دخل لبنان مدار التجاذب الإيراني الأميركي المباشر. إنها المرة الأولى التي يصل فيها لبنان إلى هذه الحدود العلنية والمباشرة والرسمية في التنافس بين واشنطن وطهران. سابقاً كان البلد ساحة لتمرير الرسائل غير المباشرة عبر ضربات متقطعة أو جولات قتال حربية أو سياسية. حالياً يتضح البعد الاستراتيجي لأفق الصراع وارتباطه بخطوط النفط والغاز.
في اليوم نفسه الذي أعلن فيه الأمين العام لحزب لله حسن نصرالله عن إبحار سفينة إيرانية محملة بالنفط إلى لبنان، سارعت السفيرة الأميركية دوروثي شيا إلى الإعلان عن السماح للبنان بالحصول على الغاز المصري عبر الأردن وسوريا. وهذا أبرز مؤشرات التنافس الأميركي الإيراني على مناطق النفوذ، وهنا سيكون لبنان صورة مصغّرة عن الواقع السوري الذي يشهد مناطق نفوذ متعددة ومتضاربة في الوقت نفسه، فتنقسم الجغرافيا السورية إلى منطقة تركية، وأخرى روسية، وثالثة إيرانية ورابعة أميركية، وخامسة إسرائيلية.
سيشتد الصراع على لبنان في المرحلة المقبلة، انطلاقاً من حسابات متعددة ومتضاربة وعلى وقع الانهيار الكبير الذي يعيشه في مسار مشابه تماماً للمسار السوري، مع فارق أن لبنان لم يشهد معارك عسكرية طاحنة. سيكون ملف النفط والغاز هو المنطلق الأساسي لترسيم مناطق النفوذ في لبنان، ففي الجنوب اللبناني هناك وضوح في التنافس الإيراني الأميركي، ليس فقط على تمرير الغاز المصري، إنما بانعكاس كل التطورات على ملف ترسيم الحدود وتأمين أمن إسرائيل من خلال تفكيك الصواريخ الدقيقة، وهذا مسار طويل سيحتاج إلى كثير من الانهيارات للوصول إلى نقطة اتفاق.
النفوذ الأميركي في لبنان واضح، انطلاقاً من الجنوب والدور المركزي الأميركي في رعاية عملية ترسيم الحدود بانتظار إنجازها، بالإضافة إلى نفوذ أميركي واضح في القطاع المصرفي والمالي وفي المجال السياسي، إلى جانب نفوذ عسكري أميركي في عدد من القواعد على الشواطئ اللبنانية أو في البقاع. إيران نفوذها واضح أيضاً، عسكرياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً وجغرافياً عبر حزب لله. لروسيا طموح بنفوذ في الشمال اللبناني وانطلاقاً من دور شركتي روسنفت ونوفاتيك في المشاركة بعمليات التنقيب عن النفط والغاز مستقبلاً. كذلك لفرنسا نفوذ ثقافي والقليل من النفوذ السياسي تحاول أن تستعيده منذ أكثر من سنة عبر إطلاق مبادرة سياسية مكتملة المعالم لكنها لم تصل إلى أي نتيجة.
يأخذ الصراع أبعاداً مختلفة، وصلت إلى حدود التنافس المباشر في كيفية إيصال المواد النفطية إلى لبنان، والذي يعيش تداعيات قانون قيصر المفروض على سوريا. الخطوة الأميركية بالإعلان عن السماح للبنان بالحصول على الغاز المصري تستوجب استثناءً من مندرجات قانون قيصر، لكنها خطوة تضع النظام السوري بين خيار، إما الموافقة والالتحاق بما تفرضه السياسة الأميركية، والتشبيك مع مصر والأردن أي مع حلفاء واشنطن، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن خط الغاز المصري هو عبارة عن أنابيب مشتركة بين مصر وإسرائيل. وبذلك يمكن للنظام أن يستفيد مالياً ويستعيد العلاقات مع بعض الدول العربية، لكن ذلك سيكون له انعكاس سلبي على العلاقة بين “النظام” وإيران، أمّا الخيار الثاني فهو رفض النظام والاستمرار في سياسة الغرق بالأزمات الاقتصادية والمعيشية، لصالح إيران. وحينئذ يمكن تمرير الغاز عبر الجولان المحتل والخاضع للسيطرة الإسرائيلية وهناك تجربة حصلت بين عامي 1967 و1975.
ستشهد المنطقة مزيدا من الصراعات والانهيارات بانتظار الوصول إلى تفاهم إيراني أميركي، بموجبه سيدفع الطرفان التنازلات المطلوبة لإرساء الاتفاق الذي سيشمل ترسيم مناطق النفوذ بين لبنان وسوريا، بما يرتبط استراتيجياً بالمصلحة الإسرائيلية، وبتمرير خطوط النفط والغاز، والتي تجلّى الصراع حولها منذ العام 2013 وتهجير حمص من سكانها، ولا يمكن فصله عن المعركة أو المعارك التي تشهدها درعا باستمرار وبشكل متقطع، إذ إن خط الغاز المصري الأردني لا بد له أن يمر عبر درعا، وسط شروط إسرائيلية بمنع إيران من التمركز في المنطقة الجنوبية، وهنا لا بد من الإشارة إلى الموقف الروسي المؤيد للموقف الإسرائيلي في مواجهة المسعى الإيراني. إنه رسم جديد لخريطة المنطقة، ولخرائط جغرافية نفطية جديدة في لبنان وسوريا.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت