الاجتماع الذي دعت إليه المملكة العربية السعودية لمناقشة عودة النظام الأسدي إلى شغل مقعد سورية في الجامعة العربية، كان اجتماعاً بلا توافقات، فدول مجلس التعاون الخليجي واليمن ومصر والأردن والعراق لم يستطيعوا الاتفاق على هذه الأجندة، فهناك رؤى مختلفة في النظر إلى وضع النظام، من حيث استجابته للقرارات الدولية، وتحديداً القرار الصادر عن مجلس الأمن رقم 2254، بتاريخ الثامن عشر من شهر كانون الأول /ديسمبر عام 2015.
الرؤى المختلفة، يعني ببساطة محددات سياسية لدى كلّ دولة على حدة، فالساعون إلى عودة نظام الأسد إلى الجامعة العربية، يدركون أن هذا القرار يحتاج إلى مصادقة الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض هؤلاء، يعتقدون أنهم قادرون على الحشد السياسي لهذه الخطوة، لإثبات أنه يمكنهم لي ذراع الأمريكيين أحياناً. ومع ذلك، من الضروري وضع النقاط على الحروف، لنفهم بصورة ملموسة دوافع المبادرة العربية، والتي تمّ تسريب نقاطها الأساسية قبل اتفاق عودة العلاقات السعودية الإيرانية، والذي تمّ برعاية صينية.
النقاط الأساسية لمحتوى المبادرة العربية تمثّلت بضرورة عودة اللاجئين والنازحين السوريين بأمان ورعاية دولية إلى مدنهم وقراهم، وانخراط النظام في مفاوضات اللجنة الدستورية المعطّلة حالياً، إضافة إلى تكفّل النظام بإغلاق معامل تصنيع الكبتاغون وتدميرها ومنع الاتجار بها وتهريبها إلى دول الجوار والعالم، وأن تلعب الدول العربية دوراً ملموساً في استعادة سورية من هيمنة إيران عليها، إضافة إلى تقديم مساعدات التعافي المبكر والمساعدات الإنسانية إلى كلّ المناطق. وهذا كله يرفضه النظام، لأنه يعتبر نفسه منتصراً، في وقت هو في ورطة جرائم ارتكبها بحق السوريين، ومطلوب محاسبته.
عودة العلاقات السعودية الإيرانية لا يعني حصول تقدم بكفّ يد إيران عن سورية، فعلى ما يبدو أن الطرفين السعودي والإيراني اتفقا على مبدأ خطوة مقابل خطوة لسياستيهما في اليمن وسورية، وهذا يعني، انفتاحاً سعودياً على نظام أسد، ضمن مفهوم إعادة إنتاج النظام وتأهيله، هذه النقطة الهامة، أرسلت الولايات المتحدة السيناتور لندسي غراهام إلى السعودية لإبلاغ المملكة بانزعاج الأمريكيين من هذه الخطوات المتعارضة مع قانوني قيصر والكبتاغون.
المبادرة العربية كانت تستهدف إحراج تركيا من سورية، مع العلم أن هذه المبادرة، لا يمكنها أن تتحقق، والسبب في ذلك أنها تقفز فوق قرارٍ دولي هو القرار 2254، وهي تتجاهل بقصدية بنية النظام غير القابلة للإصلاح، وغير القابلة للانفكاك عن المشروع الإيراني، الذي ينطلق من طهران مروراً ببغداد ودمشق وبيروت ثم البحر المتوسط بشاطئيه السوري واللبناني، كذلك تتناسى جرائم كبرى ارتكبها النظام الأسدي وفق توثيقات الأمم المتحدة، وتسريبات قيصر، إضافة إلى ما وثقته منظمات حقوق الإنسان المستقلة من جرائم حربٍ وأخرى ضد حقوق الإنسان في سورية والمنطقة.
الدول العربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية لم تستطع أن تقيم مشروع تنمية اقتصادية اجتماعية سياسية عربي، وهذا هو السبب الرئيس في محاولات إيران ملء هذا الفراغ، كذلك هو السبب في محاولات إسرائيل تمرير مشروع شمعون بيريز المسمى (الشرق الأوسط الكبير).
الأتراك يريدون من الوضع السوري اجتثاث مشروع حزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي يريد بناء دولة كردستان الكبرى على أراضٍ تُقتطع من الدول التي يسكنها أكراد، وهي (العراق وإيران وتركيا وسورية)، هذا المشروع حمله حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، وهو كما يعرف الجميع، ليس حزباً وطنياً سورياً، بل هو ذراع سياسية لحزب ال PKK في سورية.
المبادرة العربية كانت تستهدف ليس حل القضية السورية وفق القرارات الدولية المعروفة، وإنما تستهدف إضعاف الدور التركي في حلّ هذه القضية، سيما وأن تركيا تستضيف على أراضيها أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون من السوريين، وهذا ظهر بما أسموه الدور العربي بحل القضية السورية.
السعوديون، الذين وقفوا بوجه النظام الأسدي وجرائمه، فجأة يتناسون موقفهم، ويقفزون فوق حقائقه، وهذا ظهر من خلال مبادرتهم، التي قالوا فيها من حق النظام الأسدي بسط نفوذه على كل أراضيه، ومحاربة الإرهاب، علماً أن ما آلت إليه الأوضاع السورية كان سببه حرب شنّها هذا النظام ولا يزال بحق الشعب السوري.
هنا يمكننا القول ببساطة، المبادرة العربية لا تملك أوراق حل القضية السورية، فهي عدا عن تجاهلها الصريح لجرائم النظام الأسدي المثبتة، تتجاهل حقوق الشعب السوري الذي تعرّض للقتل الصريح بكل أنواع الأسلحة بما فيها المحرّمة دولياً، مثل الأسلحة الكيماوية والقنابل العنقودية وغيرها من وسائل التدمير الشامل.
السعوديون الذين أعادوا علاقاتهم مع دولة ملالي طهران، لا أحد يقف بوجه هذه الخطوة، ولكن إعادة هذه العلاقات على مبدأ مقايضة (خطوة مقابل خطوة)، أي خطوة تهدئة إيرانية في اليمن، مقابل خطوة تقارب سعودية مع نظام الأسد، فهذا مرفوض لدى الشعب السوري وقوى ثورته ومعارضته، لأنها خطوة تتم على حساب الدم السوري، وعلى حساب الموقف العربي السعودي الذي يرفض عدوان أي حكومة على شعبها.
إذاً هناك خطوتان فاشلتان تنهض بهما المملكة العربية السعودية، مبادرتها العربية، والتي كان من الأفضل أن تكافح مع القوى الصديقة للشعب السوري من أجل إنفاذ القرار 2254. والخطوة الفاشلة الثانية، هي مبدأ أنها تتغافل عن البنية السياسية لنظام طهران، وهذا سيجعلها في المستقبل هدفاً إيرانياً بعد ارتياح الأخيرة من معالجة ملفاتها مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
ولتصحيح هذا الفشل السعودي في محاولتها تأهيل النظام عربياً، ينبغي على قادة المملكة العربية السعودية إعادة إنتاج رؤيتها الوطنية بعيداً عن استخدام أوراق غير سعودية في تفاهماتها الإقليمية.
لقد أبدت هيئة التفاوض السورية التي تجاهلها عن قصد السعوديون رفضها أي حلٍ سياسي للصراع في سورية خارج التنفيذ الكامل للقرارات الدولية، فالسعوديون، الذين رفضوا حتى اللحظة، أن تمارس هيئة التفاوض السورية عملها في مكاتبها في المملكة، كان يقف خلف هذا الموقف أنها لم تستطع فرض ما يسمّى (المستقلون)، الذين اختارتهم وعقدت لهم مؤتمراً على أراضيها، لتعديل بنية هيئة التفاوض بما يتناسب مع سياساتها.
السعوديون مطالبون بتصحيح موقفهم لأنه لا يخدم علاقات الشعب السعودي مع الشعب السوري.
فهل يعدّل السعوديون نظرتهم وموقفهم من النظام؟ أم أنهم سيدفعون ثمن القفز فوق الموقف الأمريكي من نظام أسد وحلفه الروسي الإيراني؟
أيام على القمّة العربية، ويظهر الخيط الأبيض من الأسود.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت