أدلّة دولية تُحكم “عزلة” الأسد.. بانتظار استثمارها سياسياً
"جرائم لا تسقط بالتقادم"..
تسع سنوات مضت، لم تخلو من الاتهامات الضمنية لنظام الأسد، بالمسؤولية عن “جرائم حرب”، و”جرائم ضد الإنسانية”، ورغم استبانة الأدلة التي تؤكد ضلوعه بالوقوف ورائها، إلا أنها لم تحقق أية تقدم في طريق المحاسبة، والذي يعتبر محطة، من شأنها إحداث نقلة في مسار الحل السياسي، الذي ما يزال إيقاعه مضبوطاً بالطريقة التي تريدها موسكو والدول الداعمة للأسد.
تفاصيل الجرائم نُشرت في الأسبوعين الماضيين على العلن، في تطور هام ومتقدم مقارنة بما شهدته السنوات الماضية، من تقارير دولية أدانت واتهمت نظام الأسد بالوقوف وراء مئات الجرائم ضد المدنيين في سورية، وخاصةً المتعلقة باستهداف المشافي والنقاط الطبية، وبالهجمات الكيماوية في عدة مناطق سورية، أبرزها في دوما بالغوطة الشرقية وخان شيخون واللطامنة في ريفي إدلب وحماة.
وجاءت تفاصيل الجرائم ضمن تحقيقين: الأول أصدره مجلس تحقيق تابع للأمم المتحدة، في الثامن من نيسان الحالي، حول سبع هجمات على مرافق صحية وخدمية في سورية، وأشار التحقيق إلى أن نظام الأسد وحلفاءه قد يكونوا مسؤولين عن خمس من الهجمات.
أما التحقيق الثاني، والذي يعتبر الأبرز، فقد أعده فريق من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وأفاد بأن سلاح الجو التابع لنظام الأسد استعان بطائرات عسكرية من طراز “سوخوي-22” وطائرة هليكوبتر، في إسقاط قنابل تحتوي على الكلور السام وغاز السارين على قرية في منطقة اللطامنة في مارس/آذار 2017.
وكانت المنظمة (حظر الأسلحة الكيماوية) قد أكدت في 2018 أن غازي السارين والكلور استخدما في هجمات اللطامنة دون أن تتهم أي جهة، لكن التقرير الصادر حالياً هو الأول الذي تُحمل فيه المنظمة جهة معينة (نظام الأسد) مسؤولية هجمات تحقق فيها في سورية.
وبحسب معلومات “السورية.نت” فمن المتوقع أن يصدر عن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية خلال الأيام المقبلة، تقرير حول هجوم بغاز الكلور استهدف مدينة دوما قرب دمشق في أبريل/نيسان 2018، على أن تحدد نظام الأسد كفاعل رئيسي بالوقوف وراءه.
عقبة جديدة
رغم التحوّل الهام الذي فرضه تحقيق منظمة الأسلحة الكيميائية، بتحديد هوية الطرف المسؤول عن الهجوم الكيماوي في اللطامنة، إلا أن التداعيات التي قد يفرضها لم تتضح حتى الآن، ولا سيما أن الأدلة التي عرضتها المنظمة في الوقت الحالي، سبق وأن قدمتها وأثبتتها منظمات حقوقية سورية وغربية.
ولعل النقطة الأبرز التي يمكن الوقوف عندها بخصوص التحقيقين(استهداف المشافي، اتهام النظام بهجوم اللطامنة) هي الظرف الذي جاءا به، إذ يتزامنان مع محاولات من موسكو رفع العقوبات عن نظام الأسد، في خطوة لاستغلال ما يشهده العالم من تخبطٍ أحدثه انتشار فيروس كورونا المستجد.
كما يتزامن التحقيقان مع سعي بعض الدول لإعادة التطبيع مع نظام الأسد بذريعة “الإنسانية”، وخاصةً الإمارات، بالإضافة إلى التسريبات التي نشرت عن اتصالات أمريكية غير مباشرة مع نظام الأسد، لإطلاق سراح بعض المواطنين الأمريكيين مقابل تخفيف بعض العقوبات، بسبب كورونا.
ويعطي صدور التحقيقين في الوقت الحالي، مؤشرات على تحرك دولي “مفاجئ” لإحكام عزلة الأسد، ولاسيما أنهما جاءا بظرف غير متوقع، وفي ظل انشغال العالم بالتصدي لانتشار فيروس “كورونا”.
وفي حديث لـ”السورية.نت” يقول الدبلوماسي السوري السابق، والمقيم في واشنطن، بسام بربندي، إن كل لجنة تحقيق دولية وبحسب قرار إنشائه، تحدد تاريخ أو تواريخ معينة لنشر النتائج التي توصلت إليها.
ويضيف بربندي: “ما تم نشره مؤخراً كان متوقعاً، وهو يمثل ضغط على النظام من ناحية أن المجتمع الدولي ولجان التحقيق مستمرة بعملها في التحقيق بكل الجرائم التي ارتكبها النظام، ولن تسقط بالتقادم أو بتغير المعطيات على الأرض”.
وبحسب الدبلوماسي السابق: “التقارير التي نشرت هي جزء من هذه الرسالة.. بمعنى لا يوجد ضغط على هذه اللجان لإصدار التقارير بمواعيد محددة أو تنسيق بين لجان التحقيق المختلفة”، مشيراً: “أحياناً تلجأ بعض لجان التحقيق إلى تأخير نشر تقاريرها لاستكمال التحقيق أو المحافظة على سريته، ولمنع النظام وروسيا من معرفة تطور التحقيق حتى لا يعرقلونه”.
ماذا بعد؟
ستة أيام مضت على تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، شهدت عدة ردود أفعال، أبرزها الأمريكية والروسية، وبينما عزز التقرير موقف واشنطن في سورية، اعتبرته موسكو “غير جدير بالثقة”.
ويناقش مجلس الأمن الدولي في جلسةٍ مغلقة، اليوم الأربعاء التقرير، في جلسة استماع شهرية، من المقرر أن تقدم فيها الممثلة السامية للأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح، إحاطتها حول تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2118 الصادر عام 2013 بشأن القضاء على برنامج الأسلحة الكيميائية لنظام الأسد.
ومن المتوقع أيضاً، وحسب ترجمة “السورية.نت” عن وسائل إعلام عالمية، أن يركّز الاجتماع بشكل أساسي على فريق التحقيق المستقل التابع للمنظمة، وسط الحديث عن انقسام قد يشهده مجلس الأمن، بين روسيا والصين من جهة، وبريطانيا أمريكا وفرنسا من جهة أخرى.
ويشير الدبلوماسي السوري السابق، بسام بربندي، إلى أن التبعات التي قد يفرضها تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية هي “المزيد من الضغط السياسي والاقتصادي على روسيا أولاً، لانها تحمي النظام من هذه الجرائم (…) فإما أن تظهر أنها شريك بالجرائم وعليها مسؤولية قانونية، وفي ظرف ما يمكن إنشاء محكمة دولية للنظر بجرائم النظام وروسيا”.
أو أن روسيا ستتعاون مع المجتمع الدولي، ويضيف بربندي: “بالتالي عليها أن تضغط على النظام بمعاقبة المسؤولين عن هذه الجرائم”، موضحاً: “وجود روسيا في مجلس الأمن يمنع إحالة هذه الجرائم إلى محكمة الجنائية الدولية، وبالتالي سيستمر الضغط الدولي على النظام، باستمرار عزلته السياسية و لمزيد من العقوبات الاقتصادية و استمرار التحقيقات الدولية”.
بانتظار استثماره سياسياً
في سياق ما سبق ومع التحركات المستمرة التي تبعت صدور تقرير منظمة الأسلحة الكيميائية، تتجه الأنظار إلى الآلية التي سيتم العمل عليها لتحويل ما أعلنَ في الوقت الحالي من دلائل إلى استثمار سياسي، ولاسيما أن الروس وحلفاء النظام مايزالون يمسكون بالمسار السياسي، ويحاولون تجييره إلى صالحهم.
ويرى المتحدث باسم “الهيئة العليا للمفاوضات” السورية، يحيى العريضي، أن “هيئة التفاوض تجري التواصلات مع الأمم المتحدة والمبعوث الدولي ومع المجموعة المصغرة، لتفعيل التقرير، مع التأكيد على ضرورة المحاسبة”.
ويقول العريضي لـ”السورية.نت”: “على الأقل هذا النظام لا يمكن إعادة تأهيله، وبالتالي لابد من تطبيق القرارات الدولية، والعمل على مرحلة انتقالية، كي يصار للشعب السوري أن يختار من يشاء في فترة لاحقة، كحكم انتقالي يأتي من بعده انتخابات في بيئة آمنة”.
وبحسب العريضي، فإن “ردة الفعل اتجاه التقرير لم تكن كما يجب، بسبب انشغال العالم بوباء كورونا”، موضحاً: “في دهاليز السياسة هناك ما يتم بخصوص سورية، ولم يتبق أمام النظام إلا المسار السياسي، والذي سيكتب فيه نهائيته”.
ويشير العريضي إلى أن تحديد الفاعل وراء الهجمات الكيميائية يعتبر “مسألة مهمة جداً، وخاصة على الصعيد السياسي”، مشيراً إلى أنه ولأول مرة “تستنفر موسكو قبل نظام الأسد بخصوص التشكيك باللجنة وتقريرها وموضوعيتها، وتتهمها بالتسييس والتضليل، وسبب ذلك أن ليس النظام فقط المشار إليه وإنما من يدعم النظام.. وهنا تأتي موسكو”.
ومع اقتراب تطبيق قانون “قيصر”، يعتقد العريضي أن “الأمور ستذهب باتجاه الخروج ببعض المكاسب والتوجه نحو الحل السياسي، لكن ليس على مقاس نظام الأسد، وإنما بشيء من الإنصاف للشعب السوري”.
حملة عربية
إلى جانب ما تحدث عنه المتحدث باسم “هيئة التفاوض” السورية، أعلن “الائتلاف السوري” المعارض، يوم أمس الثلاثاء، عن حملة عربية يقوم بها، “لحشد المواقف الداعمة لإدانة نظام الأسد بعد صدور تقرير منظمة الأسلحة الكيماوية”.
وذكر “الائتلاف السوري” على معرفاته أن رئيسه أنس العبدة وجه رسالة إلى الدول العربية لحثهم على اتخاذ موقف موحد من نظام الأسد، وتلقى الرسالة كل من: المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، البحرين، الكويت، سلطنة عمان، قطر، اليمن، الأردن، لبنان، فلسطين، العراق، مصر، المغرب، ليبيا، تونس، الجزائر، السودان، موريتانيا، الصومال، وجيبوتي.
وطالب العبدة في رسالته كافة الدول العربية، بدعم تنفيذ البند 21 من قرار مجلس الأمن رقم 2118 الذي ينص على فرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في حالة عدم الامتثال لهذا القرار، بما يشمل نقل الأسلحة الكيماوية دون إذن، أو استخدام أحد للأسلحة الكيماوية في سورية.