ثمة نكتة روسية شائعة تقول بأن رجلاً عجوزاً جاء إلى مركز الإقتراع ، أبرز هويته وسأل رئيس المركز ما إن كانت زوجته قد إقترعت أم لا. أجابه الموظف بأن زوجته جاءت باكراً إقترعت وغادرت. قال العجوز: في كل مرة تأتي المركز تقترع ثم تغادر دون أن تنتظرني . قال له الموظف : يبدو أنكما منفصلان لا تعيشان معاً . قال له العجوز : “لا يا إبني، هي ميتة من حوالي عشرين سنة” .
المهرجانات التي شهدتها المناطق اللبنانية أمس في نقاط تجميع السوريين، وسوقهم بالفانات والباصات إلى مقر السفارة السورية ، حيث مركز الإنتخابات الرئاسية السورية في لبنان، لا بد وأن ذكرت اللبنانيين بالنكات المشابهة. فمن شهد من اللبنانيين أمس مهرجانات الإنتخابات الرئاسية السورية في نقاط تجميع سوريي منطقته، الذين يعرف قصة فرار كل منهم من جنة ديموقراطية الأسد، لا بد أنه ضحك ساخراً لأنه يعرف بخبرته الإنتخابية اللبنانية، أن مثل هذه الإنتخابات اعتاد الأموات، وليس وحدهم، أن يصوتوا فيها.
قصة الروس مع هذه الإنتخابات تشبه قصة الملك العاري في حكاية الدنماركي العظيم هانس أندرسن “ثوب الملك الجديد”، حيث أوهم محتالان ملكاً مغفلاً بأنهما أعدا له ثوباً ملكياً فاخراً غير مرئي ، يليق به أن يرتديه ويخرج إلى رعيته . خرج الملك عارياً إلى رعيته في الشوارع ، وكل حاشيته من المداهنين والإنتهازيين والأفاقين تمنعهم مصالحهم من مصارحة الملك بالحقيقة ، والرعية تزغرد وترقص للملك ولا تقول له الحقيقة من رعب وخوف من بطشه الذي تعرفه، ولم تتجرأ سوى براءة طفل صرخ في الجموع : ألا ترون أن الملك عار.
لم يبذل أهل الكرملين جهداً لإلباس الأسد الثوب الوهمي لشرعية إنتخاباته ، وهو المتلهف لاستفزاز العالم بفخامة ثوب شرعيته هذا. كما أنهم ليسوا بحاجة لإقناع شعبهم بشرعية الأسد وإنتخاباته، وليس لأن هذا الشعب لم يسألهم يوماً عن هذه الشرعية وماذا يفعلون في سوريا ، بل لأنه يعرف بتجربته الطويلة معهم بأنهم لايجيدون إنتخابات أخرى سواها ب”ديموقراطيتها” و”تنافسيتها” ونزاهتها”.
حين توجهت “المدن” بالسؤال عن رأيه بإنتخابات الأسد الرئاسية إلى الباحث الرئيسي في معهد الإستشراق الروسي كونستانتين توريتسيف ، كرر الرجل سردية الكرملين بحذافيرها. ورأى أن الإنتخابات تجري بمقتضى الدستور السوري الراهن وتتوافق كلياً مع التشريع السوري، ولذا لا تثير أدنى شك لدى “أي مراقب محايد” سواء بشرعيتها القانونية أو “بشرعية مستوى الدعم الشعبي” لمؤسسة الإنتخابات الرئاسية وموعد إجرائها . كما لا تثير الشك ب”تعدديتها وتنافسيتها”، وإن “كانت تجدر الإشارة” إلى أن من الواضح أن لدى الرئيس الحالي الفرصة الأكبر للفوز. لكن المراقبين الإقليميين والغربيين ذوي المواقف الأشد سلبية من الحكومة السورية يرون أن الرئيس الحالي ليس بحاجة إلى “أي تلاعب” في الإنتخابات ونتائجها بسبب “مستوى الدعم الرفيع” وسط السكان!
ويرى المستشرق أن هذا الدعم يعود للإنتصار الواضح، الذي يحققه الجيش السوري في محاربة الإرهابيين والقوى الأجنبية الداعمة لفصائل المعارضة المسلحة. ويقول بأن الحكومة السورية تسيطر سيطرة “راسخة وشاملة” على 80% من الأراضي السورية باستثناء بعض مناطق الصحراء السورية ، حيث تنشط عصابات متفرقة من الدولة الإسلامية المهزومة. ويرى أن هزيمتها “هي مسألة وقت وقريبة” ، مثلها مثل هزيمة إرهابيي النصرة المتمترسين في إدلب . لكن هزيمتهم النهائية ترتبط بوقف الإحتلال التركي لمناطق في سورية . ويقول بأن المشكلة الرئيسية في سوريا الآن لم تعد في وجود عصابات إرهابية متفرقة، بل في الوجود غير الشرعي للقوات الأجنبية في سوريا، سواء التركية أو “ما يسمى” بالتحالف الدولي ، الذي يتستر به الوجود الأميركي. ويستنتج بأن هذا العامل بالذات يصبح العقبة الرئيسية لتطور العملية الدستورية المدعوة لإنجاز المصالحة الوطنية مع ذلك الجزء من المعارضة ، الذي يقبل المشاركة في إعمار سوريا ما بعد الحرب .
لا ينسى توريتسيف، بالطبع، محطة رئيسية في الموقف الرسمي للكرملين من أن الإنتخابات الرئاسية الراهنة تصبح “إنتقالية” في حال إنجاز العملية الدستورية، على أن يحتفظ الأسد بحق الترشح للإنتخابات، التي تلي ذلك، كما “يطالب بذلك عدد من ممثلي المعارضة الخارجية”، برأيه . وحرمان الأسد من هذا الحق سوف يعني الإفتئات على حقوق قسم مهم، “بل الأصح القول القسم الأكبر” من السوريين، لأن الثقة ببشار الأسد، “وبدون أدنى مغالاة”، سوف تبقى في المرحلة اللاحقة أيضاً.
صحيفة “Gazeta.ru” الروسية، وفي نص بعنوان “بدون المعارضة وإعتراف الغرب : كيف سيُنتخب الأسد لولاية جديدة”، إستعرضت مسيرة الأسد في السلطة حتى الانتخابات الرئاسية الحالية . وقالت بأن الأسد أجرى في سنوات حكمه الأولى إصلاحات ليبرالية إلى حد ما، إذ عمم شبكة الإنترنت في أنحاء سوريا، واجتذب الإستثمارات الأجنبية، وأطلق من السجون المعتقلين السياسيين، ووضع البداية لظهور الصحافة الحرة ، وافتتح مصارف خاصة . لكن الغرب اعتبر كل ذلك بأنه القليل من الإصلاحات المطلوبة، واتهمه بملاحقة المعارضة وبمشاركة محتملة في مقتل رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري.
لكن الأسد، ومنذ اندلاع الحرب الأهلية العام 2011، اتُهم باستخدام الأسلحة الكيماوية، وتحول إلى شخصية غير مقبولة بتاتاً من البلدان الغربية، التي أجمعت على عدم الإعتراف بشرعية الإنتخابات الرئاسية الحالية، على قول الصحيفة.
ونقلت عن خبير المجلس الروسي للعلاقات الدولية ومسؤول البرنامج السوري في معهد “Middle East” في واشنطن أنطون مارداسوف قوله، بأن الأسد ملزم بإجراء الإنتخابات على مختلف المستويات ، وإلا تفقد مؤسسات الدولة شرعيتها بحكم القانون. لكنه يعتبر أن الإنتخابات الراهنة تحمل “طابعاً إسمياً”، لأن منافسي الأسد هم في الحقيقة “مفسدون للانتخابات”، إذ تم إستجلابهم فقط لإبراز “الحجم الكبير للإنتصار” . ويقول بأنه حتى المعارضة ــــ الديكور، التي على علاقة عمل بالأجهزة الأمنية وتتمركز في دمشق، لا يسمح لها بالمشاركة في التصويت ومحظورة من المشاركة في الحياة السياسية.
ماريانا بالنكايا المتابعة لشؤون الشرق الأوسط في إحدى كبريات الصحف السياسة الروسية “Kommersant”، قالت ل”المدن” حين سألتها عن رأيها في الإنتخابات الرئاسية السورية الراهنة : “حقاً ، ما الذي يمكن التعليق عليه هنا . فنتائج الإنتخابات معروفة ، ومواقف جميع اللاعبين والقوى منها معروفة أيضاً، وهم لا يستطيعون تغيير شيئ” . وكانت الكاتبة قد قامت في مطلع فترة تسجيل أسماء المرشحين للرئاسة السورية بنشر نص وضعت له عنواناً أوجزت فيه كل ما تراه في إنتخابات الأسد الراهنة ، إذ قالت في العنوان “سوريا تستعد لما لا رد له” .
في مطلع الشهر الجاري كان موقع قناة التلفزة الأوكرانية 24 قد نشر نصاً (سبق ل”المدن” أن استعرضت أهم ما جاء فبه) عن الإنتخابات الرئاسية السورية قال فيه، بأن تقليد الديموقراطية من قبل أمثال الأسد له هدف وحيد لا غير: منح سلطته ولو شرعية شكلية.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت