استهلاك ومصدر رزق..”محطّات الغزاوية” ملجأ سكان إدلب هرباً من الغلاء
“أحياناً تبدو الأمور مقلقة، حين ألحظ تشديد على تفتيش السيارات في معبر “الغزاوية”، وأعتقد أنّ مهمّة اليوم ستكون صعبة”، يقول محمد القاطن في مدينة إدلب، ويردف: “لا أطمع في تجارة الوقود أو الربح فيه، أهرب فقط من غلاء الأسعار هنا في إدلب”.
تبدأ رحلة محمد من مدينة إدلب، مكان إقامته، ويعبر طريق باب الهوى ـ إدلب، حتى الوصول إلى مفرق مدينة الدانا شمالي المحافظة، قاصداً دارة عزّة غربي حلب، حيث تنتهي حدودها الإدارية عند معبر “الغزاوية” الخاضع لـ”هيئة تحرير الشام”.
يوضح محمد، لـ”السورية.نت”: “نهاية كل أسبوع أقصد منطقة الغزاوية، وهي قرية تابعة لريف مدينة عفرين شمالي غربي حلب، الخاضع لسيطرة “الجيش الوطني”، بهدف “تفليل سيارتي ـ تعبئتها ـ كاملاً بالمازوت المعالج نوع أول، وأعتقد أنّ كل من أصدفهم في طريقي إلى هناك يتشاركون معي ذات الهدف”.
باتت محطّات بيع الوقود في الطريق الممتد من جنوبي القرية إلى شمالها، ملجأ سكان محافظة إدلب والمنطقة الخاضعة لإدارة “حكومة الإنقاذ السورية”، ومن خلفها “تحرير الشام”، إذ تقل قيمة ليتر المازوت في تلك المحطات، بنصف قيمة المازوت الأوروبي المتوفّر في إدلب.
“لا أقصد التجارة”
يضيف محمد (فضل عدم الكشف عن اسمه كاملاً)، لـ”السورية. نت”: “رغم أنّ مسافة الطريق من مكان إقامتي حتى الغزاوية تتجاوز الـ 40 كيلو متراً، لكن تبدو فرق الأسعار مغرية لي حتى أخوض هذه الرحلة، رغم حرجها أحياناً فيما لو قرر مفتّش المعبر إيقافي ومخالفتي”.
ويقول: “تكلفني تعبئة خزان سيارتي من طراز “سنتافيه” حوالي 35 دولاراً أمريكياً، في حين بإدلب تقترب من الـ 70 دولاراً”، ويردف: “لاحظ أنّ التكلفة الضعف أي بهذه القيمة، أفلل السيارة مرتين، فأنا لا أقصد المتاجرة بالمازوت، سوى التوفير”.
وتبيع محطّات الوقود في قرية “الغزاوية”، سعر ليتر المازوت بحوالي 10 ليرات تركية،، وهو مازوت معالج كهربائياً نوع أول، في حين تسجل أسعار المازوت الأخرى مثل “الزهرة والقرحة” أسعاراً أقل.
أحمد، وهو طالب في جامعة “حلب في المناطق المحررة”، يستنح الفرصة في يوم دوامه الوحيد في مدينة اعزاز، لتعبئة سيارته من هذه المحطّات، معتبراً أنّ “فرق التكلفة بين المنطقتين هو أحقّ بها”.
ويضيف لـ”السورية.نت”: “بطبيعة الأحوال، أنزل في سيارتي ـ طراز سبورتاج ـ للجامعة، فأجد فرصة جيدة لتوفير فرق التكلفة بين المازوت الأوروبي في إدلب، والمعالج في ريف حلب”.
ويتوفر في إدلب وريفها، مازوت أوروبي (مستورد)، وآخر “محسّن”، في حين يحظر دخول “المازوت السوري” إلى إدلب.
فرق أسعار وتنوّع في الأصناف
يوضح حسام، العامل في إحدى محطّات “الغزاوية”، أنّ “المازوت المعالج كهربائياً، نوع “أول”، يضاهي في جودته، المازوت الأوروبي في إدلب، رغم فارق السعر الشاسع.. كما أنّ أحدث السيارات تعتمد عليه، دون أن يسبب أعطالاً تُذكر”.
ويضيف في حديثٍ لـ”السورية. نت”، أنّ “عملية المعالجة للمواد الخام، تجري محلياً في منطقة ريف حلب، بعد وصولها إلى المنطقة من مناطق سيطرة “قسد”، وهو أحد أبرز أسباب فارق السعر الكبير بين مازوت المنطقتين، ريف حلب وإدلب”.
وتعتمد إدلب، بشكل رئيسي على “المازوت الأوروبي” القادم عبر الأراضي التركية، فيما تمنع “هيئة تحرير الشام”، دخول المازوت “السوري” إلى مناطق سيطرتها.
وفي هذا السياق، يشير حسام إلى أنّ “سوق المحروقات في شمالي حلب، علاوةً على انخفاض أسعارها بمقارنةً بإدلب، إلا أنها أيضاً توفّر أنواع مختلفة من المازوت، منها “القرحة والزهرة والعسلي”، التي لا تتجاوز أسعارها الـ 9 ليرات تركية لليتر الواحد.
ويعتبر أنّ “هذا التنوّع في أنواع المازوت، يتيح للأهالي استهلال أنواع أخرى، أقل ثمناً، بأغراض التدفئة أو حتى لسيارات قديمة”.
“مصدر رزق”
ويساهم تفاوت الأسعار الكبير بين المنطقتين، في تنشيط “تهريب” المازوت إلى إدلب، إذ تحوّل إلى مصدر رزق لكثيرين عاطلين عن العمل، ممن يقطنون في مخيمات النازحين شمالي إدلب.
أبو فادي، (اسم مستعار بناءً على رغبته)، يخرج صباحاً بسيارته الخاصة من منطقة “صلوة” شمالي إدلب، نحو معبر “الغزاوية ـ دارة عزة”، ليصل إلى محطّة لبيع الوقود في المنطقة.
يقول أبو فادي لـ”السورية. نت”، إنّ “عملية نقل المازوت إلى إدلب، وبيعها بسعر أفضل بقليل، ممكن أن تأمن لي دخلاً جيداً، بعد أن تعذّر إيجاد فرصة عمل مناسبة بعد التهجير”.
لكن يوضح أنّ مخالفة واحدة من المعبر الخاضعة لإدارة “هيئة تحرير الشام”، كفيل أن يفقده كل ما جناه من عملية نقل المازوت.
ويقدّر ذات المتحدث المخالفة، من 200 إلى 400 ليرة تركية، بحسب الكمية المضبوطة، في خزّان السيارة.
يحالف حتى اليوم أبو فادي، الحظّ، إذ لم يتلقّ أية مخالفة من المعبر، وهو المداوم على “نقلتَين اثنتين” مياومةً، بحسب ما يقول.
وعلى خلاف أبو فادي، الذي يجني حوالي 30 دولاراً أمريكياً في نقل ما يعادل برميلاً واحداً من المازوت، تعثّر أبو علي المقيم في مدينة دارة عزّة غربي حلب، في عدة عمليات نقل بـ”مخالفات” من المعبر.
وأبو علي، المهجّر من ريف حمص، اشترى سيارةً بـ”التقسيط” للعمل على خطّ نقل المازوت، يقول لـ”السورية. نت”: “تخالفت عدة مخالفات على المعبر بمبالغ مالية كبيرة.. لم أختر هذا العمل إلا بسبب الحاجة لتأمين مصدر رزق لـ 7 أطفال”.
وكانت سيدة فارقت الحياة، في فبراير/شباط من العام الجاري، بعد تعرّضها لإطلاق نار من عناصر “هيئة تحرير الشام” خلال نقلها المازوت قرب معبر “ديربلوط” شمالي بلدة أطمة بريف إدلب.
ويتساءل محمد خلال طريق عودته من “الغزاوية”، حول موانع دخول “المازوت السوري”، إلى إدلب، ما يوفّر عليه عناء السفر مرةً كل أسبوع إلى ريف حلب، كما يوفّر على الأهالي غلاء “المازوت الأوروبي”.
وتحتكر “هيئة تحرير الشام” وحكومة “الإنقاذ”، عبر شركة “وتد”، استيراد المازوت والبنزين الأوربيين، وتوزيعهم على المحطّات المحليّة في المناطق الخاضعة لسيطرتهما.