووُصف بـ”النوعي” بعد أكثر من 10 سنوات على انطلاق الثورة السورية.
أكاديميون وطلبة:”مسيرة شاقة” وطموحات وتحديات مابعد تخريج أطباء “حلب الحرة”
ومنذ تأسيسها مطلع عام 2016، واجهت “جامعة حلب في المناطق المحررة”، ومقرها مدينة اعزاز شمالي حلب، عقبات عدة استطاعت التغلب على بعضها فيما لا تزال تواجه الكثير منها، وأبرزها مسألة التمويل.
وتضم الجامعة، أقساماً واختصاصات متنوعة، من بينها: الطب البشري، والاقتصاد، والحقوق، والشريعة، والتربية، وإدارة الأعمال، والآداب العربية والإنكليزية، والتاريخ، والهندسة الزراعية.