تتلاحق في إيران أعمال أمنية “غامضة” خلال الفترة الأخيرة وترتبط من دون شك بمحاولة ضرب أو تأخير البرنامجين النووي والصاروخي. وتأتي هذه الأحداث وكأنها استكمال لإستراتيجية “الضغط الأقصى” التي تمارسها واشنطن ولعملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني. ومن الأرجح أن تكون إسرائيل وراء القيام بها بمشاركة أميركية أو بعد ضوء أخضر أميركي.
يؤشر توقيت الضربات في هذه المرحلة الدقيقة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأميركية إلى احتدام صراع الإرادات في المجابهة المباشرة أو عن بعد بين طهران وأعدائها. ولذا فمن المستبعد أن يكون الرد الإيراني مؤجلا، والاحتمال الأقوى حصول هذا الرد من قبل إحدى الأذرع الإيرانية انطلاقا من سوريا أو لبنان أو العراق، مما يضع كل الإقليم على صفيح ساخن في معركة تحديد أحجام ومصائر.
ميدانيا، شهدت إيران في الأسبوعين الماضيين سلسلة انفجارات وحرائق هزت عدة منشآت ومواقع عسكرية وصناعية بينها منشأة نطنز الأساسية في برنامجها النووي ومنشأة بارشين المحورية في برنامجها الصاروخي. وآخر حدث في المسلسل حصل غرب طهران ليل الخميس – الجمعة (9-10 يوليو) وإذ تتكلم بعض المصادر عن استهداف مستودعات صواريخ دقيقة، يبرز تخبط رسمي إيراني بين نفي وكالة فارس وتأكيد وكالة مهر لحصول هذا الانفجار!
يندرج ذلك في سياق تكتم درجت عليه القيادة الإيرانية في التعامل مع تطورات مماثلة وفي أعقاب صمت لافت قال رئيس منظمة الدفاع المدني الإيراني غلام رضا جلالي، إن طهران لا تستبعد عملا تخريبيا من قبل مجموعات المعارضة أو هجوما سيبرانيا من قبل الولايات المتحدة، لكن مسؤولين إيرانيين آخرين اعتبروا أن الانفجارات نتجت عن هجمات تقف وراءها إسرائيل. وبالفعل من خلال الاستناد إلى هجمات سيبرانية سابقة أو استهدافات أمنية ضد البرنامج النووي الإيراني، يمكن القول إن إسرائيل منفردة أو بالشراكة مع الولايات المتحدة تقفان وراء هذه “التفجيرات والحرائق الغامضة” ويربط البعض مسعى تقليم أظافر إيران بخضوعها لعقوبات أميركية خانقة واستنزاف لاقتصادها مع إنهاك لها على الساحتين السورية والعراقية.
من جهة إيران، لم تعلن طهران حتى الآن بشكل صريح وواضح عن حقيقة الأحداث الأخيرة وربما يكون الغموض والتكتم مقصودين حتى لا تظهر الحصيلة الفعلية والوقائع، أو من أجل أخذ الوقت المطلوب في الإعداد للرد أو الخطة المضادة حسب الأوساط الموالية للنظام في طهران يعتبر اغتيال سليماني (الموجه ضد النفوذ الإقليمي لإيران)، والعمليات ضد البرنامجين النووي والصاروخي، وسائل ضغط كي تقبل إيران بالتفاوض من موقع ضعيف قبل نهاية ولاية ترامب، ولذلك انطلاقا من تصور الصراع الدائر على رقعة الشطرنج وفق صبر حياكة السجاد الفارسي ولهذا في لعبة العض على الأصابع وبالرغم من الاستهدافات داخل إيران وقبل ذلك عملية سليماني والغارات الإسرائيلية في سوريا، يمكن تفسير عدم الرد الفوري أو الرد المؤجل بالحفاظ على عنصر المفاجأة وأخذ زمام المبادرة في حرب الكل يعلم متى تبدأ ولا أحد يعلم كيف ستنتهي. بيد أن توقيع اتفاقية التعاون العسكري الإيراني – السوري هذا الأسبوع والتي تتضمن خاصة تعزيز الدفاعات الجوية السورية، ربما يمهد للرد الإيراني إذ تحمل هذه الاتفاقية رسالة إلى إسرائيل مفادها أن إيران لن تقلص وجودها العسكري في سوريا وأن الحرب يمكن أن تندلع ردا على الغارات الإسرائيلية المتلاحقة.
على الجانب الإسرائيلي، يعتبر عدم إعلان المسؤولية عن تفجيرات إيران، محاولة لعدم الوصول للصراع المكشوف مع تفضيل الحرب الهجينة التي تجمع بين الحرب الإلكترونية والأعمال الأمنية وبعض الاستهدافات المحدودة، لكن هذا التستر والتسريبات لم تعد لتحجب حقيقة “العد العكسي” قبل نهاية ولاية ترامب وعدم رغبة بنيامين نتنياهو تضييع فرصة تحقيق فارق إستراتيجي ملموس في النزاع مع إيران وتنطلق المقاربة الإسرائيلية من منع طهران من امتلاك السلاح النووي أو تحقيق تفوق نوعي في مجال الصواريخ الدقيقة مثلا، وهذا يفسر الغارات على الأراضي السورية منذ 2013 والعمليات الحالية داخل إيران.
ووفق الحسابات التي تتداولها الأوساط الأوروبية المتابعة للملف النووي الإيراني، يمكن لطهران في حال صدور القرار السياسي تصنيع قنبلة نووية “بدائية” على شاكلة القنبلة الكورية الشمالية في غضون ستة أشهر، لأنها تكون قد امتلكت كمية اليورانيوم الصافي الضرورية بناء على هكذا تقييم. تتحرك إسرائيل لتأخير هذا الاستحقاق أو تعقيده أو تعطيله.
إزاء هذا الهدف الإسرائيلي، لن تقف إيران مكتوفة الأيدي وربما تقوم بتحرك مضاد على ثلاث جبهات (سوريا ولبنان وقطاع غزة) عبر أذرعها في مسعى لزيادة الإرباك الإسرائيلي ولهذا سيقع الصدام لأن التنازل غير وارد في صراع الإرادات، أما تحديد التوقيت أو (الشرارة) في المواجهة الآتية، سيرتبط بعامل المفاجأة أو بحدث صاعق أو لخطأ في الحسابات في الإجمال، يكمن وراء مسلسل التفجيرات رهان على إضعاف إيران وعلى تفاقم أزماتها ولهذا يتم استدراج طهران إلى الرد في الشرق الأوسط الذي يمكن أن يزيد التهابا.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت