يسعى رأس النظام السوري، بشار الأسد إلى هدم أدلة الجرائم والمعلومات الحيوية المتعلقة بضحايا الاختفاء القسري، من خلال المرسوم الذي أصدره الأحد، وقضى بـ”إيقاف العمل بمحاكم الميدان العسكرية”.
وحمل المرسوم الذي أصدره رقم 32 لعام 2023، ونص على إنهاء العمل بالمرسوم التشريعي رقم /109/ لعام 1968، وتعديلاته المتضمن إحداث “محاكم الميدان العسـكرية”.
ونص المرسوم الجديد أيضاً على “إحالة جميع القضايا المحالة إلى محاكم الميدان العســكرية بحالتها الحاضرة إلى القضاء العسـكري لإجراء الملاحقة فيها”.
وذلك “وفق أحكام قانون العقوبات وأصول المحاكمات العسـكرية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 61 لعام 1950 وتعديلاته”.
وسبق وأن قالت منظمة “العفو الدولية” إن هذه المحاكم تعمل “خارج نطاق قواعد وأصول النظام القانوني السوري”.
وفي تقرير أصدرته عام 2017، نقلت عن قاضِ سابق فيها قوله “يسأل القاضي عن اسم المحتجز، وعما إذا كان قد ارتكب الجريمة أم لا. وسوف تتم إدانة المحتجز بصرف النظر عن إجابته”. وأضافت “يخضع المحتجزون قبل إعدامهم لإجراءات قضائية صورية لا تستغرق أكثر من دقيقة واحدة أو اثنتين”.
وتتصف “هذه الإجراءات بأنها من الإيجاز والتعسف بحيث يستحيل معهما أن يتم اعتبارها إجراءات قضائية معتادة”، حسب المنظمة الحقوقية الدولية، مشيرةً إلى أن الإجراءات “تنتهي بإعدام المحتجزين شنقاً”.
ماذا وراء مرسوم الأسد؟
وكانت “محكمة الميدان العسكرية” في البداية مختصة بمحاكمة العسكريين الذين يرتكبون مخالفات أو أفعالاً جرمية، ومنها التخابر مع العدو أثناء حالة الحرب مع عدو خارجي.
لكنها استخدمت في الثمانينيات لردع بعض التجاوزات المدنية مثل سرقة المازوت، ثم توارى نشاطها خلال التسعينيات، إلى أن جرى إحياؤها مع اندلاع الثورة السورية.
إذ يجرى تحويل المشاركين أو المتهمين بالمشاركة في فاعليات عسكرية أو سلمية، من عسكريين ومدنيين على السواء، إلى هذه المحكمة بتهمة الإرهاب.
ويوضح الناشط الحقوقي السوري، منصور العمري في منشور له عبر منصة “x” أن “إلغاء العمل بالمحاكم يهدم أدلة الجرائم والمعلومات الحيوية عن ضحايا الاختفاء القسري، ولا ينقل إلا انتهاكات المحاكم الميدانية العسكرية إلى القضاء العسكري سيئ السمعة”.
ويقول إن خطوة الأسد تأتي “في رد استباقي على طلب كندا وهولندا أمام محكمة العدل الدولية، وقبل 30 يوماً فقط من جلسة الاستماع الأولى”، مضيفاً أنه يسعى “لمواجهة الاتهامات التي قدمها مقدمو الطلبات في المحكمة، من خلال تدمير أدلة بالغة الأهمية”.
وينص مرسوم الأسد رقم 32، على أن “جميع القضايا المحالة إلى المحاكم الميدانية العسكرية تحال بوضعها الحالي إلى القضاء العسكري لمحاكمتها”.
ولكنه ووفق العمري لم ينص “على إحالة ملفات القضايا السابقة إلى القضاء العسكري، كما لم يتضمن أي إشارة إلى مصير ملفات وسجلات القضايا المنتهية/السابقة”.
ويؤكد الناشط الحقوقي أن “إلغاء المحاكم الميدانية يعني التخلص من سجلاتها بما في ذلك الأحكام. ولذلك فإن حذف هذه السجلات يعني تدمير المعلومات اللازمة لمعرفة مصير من حكم عليهم وأعدموا، بمن فيهم المختفين قسرياً”.
واعتبر المحامي السوري المقيم في دمشق، عارف الشعال، في منشور له على “فيس بوك” أن إلغاء هذه المحاكم “إزاحة لأهم الكوابيس الجاثمة على صدر العدالة”.
وقال إنه بجانب أنها كانت “محكمة سرية لا يدخلها محامي ولا يوجد فيها ضمانة حق الدفاع، وقراراتها لا تقبل الطعن وتخضع بالمطلق للسلطة التنفيذية التي تملك الحق بإلغاء أحكامها، كانت أيضا مرتعاً خصباً للفاسدين من المحتالين والنصابين والسماسرة الذين يزعمون أن لهم يد طولى فيها ويتقاضون من المساكين مبالغ خيالية بسبب ذلك وهم كاذبون”.
“إبادة أي صوت معارض”
وفي تعليقها على مرسوم الأسد، قالت “الهيئة السورية للمعتقلين”، في منشور على “فيس بوك”: “كانت هذه المحاكم استثنائية لا يوجد بها أي ضمانات دستورية ولا يحق للمتهم الماثل أمامها تقديم أي دفوع أو توكيل محام أو مراجعة أي قرار أو حكم يصدر عنها إضافة إلى سريتها”.
واعتبرت الهيئة أنها كانت “إحدى الأدوات التي مارس بها النظام السوري القتل منذ بداية حكمه واستخدمها لإبادة أي صوت معارض له، كما كانت إحدى آليات الترهيب التي نشطت منذ بداية الثورة والتي ارتبط اسمها بسجن صيدنايا العسكري سيء السيط”.
ولا يغير هذا المرسوم نظام المحاكمة غير العادلة في سورية، إذ يحتوي “قانون العقوبات العسكري السوري على أحكام تسمح بالمحاكمات السرية وتمنع إجراءات النشر”.
ويوضح الناشط الحقوقي العمري أن “القرارات الصادرة عن قاضي التحقيق لا تخضع لأي طريقة من طرق المراجعة”.
وتسمح بإعدام عسكريين ومدنيين بتهم عديدة، منها “كل من حرض العسكريين على الانضمام إلى العدو أو المتمردين”.
ويتابع أن “الأحكام الغيابية تسمح للأفراد المحكوم عليهم باستئناف القرار خلال 5 أيام فقط”، وأنها تسمح أيضاً بمصادرة جميع “الأموال المنقولة وغير المنقولة القائمة والمستقبلية المشتركة وغير المشتركة”.