قد لا يكون التزامن بين تداعي النظامين اللبناني والسوري وبلوغهما نهاية الطريق، مجرد صدفة، وإن كانت معالم تلك الخاتمة متشابهة، وتختصر بحقيقة واحدة هي أن النظامين يدفعان اليوم الثمن المتأخر لحربين مدمرتين، مديدتين، لم يتمكن أي منهما من إحتوائها والخروج منها بأقل قدر من الخسائر والاضرار.
النظام اللبناني يتهاوى، ويكتشف اللبنانيون اليوم انهم لم يخرجوا من الحرب الاهلية، التي صاغ العرب والاميركيون هدنتها السياسية في اتفاق الطائف، الذي لم ينفذ حتى اليوم، وإشترى رفيق الحريري بدائلها الاقتصادية بالمال. وها هو النظام اليوم يواجه لحظة النهاية، حيث الافق مسدود أمام أي تغيير او تطوير سلمي، ولا توجد طائفة او قوة سياسية واحدة قادرة على الدفاع عنه وحمايته من السقوط.
لم يذكر الامين العام لحزب الله حسن نصر الله، ذلك النظام بالاسم، ولم يؤشر الى اتفاق الطائف بالتحديد، عندما كشف في كلمته التلفزيونية الاخيرة، ان ثمة أفكاراً تدرس حول تعديل الدستور(من دون أن يستخدم الكلمة بالذات) لتحديد مهل التكليف والتأليف -المفتوحة- لرئيس الحكومة..من دون أن يدرك على الارجح ان تلك المهل هي واحدة من أهم اسباب الحرب الاهلية، وومن دون أن يلاحظ ربما أن أي مس بها يخفض رتبة الشاغل السنّي لمنصب رئاسة الحكومة الى مستوى الموظف عند رئيس الجمهورية الماروني، كما كان الحال قبل الطائف.
لم يستنفر السنّة لهذا “التعدي” الصريح على صلاحيات رئيس الحكومة، لسببين متعارضين، أولهما ان الطائفة رأت في ذلك الاقتراح ترجمة عملية لنوايا مبيتة عند حزب الله وحليفه التيار العوني، لتكريس الهيمنة والغلبة الطائفية، ولنسف اتفاق الطائف، وثانيهما أن الطائفة السنّية تدرك في قرارة نفسها ان ذلك الاتفاق يحتاج بالفعل الى تحديث، وتفكير هادىء وبحث عميق مع قوى سياسية عاقلة ورصينة، لا ترث أحقاد الحرب الاهلية وتتناقلها، في كيفية إجراء هذا التحديث، وفي اعادة بعض صلاحيات رئاسة الجمهورية المسلوبة، الى رئيس مقبل، لم يترشح بعد.
فتح نصرالله البحث، فكان الرد الفوري، ان الوقت لم يحن بعد. لم يبادر أحد الى التحذير من مغبة ذلك المس بواحد من أخطر المحرمات السياسية في مرحلة ما بعد الحرب الاهلية. للمرة الاولى منذ الطائف، بدا النظام اللبناني يتيماً، مأزوماً أكثر من أي وقت. ولم يكن أحد يحتاج الى أدلة على تلك الازمة، التي تحظى بالاجماع، وتهدد الدولة ومؤسساتها كافة.. وتعيد السلطة تدريجيا الى الشارع.
مثل هذا البحث لم يفتح بعد في سوريا، لكن الازمة تكاد تكون واحدة. بدأ نظام آل الاسد مسار الانهيار الحتمي، بعدما بلغ الدعم الروسي والايراني حده الاقصى. وفاقت أكلاف العشرية الاولى من الحرب قدرة النظام وجميع حلفائه على الاحتمال. ولم يعد العثور على مخرج سياسي “دستوري” من الازمة ممكناً. الخيار الوحيد المتبقي لسوريا، وربما للبنان أيضاً، إذا ما ظلت الطبقة السياسية على عنادها وتهورها، هو في المؤسسة العسكرية التي يمكن أن تتقاسم المسؤولية مع صندوق النقد الدولي عن إدارة البلدين، ومنعهما من السقوط تحت وطأة المجاعة والفوضى. وهو بالمناسبة خيار يتهدد معظم الدول العربية التي تواجه منذ مطلع هذا القرن مظاهر غير مألوفة من الفقر والاضطراب الداخلي.
قد يكون الرهان السوري على الخارج، للاسراع في صياغة هذا المخرج، رابحاً أكثر من الرهان اللبناني، فقط لأن دموية الصراع في سوريا وكلفته البشرية والاقتصادية ومخاطره التي تتخطى الحدود السورية، أكبر بكثير من طبيعة وكلفة الصراع في لبنان، الذي يمكن إختزاله بسؤ الطبقة السياسية وفسادها وعدائها المستحكم لغالبية اللبنانيين.
أي النظامين سيسقط أولاً. لا فرق، المهم أنهما باتا على شفير الهاوية، وما من قوة على الارض تستطيع إنقاذ أي منهما. وقد يكون السقوط المتزامن آخر الصدف التي جمعت بينهما يوماً في سبعينات القرن الماضي.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت