إدلب..مدرسون مختصون يهجرون “الحلقة الثانية” إلى “الأولى”
بعد عمل لأكثر من 30 عاماً في حقل التعليم، هجر المدرّس محمد وليد الخطيب، المنحدر من بلدة مرعيان في “جبل الزاوية” جنوبي إدلب، العمل في تخصصه “اللغة العربية” وانتقل للتدريس في صفوف الحلقة الأولى.
الخطيب واحد من مئات المدرسين المختصين في محافظة إدلب، ممن هجروا التدريس في صفوف الحلقة الثانية وبتخصصهم، إذ انتقلوا للتدريس في صفوف الحلقة الأولى بسبب تركّز الدعم على غالبيتها، وبحثاً عن رواتب شهرية تؤمّن قوت عوائلهم.
الخطيب يوضح لـ”السورية.نت”، أنّه كان “من أوائل المبادرين بالعمل في صفوف التربية الحرة بعد تشكيلها عقب الثورة السورية، في ظل ظروف قاسية جداً من الخوف والفزع نتيجة القصف المفاجئ”.
وتابع بالقول، إن العملية في بدايتها ورغم كل التحديات “كانت مستقرة من الناحية المهنية، إذ كان كل مدرس يعمل بتخصصه”.
لكن سرعان ما توقف الدعم عن المدرسة التي تولّى الخطيب إدارتها، فلم يجد أمامه سوى اللجوء للحلقة الأولى، بحثاً عن راتب شهري بعد انقطاع الدعم عن نسبة كبيرة من مدارس “الحلقة الثانية” التي تمتدّ من الصف الخامس حتى التاسع.
“سنوات طويلة في التعليم”
يشتكي الخطيب، في ظرف عمله الجديد عدم مراعاة عمره في المهنة الذي تجاوز الـ 30 عاماً وخبرته الطويلة، في وقتٍ يجد “مشقة كبيرة في التعامل مع الطلاب الصغار اليوم”.
ويعتبر أنّ “الموازين اختلت في حقل التعليم، إذ إنّ بعضاً من المدرسين ممن يتمتعون بسنوات خدمة قليلة جداً، عينوا في مناصب إدارية مثل مسؤول حماية وأمين مكتبة، وفي المقابل مدرّسون مختصون اضطروا لتدريس صفوف الحلقة الأولى بحثاً عن رواتب شهرية”.
ودعا الخطيب إلى “ضرورة تفعيل خبراء في التعليم للنظر في واقع المدرسين الحقيقي، بغية إعادة الأمور إلى نصابها ويأخذ المعلّم دوره الحقيقي”.
“بشقّ الأنفس”
إضافة لذلك، يقول عمار نعسان وهو مدرّس رياضيات، لـ”السورية.نت”:”حتى تأمين فرصة عمل في صفوف الحلقة الأولى ليس بالأمر الهيّن أيضاً”، مبيناً أنه “حصل عليها بشق الأنفس بعد الخضوع لمسابقة”.
نعسان عمل مدرساً في تخصصه حوالي 23 عاماً، وقبل سنتين فقط التحق بتدريس طلاب الصف الأول، مادة “قراءة علاجية وحساب علاجي” التابع لمشروع “مناهل” التعليمي.
وعلى الرغم من كون الانتقال إلى الحلقة الأولى اضطرارياً، إلا أنه ليس خياراً متاحاً لجميع المدرّسين، بسبب محدودية الدعم وارتباطه في مسابقات.
لا يجد نعسان اختلافاً بين التدريس في الحلقتين إلا بكون “الأولى تحظى بدعم”، وربما تكون المهمة في الحلقة الأولى أكثر صعوبةً وأهمية بالنسبة لجيل الطّلاب، على حدّ قوله.
“خيار وحيد”
علي الفارس، من ريف سراقب الشرقي، ترك هو أيضاً التدريس في تخصصه “الفيزياء”، بعد تهجيره من قريته ووصوله لمخيم للنازحين قرب مدينة معرة مصرين بريف إدلب الشمالي.
الفارس الذي يعمل مدرساً للصف الثاني في مدرسة مخيم “الإيمان”، يقول لـ”السورية.نت”، إن “تدريس الحلقة الأولى كان خياره الوحيد في ظل غياب الدعم عن مدارس الحلقة الثانية، فضلاً عن ظروف الحياة الصعبة التي تتطلب العمل تحت أي ظرف مهما كان”.
وعلى الرغم من شغفه بتدريس الطلاب الصغار وتعلّقه في هذه الفئة، لا يتردد الفارس في العودة إلى صفوف الحلقة الثانية للتدريس بحال توفرت فرصة عمل، على اعتبار أنّ دراسته “كانت من أجل أن يدرّس باختصاصه”.
“انخفاض مستوى التعليم”
يرى وليد الحمادة وهو رئيس دائرة التعليم الأساسي في مديرية التربية والتعليم، أنّ “انقطاع الدعم عن عدد كبير من مدارس الحلقة الثانية أدى إلى انخفاض مستوى التعليم لأدنى المستويات، وذلك لعدم وجود كوادر تقبل العمل بشكل تطوعي، وبحال وُجدَ غالباً ما يكون كيفياً وحسب أوقات الفراغ، مما ينعكس سلباً على العملية التعليمية”.
ويتحدث الحمادة لـ”السورية.نت”، عن الأسباب التي أدت إلى تراجع التعليم في مدارس الحلقة الثانية، وهي “غياب الجهات الداعمة وتخليها عن دعم الحلقة الثانية، وتركيزها على الأولى”.
إضافةً إلى أنّ “بعض المنظمات لم تجدد العقود بعد انتهاء الدعم عن المدارس، بالتوازي مع غياب القدرة الداخلية على توفير رواتب للمدرسين العاملين في تلك المدارس”، بحسب الحمادة.
وعن الحلول المقترحة، أوضح محدثنا أنّ “المديرية اقترحت تشكيل صناديق تكافل اجتماعي وخاطبت كل الجهات الرسمية في الداخل، لكن نسبة الإقبال كانت ضعيفة جداً”.
وقالت إحصاءات لـ”وزارة التربية والتعليم في حكومة الإنقاذ السورية“، إنّ حوالي 239 مدرسة مُتطوعة من الحلقة الثانية، في محافظة إدلب، من أصل 473 مدرسة، وهي نسبة تفوق الـ 50 في المئة.
وفي وقتٍ ترتفع معدلات التطوع بين المدرّسين، تحضر المنح المالية من المنظمات المحلية، بديلاً “خجولاً” للمدرسين المتطوعين في إدلب.
وكانت منظمة “إحسان للإغاثة والتنمية” (إحدى مؤسسات المنتدى السوري) وزّعت منحة مالية، شملت حوالي 11 مدرسة، تضمّ 162 مستفيداً من الكوادر التعليمية والإدارية والخدمية، قبيل عيد الفطر الماضي.
وتتراوح مدة العمل التطوعي للمدارس التي شملتها المنحة من سنتين إلى 3 سنوات.
وتعتبر المنحة هي الثانية لـ”المنتدى السوري” خلال العام الدراسي الجاري، وتأتي لمساندة المدارس التطوعية.