بدأ الاتفاق السعودي- الإيراني يلقى بظلاله على ملفات المنطقة التي استعصى حلها، خلال السنوات الماضية، نتيجة الصراع المستمر بين الخصمين التقليدين كونهما يمتلكان من النفوذ فيها.
ومنذ توقيع الاتفاق بين الرياض وطهران في العاصمة بكين، منتصف الشهر الماضي، وما تبعه عقب ذلك من اتصالات واجتماعات بين وزير خارجية البلدين، بدأت وتيرة حلحلة الملفات تتسارع بشكل غير متوقع.
ورغم أن الأضواء تسلطت على الملف اليمني على نحو أكبر، حظي الملف السوري بنصيب، وكذلك الأمر بالنسبة لفلسطين.
ماذا حصل في اليمن؟
وبعد أيام من توقيع الاتفاق، وصل مفاوضون من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان إلى العاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لسيطرة “الحوثيين”، بهدف التفاوض للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار شامل ودائم.
واستمرت المباحثات مدة ستة أيام، حسب وكالة “فراس برس”، التي نقلت عن مسؤولين حوثيين بأن “المحادثات انتهت من دون اتفاق نهائي، وإنما بتفاهم مبدئي حول هدنة وعقد جولة من المحادثات”.
ونقلت عن مسؤول حوثي قوله إن “هناك اتفاقاً مبدئياً على هدنة قد يتم الإعلان عنها لاحقاً إذا تم التوافق حولها بشكل نهائي”، مضيفاً أن “هناك اتفاق على عقد جولة أخرى من المحادثات لبحث نقاط الاختلاف”.
وتزامن ذلك مع بدء عملية تبادل الأسرى بين الحوثيين والحكومة اليمنية، في إطار الاتفاق الذي توصلا إليه، الشهر الماضي، خلال مفاوضات انعقدت في العاصمة السويسرية، وقضى بتبادل أكثر من 880 أسيراً، بينهم 706 من الحوثيين و181 أسيراً من الحكومة اليمنية.
وشملت عملية تبادل الأسرى إطلاق سراح اللواء ناصر منصور هادي، شقيق الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي.
وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، كشفت منتصف الشهر الماضي عن صفقة بين الرياض وطهران بشأن اليمن.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين وسعوديين، بأن “إيران وافقت على وقف إرسال شحنات الأسلحة إلى حلفائها الحوثيين في اليمن”.
وقال المسؤولون، إن “توقف طهران عن توريد الأسلحة إلى الحوثيين قد يضغط على الجماعة للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الصراع”.
ودخلت المملكة العربية السعودية الصراع في اليمن بشكل مباشر عام 2015، ودعمت الحكومة الشرعية في البلاد وشكلت ما أطلقت عليه “عاصفة الحزم”، في حين دعمت إيران المتمردين الحوثيين الذين استولوا عام 2014 على العاصمة صنعاء.
“تطبيع في سورية”
وعلى الرغم من تقليل كثير من المحللين من أهمية تأثير الاتفاق السعودية وإيران على الملف السوري، واعتباره “ثانوياً” ضمن الملفات المعقدة، إلا أن تسارع التطبيع بين الرياض ونظام الأسد كان مفاجئاً للجميع.
وخلال الأيام الماضية، وفي أعقاب الاتفاق بين إيران والسعودية بدأت خطوات إعادة تطبيع العلاقات تأخذ منحى متسارعاً.
إذ بدأ بتأكيد بيان رسمي للخارجية السعودية بإجراء مباحثات مع نظام الأسد لأول مرة منذ عقد على قطع العلاقات الدبلوماسية.
ولاحقاً أعلنت صحيفة “عكاظ” السعودية عن زيارة رئيس الأمن الوطني في سورية، علي مملوك، ومدير المخابرات العامة حسام لوقا، زارا الرياض، للرياض وإجرائهما محادثات مع مسؤولين سعوديين حول العودة التدريجية للعلاقات بين البلدين.
وفي الوقت الذي كان متوقعاً فيه زيارة وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، إلى دمشق، جاءت الزيارة المفاجئة لوزير خارجية النظام، فيصل المقداد، إلى جدة.
وأصدر الطرفان بياناً مشتركاً تضمن عدة قضايا أبرزها “ضرورة دعم مؤسسات الدولة السورية، لبسط سيطرتها على أراضيها لإنهاء تواجد الميليشيات المسلحة فيها، والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري”.
وتحاول الرياض تسريع التطبيع مع النظام بهدف إعادته إلى الجامعة العربية، الأمر الذي يلاقي اعتراضاً من دول أخرى في مقدمتها قطر والكويت.
واحتضنت الرياض اجتماعاً، الجمعة الماضي، لوزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق بهدف التشاور وتبادل وجهات النظر حول الجهود المبذولة من أجل التوصل لحل سياسي للأزمة السورية.
ونقلت صحيفة “فايننشال تايمز”، عن مسؤولين قولهم إن “قطر والكويت عارضتا بشدة عودة النظام إلى الجامعة”.
كما اعتبر رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في مقابلة تلفزيونية أن عودة سورية إلى جامعة الدول العربية “مجرد تكهنات”، مشدداً على أن “أسباب تعليق عضوية دمشق لا تزال قائمة” بالنسبة للدوحة.
وستمثل إعادة العلاقات بين الرياض ودمشق أهم تطور حتى الآن في تحركات الدول العربية لتطبيع العلاقات مع الأسد، والذي نبذته العديد من الدول الغربية والعربية بعد حملة القمع الدامية التي شنها ضد المنتفضين على حكمه، وفق “رويترز”.
لكن وحتى الآن لا يعرف المسار الذي قد تتخذه الرياض حيال النظام السوري، وما إذا كانت مباحثاتها ستفضي إلى إعادة تطبيع العلاقات بشكل كامل أم جزئياً.
“حماس وفتح”
الملف الثالث كان بين حركتي حماس وفتح ومحاولة المملكة العربية السعودية لعب دور الوسيط بين الطرفين، وإحياء لـ”اتفاق مكة”.
ولأول مرة منذ سنوات يزور وفداً رفيع المستوى من حركة حماس العاصمة السعودية، برئاسة رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية.
كما يضم الوفد مسؤول العلاقات الدولية موسى أبو مرزوق، ومسؤول مكتب الجرحى والأسرى زاهر جبارين، ورئيس الحركة في الخارج خالد مشعل.
وقال القيادي موسى أبو مرزوق إن مساعي الحركة مستمرة في طي الخلافات مع السعودية، في حين نقل موقع “عربي 21” عن مصدر بأن الحركة تأمل من الزيارة أن “تكون بوابة لتحسين العلاقات مع الجانب السعودي وتحريك المياه الراكدة”.
ويعود انقطاع العلاقات بين حماس والرياض إلى 2007 عندما دعا الملك السعودي، عبد الله بن عبد العزيز، حركتي حماس وفتح إلى السعودية للتحاور عقب اندلاع اشتباكات بين الطرفين.
ووقعت اتفاقية بين الطرفين فيما يعرف بـ”اتفاق مكة” في فبراير/شباط 2007، نصت على تشكيل حكومة وحدة وطنية يترأسها إسماعيل هنية.
إلا أن الاتفاق لم يصمد طويلاً واندلعت اشتباكات مجداً بين الطرفين في مايو/ أيار 2007، وانتهت بسيطرة حركة حماس على قطاع غزة في 14 يونيو/حزيران 2007.
ومع انفتاح “حماس” على إيران بشكل كبير وتعمق الخلافات، شنت الرياض حملة اعتقالات طالت العديد من نشطاء وقياداتها البارزين في السعودية.
ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين سعوديين بأن مسؤولي “حماس” يأملون كجزء من المحادثات، في إطلاق سراح عشرات السجناء الفلسطينيين المحتجزين في السعودية.
ويتزامن زيارة وفد حماس مع وصول رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، إلى السعودية برفقة أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حسين الشيخ، ورئيس جهاز المخابرات الفلسطينية ماجد فرج، كما نقلت صحيفة “عربي 21″عن مصادر.
وقال مسؤولون سعوديون لصحيفة “وول ستريت جورنال” إن “التوسط في اتفاق مصالحة بين الفصائل الفلسطينية في نهاية المطاف هدف طويل الأجل لولي العهد السعودي”.