اختار الرئيس الروسي الحرب، ليس لأن الخيارات الدبلوماسية فشلت في تحقيق مصالحه فلجأ إلى القوه بهدف انتزاع ما يريد. وهل وقع في الكمين؟ أي دُفع إلى خيار الحرب من قبل الغرب الذي أغلق باب التسويات مبكرا مع موسكو، وكأن “الروس والغرب” دفعا معا بهذا الاتجاه، بعدما رفعا سقف شروطهما. فبالنسبة لموسكو أصبح قرار الحرب أقل ضررا من قرار التراجع، وأما الغرب فباتت المواجهة أقل ضررا من تلبية مطالب موسكو غير الواقعية .
إذا كان لا حل إلا بالحرب، إذاً من المبكر القول إن الرئيس بوتين قد وقع بفخ نصبه له الغرب في أوكرانيا. فالغرب الذي غاب عن السمع في ساعات الحرب الأولى يحاول استيعاب الصدمة الأولى، لم يزل يتعامل مع الكارثة وفقا لآلياته البروقراطية البطيئة، وقراراته عالقة ما بين الإجماع ومصالح دوله الخاصة مع روسيا، الأمر الذي عطل عملية الضغط على موسكو، ما أعطى بوتين مزيدا من الوقت من أجل فرض تغيير كبير في الوقائع الميدانية، ولكن بالرغم من غياب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والناتو، لا يبدو بوتين المندفع عسكريا قادرا على استغلال فرصته وحسم المعركة مبكرا.
في كلمته المتلفزة أثناء الاجتماع الثاني لمجلس الأمن القومي الروسي في اليوم الثاني للغزو، لجأ بوتين إلى استخدام ورقته الأساسية “الجيش الأوكراني”، ففي كلمته كان بوتين أكثر وضوحا وصراحة في مطالبته الجيش الأوكراني بالسيطرة على السلطة، هذا المطلب وبهذه السرعة يرتبط بأمرين، الأول سياسيا يستكمل ما بدأه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمره الصحفي يوم الجمعة الفائت، بأن موسكو مستعدة للتفاوض مع كييف وسترسل وفدا إلى مينسك من أجل هذا الحوار.
أما الثاني استراتيجيا، يكشف أن بوتين يتجنب خوض حرب المدن، فالدخول إلى كييف سيكون مكلفا وسيتسبب بخسائر كبيرة في الأرواح من كلا الجانبين. فعلى الأرجح أن الرأي العام الروسي لن يتقبل عودة عدد كبير من جنوده إلى بلادهم بالتوابيت، كما أنه أيضا يرفض إزهاق أرواح المدنيين في كييف أو أي مدينة أخرى، كما أن احتلال العاصمة الأم للعرق السلافي ومهد كنيسته وتدميرها سيجعل التسوية مع أي سلطة أوكرانية تفرضها موسكو مستقبلا مستحيلة، وستواجه برفض شعبي، وسيعزز الانقسام بين بعض أطراف الشرق وبقية الأوكران، وهذا أقرب إلى حرب أهلية.
من هنا يظهر جليا رهان القيادة الروسية على الجيش الأوكراني لتجنب الوقوع في حقل ألغام تكتيكية واستراتيجية. فالمأزق الروسي سيتسع إذا تأخر الحسم خصوصا إذا صمدت العاصمة كييف، أو أجبرت الروس على دخولها بالقوة ما يعني أن الجيش لن يستسلم وسيخوض معاركه دفاعا عن المدن الأوكرانية، ما يجعل ما تسميه موسكو انتصارا تكتيكيا أشبه بهزيمة استراتيجية. فاحتلال كييف دون السيطرة على كامل التراب الأوكراني سيسمح للجيش الأوكراني الحفاظ على مناطق تحت سيادة الدولة، وهذا قد يدفع موسكو إلى قرار الاحتلال الكامل، ما يتطلب وقتا طويلا وكلفة مادية مرتفعة.
خرج الرئيس الأوكراني وأركان دولته في شوارع العاصمة، ليؤكد قدرة الجيش الأوكراني على المقاومة، وحتى الآن يتجنب بوتين تطبيق نموذجه السوري في الإبادة الجماعية للمدنيين، وهو يعلم أن خطوة التصعيد هذه ستؤدي إلى وحدة الشعب الأوكراني وتماسك القوات المسلحة خلف القيادة السياسية، التي تحاول استيعاب الموجة الأولى من الهجوم، وهي بين خيارين إما الصمود وإما الاستسلام الذي بات يطال هيبة القوات المسلحة بعدما كشفت موسكو عن نواياها تجريد الجيش الأوكراني من السلاح، وهو ما يمس عقيدته القتالية وكرامته الوطنية، ما يعني أن رهان موسكو قد يفشل.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت