أيمن أصفري..ملياردير يسعى لـ”التغيير تحت فضاء المجتمع المدني”
عاد اسم رجل الأعمال السوري، أيمن أصفري، إلى الواجهة مؤخراً، مع إطلاق مبادرة “مدنية” في العاصمة الفرنسية، تحت عنوان “الأحقية السياسية للفضاء المدني السوري”.
ورغم تأكيده مراراً بأنه لا يتطلع لأي دور سياسي، فإن ظهور أصفري بعد غيابٍ عن المشهد، اعتبر مفاجئاً للبعض، في الوقت الذي يشهد فيه الملف السوري نشاطاً سياسياً، خاصة وأن تصريحاته في الشأن السياسي تعتبر نادرة.
وطرحت تساؤلات عدة حول أصفري، فيما إذا كان يحاول الدخول إلى الحقل السياسي، خاصة في ظل وجود أنباء بأنه شخصية سورية مُفضلة من قبل الاتحاد الأوروبي، أو يحاول دعم المجتمع المدني المغيب سياسياً فقط؟
من هو أصفري؟
أصفري من موالد محافظة إدلب شمال سورية 1958، تلقى تعليمه الجامعي في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ حصل على بكالوريوس الهندسة من جامعة فيلانوفا الأمريكية، كما حصل على ماجستير في الهندسة المدنية من جامعة بنسلفانيا.
وأيمن هو الأبن الأكبر لأديب أصفري الذي يعتبر من مؤسسي حزب البعث العربي الاشتراكي في أربعينيات القرن الماضي، وكان من بين أعضاء المجلس الوطني بعد انقلاب آذار 1963.
وأُرسل والد أيمن أصفري سفيراً إلى عدد من الدول بينها تركيا، لكنه ابتعد عقب ذلك عن السياسة وعاد إلى حلب ليمارس مهنته كطبيب، حتى عام 1981 عندما اعتقلته أجهزة المخابرات التابعة لنظام الأسد بسبب علاجه لمصابين من “الإخوان المسلمين” في أحداث الثمانينات.
توفي والد أيمن بعد خروجه من الاعتقال وإهانته مطلع ثمانينات القرن الماضي، وهو ما دفع أيمن أصفري لمغادرة سورية إلى دبي في الإمارات العربية المتحدة.
بدأ أيمن وظيفته الأولى في دبي كمهندس استشاري حيث أجرى اختبارات التربة، قبل أن ينتقل إلى سلطنة عمان وبدأ في أعمال بناء الطرق المؤدية إلى مواقع الحفر وسط الطفرة النفطية في عمان.
وتعرف أصفري على رجل الأعمال اللبناني مارون سمعان، واتفقا على تأسيس شركة “بتروفاك انترناشيونال” بالاتفاق مع شركة “بتروفاك” الأمريكية، التي كانت صغيرة ولا وجود فاعل لها في الشرق الأوسط.
وبلغ رأسمال الشركة حينها مليون دولار، نصفها من أصفري ومارون سمعان، ونصفها الآخر من الشركة الأم، لكن الشركة نمت بشكل سريع وأصبحت من الشركات الرائدة في مجال النفط والغاز في العالم.
وتعتبر الشركة من أفضل 100 من نظيراتها في بريطانيا حيث يوجد مقرها، وتضم أكثر من 8500 ألف موظف وأكثر من 30 مكتباً حول العالم، حسب صحيفة “الغارديان” البريطانية.
وصنف أصفري مراراً ضمن قوائم “فوربس” للأثرياء، وتقدر ثورته بأكثر من 1.2 مليار دولار أمريكي.
استثماراته في سورية؟
بدأت استثمارات أصفري في سورية خلال تسعينيات القرن الماضي، عندما حصلت شركته على عقدين بقيمة 7 ملايين دولار، إضافة إلى مشاريع في حقول نفط دير الزور.
وبعد انسحابها من سورية سنة 2004، عادت الشركة في 2008 وحصلت على عقدبقيمة 477 مليون دولار لبناء محطة معالجة الغاز في ريف دمشق، حسب الموقع الرسمي للشركة، كما حصلت على عقد بقيمة 454 مليون دولار لبناء محطة معالجة الغاز على حقل جهار القريب من تدمر.
وانضم أصفري إلى الجمعية السورية البريطانية سنة 2001 بقيادة فواز الأخرس والد أسماء زوجة رأس النظام بشار الأسد، لكن انسحب منها لاحقاً عندما اكتشف تسخير الجمعية للترويج للنظام.
كما رفض أصفري الانضمام إلى شركة “الشام القابضة”، التي أسسها رامي مخلوف مع عدد من رجال الأعمال السوريين.
وحسب ما رواه الباحث الاقتصادي سمير سعيفان في منشور عبر حسابه في “فيس بوك”، فإن أصفري التقى بشار الأسد عدة مرات، قبل أن تتوقف هذه اللقاءات بعد غضب الأسد منه عندما طلب منه إطلاق سراح المعارض السوري ميليشيل كيلو سنة 2006.
وآخر لقاء كان بين أصفري وبشار الأسد ستة 2010، خلال افتتاح معمل غاز إيبلا، بحكم أن “بتروفاك” هي الشركة المنفذة.
وبعد انطلاق الثورة السورية، ونتيجة انتقاد أصفري للحل الأمني ووقوفه إلى جانب المعارضة السياسية، حاول نظام الأسد تشويه صورته عبر اتهامه من قبل وسائل إعلام تابع له، بالتهرب من سداد قروض عليه لمصارف سورية.
وقال موقع “داماس برس” حينها إن هناك “علاقة مشبوهة بين رجل الأعمال أيمن الأصفري ورجل أعمال سوري يملك شركة صرافة، وهي بصدد الإعلان عن عدد من ملفات الفساد بخصوص الحصول على قروض دون ضمانات من المصارف السورية”.
وحسب موقع “زمان الوصل” في 2015، فإن أصفري “مطلوب للاعتقال لصالح شعبة الأمن السياسي منذ عام 2013”.
أصفري والسياسة
لم تكن رغبة أيمن أصفري بالتغيير في سورية خافية على الجميع، عندما أسس سنة 2006 مع زوجته سوسن أصفري، مؤسسة “الأصفري” التي كان هدفها “بناء مجتمع مدني قوي ودعم استدامته، وفي الشباب المبتكر كي يصبح قادراً على قيادة التغيير الإيجابي في مجتمعاته وبلدانه”.
وأعلن أصفري عن تقديم منح سنوية لعشرة طلاب سوريين متفوقين في الثانوية العامة للدراسة في الجامعات الأمريكية، وكان يتحمل كافة النفقات وتكاليف الجامعة والإقامة.
كما أسس “ميدان” وهو “مركز معرفة على الإنترنت للجهات الفاعلة في المجتمع المدني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، إضافة إلى إنشاء معهد الأصفري للمجتمع المدني والمواطنة في الجامعة الأميركية في بيروت.
بعد اندلاع الثورة السورية كان أصفري من المُساندين لها بشكل علني، عبر دعم المعارضة السياسية، ودعم إقامة مركز دراسات في دبي للترويج للثورة، كما حضر مؤتمر المعارضة في 2012 في القاهرة، إلى جانب دعمه العديد من نشاطات المعارضة السورية.
ولم يكن اسم اصفري متداولاً في الساحة السياسية بشكل كبير، إذ كان يظهر ويختفي، لكن عقب مشاركته في مؤتمر المعارضة في الرياض 2015، والتي انبثقت عنه هيئة التفاوض، ردد سوريون اسمه ليكون أحد المسؤولين في الائتلاف.
إلا أنه في مقابلة مع قناة “BBC” البريطانية سنة 2016 نفى ذلك، وأكد أنه لم يعرض عليه منصب في الائتلاف ولو عرض عليه لرفض.
ويصف أصفري نفسه بأنه “معارض معتدل” وتقوم رؤيته السياسية على مبدأ المواطنة والفصل بين الدين والدولة، كما يعتبر أنه لا يمكن لإقصاء أي جهة سياسية في سورية.
كما يؤيد وجود بشار الأسد في فترة الحكم الانتقالي، لأن حسب قوله “ليس المطلوب الدخول في مساومات وإنما المطلوب إنقاذ سورية”.
ويعتبر أصفري أن رجال الأعمال هم جزء من المجتمع المدني، التي يجب أن تكون مؤسساته موجودة في كل الأنظمة.
مبادرة “مدنية”
من هذا المنطلق، وبعد غياب عن المشهد السياسي لسنوات، عاد أصفري إلى الساحة عبر “مبادرة مدنية”، التي أطلقها في باريس الأسبوع الماضي بحضور شخصيات وممثلين عن أكثر من 150 منظمة سورية.
ويقول أصفري في مقابلة مع “تلفزيون سوريا”، بأنه وبعد “12 سنة من الثورة أصبح يوجد مجتمع مدني يعمل بنشاط على مستوى جيد من الحوكمة والتنظيم في سورية”.
وأضاف ان “المجتمع صوته مغيب تماماً من العملية السياسية، وهذا لا يعني أنه جسم سياسي وإنما دوره محفوظ بقرار 2254”.
وينفي أصفري أي طموح له سياسي، ويقول في مقابلة مع “القدس العربي”، إنه في مبادرة مدنية “لا أتطلع لأي طموح سياسي، ولا أحد من أعضاء المبادرة يتطلع لتأسيس حزب سياسي، لكن المجتمع المدني في أي دولة مدنية ديمقراطية له دور أساسي في الفاعلية السياسية”.
وتعرف المبادرة نفسها، حسب بيان صادر عنها، على أنها “جهة مستقلة عن أي نفوذ سياسي أو أجنبي، تهدف إلى حماية الفضاء المدني السوري وتعزيز فاعليته في منصات صنع القرار”.
وأكد البيان أن المبادرة لن تحل “محل الأجسام السورية المنخرطة في العملية السياسية وفق قرار مجلس الأم رقم 2254، بل تأتي ضمن محاولات رفد جهودها”.