خروج أميركا وبهذا الشكل الفوضوي من أفغانستان يعود لأخطاء فادحة ارتكبها الرئيس الأميركي، جو بايدن، في بداية عهده، وهي قد تكون كفيلة اليوم بتقويض أجندته الخارجية أو ما هو أسوأ بإجبار أميركا على العودة إلى المستنقع ألأفغاني مع صعود داعش-خراسان.
بايدن، الذي عارض كنائب للرئيس في 2009 زيادة القوات في أفغانستان، أراد نقلة استراتيجية بإنهاء الحرب اليوم. لا جدل في أن حرب أميركا الأطول يجب الخروج منها بعد عشرين عاما وأكثر من 2.5 تريليون دولار، إنما الانسحاب بهذا الشكل العشوائي والدموي والمدمر لهيبة أميركا كان يمكن تفاديه ومسؤوليته أولا وأخيرا تقع على بايدن.
أربعة أخطاء ارتكبها بايدن أوصلت إلى تفجيرات بوابة آبي وقرب فندق بارون الخميس والتي راح ضحيتها 13 جندي أميركي (أكبر عدد منذ 2011) و90 أفغاني بينهم أطفال دون عمر الخمس سنوات. هذه الأخطاء منذ بداية عهد بايدن في 21 يناير حتى اليوم، هي:
1- الإبقاء على زلماي خليل زاد مبعوثا: في بداية التعيينات في إدارته، ارتأى بايدن ووزير خارجيته توني بلينكن الإبقاء على عراب اتفاق طالبان ورجل دونالد ترامب، زلماي خليل زاد مبعوثا للحرب في أفغانستان. خليل زاد وهو من مواليد مزار الشريف، عمل منذ 2018 على تطبيع علاقة أميركا بالحركة الجهادية الأفغانية طالبان وتوسط مع باكستان لإخراج زعيمها الملا عمر باردار من السجن. وهو أقنع ترامب في 2020 بصفقة مع الحركة ومقاتليها بهرولة أميركا خارج أفغانستان وبغض النظر عما تؤول إليه المصالحة السياسية بين الأفغان أنفسهم. صفقة خليل زاد- طالبان لا تشمل حتى طلاقا بين الحركة وتنظيم القاعدة.
خليل زاد هو أيضا خصم سياسي لأشرف غني رئيس أفغانستان السابق، وسبب محوري لتأزم العلاقة بين واشنطن وكابل منذ تعيينه في المنصب في 2018.
2- هذا يقود للخطأ الثاني لبايدن وهو تلاعب الحكومة الأفغانية بالادارة الأميركية: أن تسقط كابل على يد طالبان في ساعات صدم واشنطن التي توقعت هكذا سيناريو خلال شهور وليس قبل انسحابها. أحداث كابل، الانهيار الأمني للقوات الأفغانية وهروب غني إلى دبي هو طعنة بالظهر من الرئيس السابق لواشنطن. بلينكن قال الأحد الفائت أن غني أكد له عشية سقوط كابل أنه “سيحارب للموت” فيما المواقع الأفغانية تتحدث عن صفقة وقعها غني مع طالبان، سهلت خروجه محملا بملايين الدولارات. كيف يمكن لأميركا ألا تعرف ذلك؟
انهيار كابل في 15 أغسطس وزوال والطوق الأمني الأفغاني جعل أميركا رهينة لطالبان ورجال حقاني لإتمام انسحابها في أسبوعين.
3- الخطأ الثالث هو في استعجال الانسحاب. حجة بايدن هنا هو أن ترامب وبصفقة خليل زاد مع طالبان وضع جدول الانسحاب ليكون في مايو الفائت ولم يكن بالإمكان تعديله من دون مواجهة طالبان وزيادة عدد القوات الأميركية وبالتالي تم تأجيله ثلاثة أشهر. إنما أي حركة جهادية تفرض اليوم على دولة عظمى جدولا دفاعيا؟
ناهيك عن ذلك، فخيار إبقاء 2500 جندي والحفاظ على واقع التوازن بين كابول وطالبان كان خيارا على الطاولة ورفضه الرئيس الأميركي.
4- استعجال الانسحاب كان بحد ذاته هو لحصد مكاسب سياسية لبايدن في قاعدته الحزبية اليسارية وحتى مع أقصى اليمين الذي يؤيد الانسحاب. الرئيس الأميركي كما سلفه ترامب اختار أن يقود السياسة الخارجية بنمط شعبوي.
إنما تجرع حجم الفوضى في الساحة الأفغانية كان كبيرا على الرأي العام الأميركي بين صعود طالبان ودموية داعش وتلاشي هيبة واشنطن. هذا كله انعكس سلبا على شعبية بايدن التي تتهاوى بمعدل 44 في المئة بعدما ناهزت الـ60 في المئة لدى توليه المنصب.
صور طالبان وهي تقود مقاتلات أميركية ويعتمر مجاهديها بذلة القوات الأميركية تلخص صورة خروج بايدن من أفغانستان، وتستدعي النظر فيما أبعاد التوازن الدولي ومرحلة ما بعد “باكس أميركانا” إلى عهد سياسات الفوضى وتوقيع الصفقات مع مجموعات مسلحة طالما اليسار واليمين الشعبوي يصفق لذلك.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت