أن تشترك بانتخابات الأسد مكرهاً.. وأن تحتفل بها!
في زحمة انشغال الجميع بالجدل حول الانتخابات الرئاسية التي باشر النظام إجراءها في الخارج اعتباراً من العشرين من أيار الجاري، برزت قضية تفصيلية في هذا الحدث وتتعلق بمشاركة جزء من اللاجئين السوريين، خاصة في دول الجوار في هذه الانتخابات، ما طرح كثيراً من الأسئلة حول الأسباب والدوافع التي تجعل هذه الفئة من السوريين الذين يفترض أنهم ضحايا للنظام فيها.
والواقع فإن الانشغال بهذه الجزئية يعبر عن انشغال عام بالانتخابات، وشعور بالإحباط ذكرني بأول انتخابات رئاسية أجريت في البلاد بعد الثورة. ففي مثل هذا التوقيت عام 2014 ساد الوجوم وجوه الناس في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بحلب، وقد أمكن ملاحظة خيبة مريرة لدى الجميع تقريباً، كانت انعكاساً لتفاعل سلبي عام شمل كل السوريين المعارضين من جراء نجاح النظام في إجراء تلك الانتخابات.
كانت هذه أول تجربة انتخابية رئاسية مباشرة (من حيث الشكل بطبيعة الحال) تعرفها سوريا منذ اغتصاب حزب البعث السلطة عام 1963، ومن ثم سيطرة حافظ الأسد على مقاليد الحكم، مخترعاً نظام البيعة والاستفتاء، لكن الأهم أنها كانت أول انتخابات تجري في حقبة ما بعد الثورة.
لم تكن صدمة السوريين نابعة من تنظيم الانتخابات وإجراء طقوسها المسرحية طبعاً، فتحويل المدارس والمؤسسات العامة إلى مراكز انتخابية، وجلب صناديق وأوراق من أجل التصويت، وسوق الناس تحت التهديد من أجل المشاركة فيها، لم يكن هو الصادم لجمهور الثورة، بل كان صادماً سماح العالم بتنفيذ هذه المهزلة التي كان آخر ما توقعه السوريون.
غالبيتنا الساحقة لم تتصور عند الانتفاضة عام 2011 أنه يمكن لهذا النظام أن يصمد أكثر من عام أو عامين على أبعد تقدير، ولذلك كان مجرد طرح بقاء بشار الأسد في الحكم حتى نهاية فترته الرئاسية الثانية عام 2014 اقتراحاً مرفوضاً بالمطلق، فكيف وقد دخل رئيس النظام بحكم تلك المسرحية فترة ثالثة ستمتد سبع سنوات جديدة، ما أسرع ما مرت، وما أثقل خطاها على السوريين في الوقت نفسه.. فقد كانت مليئة بالآلام والمآسي، وبلغت خلالها المذبحة السورية ذروتها.
لم يكن صعباً اكتشاف أن صدمة الحدث كانت قد انتشرت بين الثوار والمعارضين في كل مكان، وأن خيبة الأمل تسللت إلى الجميع بسبب ذلك، إلى درجة أن هناك من شعر باليأس في تلك اللحظة، فكان أن بادر مجموعة من الناشطين لإطلاق حملة على وسائل التواصل الاجتماعي من أجل رفع معنويات الناس والتذكير بأن هذه الانتخابات ليست سوى حلقة سخيفة من مسلسل سخافات نظام الأسد وعدم مبالاته بالشعب المذبوح، مركزين على أن النظام كان سيجري هذه الانتخابات بكل الأحوال، سواء ثار الشعب أم لم يثر، وأن الثورة لم تكن من أجل منع النظام من إقامة مثل هذا العرض، بل من أجل إسقاطه.
كانت محاولة بسيطة من أجل شحذ الهمم ورفع الروح المعنوية من جديد، لكن في الواقع لم تكن خيبة أملنا كناشطين أقل مما كانت عليه لدى الآخرين، ودرجة الإحباط التي شعرنا بها في تلك اللحظة لم تكن سهلة، إحباط من تساهل العالم مع نظام مجرم يرتكب في اليوم الواحد أكثر من مجزرة، تُصوّر وتُوثق ويشاهدها الجميع لحظة وقوعها، وخيبة أمل من عدم انتصار الثورة حتى بعد ثلاث سنوات على اندلاعها.
لذلك أجد نفسي قادراً على تفهم المشاعر السلبية التي تنتاب هذه الفئة من السوريين اليوم، والتي تمثل في الواقع غالبية الشعب، بمن فيهم كثير ممن اضطر للمشاركة في هذه الانتخابات بمناطق سيطرة النظام، فهؤلاء لا خيار أمامهم، وهم مثلنا بانتظار لحظة الخلاص التي انتظرناها جميعاً لكنها لم تأت حتى اليوم.
بل حتى أولئك اللاجئين في دول الجوار الذين توجهوا إلى مراكز الاقتراع الخارجية التي استقبلت المصوتين يوم الخميس، قد يوجد عذر لقسم غير قليل منهم، وتحديداً هؤلاء الذين تقطعت بهم السبل، وخاصة في لبنان، فهم مهددون من قبل القوى المرتبطة بالنظام وما أكثرها في هذا البلد، كما أنهم سيجدون أنفسهم من دون ورقة إخراج قيد تصر كل المنظمات الدولية والمؤسسات الحكومية على وجودها عند أي معاملة، ومن دون مشاركتهم في هذه الانتخابات لن يستطيعوا الحصول على أي أوراق رسمية، لكن هل هذه هي المشكلة؟
تقول الحكاية إن زوجين مسنين كانا مسافرين برفقة قافلة تعرضت لها عصابة من قطاع الطرق، سلبت المسافرين أموالهم وكل ما بحوزتهم، ولم تبق لهم إلا على جزء من الثياب لتسترهم، باستثناء الشيخين الذين تركوا لهم كل ملابسهما لكبر سنهما، ما جعلهما يثنيان على زعيم العصابة وأفرادها، وبعد أن أخلت سبيل القافلة كان الزوجان طوال الوقت يلهجان بالشكر لقطاع الطرق ويعددان (محاسن أخلاقهم) الأمر الذي أزعج بقية المسافرين فقرروا طردهم من القافلة!
والحق أن المشكلة ليست في مشاركة المضطرين والمكرهين في هذه الانتخابات، بل في أن يعمد قسم من هؤلاء إلى المشاركة في أجواء احتفالية، تشمل التوجه إلى مراكز التصويت في مواكب تزينها أعلام النظام وصور رئيسه ولافتات تحمل عبارات التبجيل للأسد، في مشهد يتجاوز الإكراه إلى الاحتفاء بهذا الإكراه!
نعم بالإمكان تفهم واقع البعض السيئ، وأن هناك ظروفاً لا بد أن يعذر فيها الناس، لكن أن تكون مكرهاً على القيام بأمر ما شيء، وأنت تظهر أقصى درجات الاحتفاء بجلادك فهذا شيء آخر لا يمكن تبريره بأي حال.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت