لم يكن السجال الإعلامي وحرب البيانات الأخيرة بين نظام الأسد والأردن قبل أيام، إلا صدى لنبرة “الاستياء” السياسية والإعلامية الأردنية، التي تصاعدت في الآونة الأخيرة، مع ازدياد عمليات تهريب المخدرات من الأراضي السورية.
ويعطي توتر العلاقات بين الطرفين مؤشراً على انتهاء “فصل التقارب”، والانتقال من مرحلة “الاستياء” و”العتب السياسي” إلى مرحلة أكثر حدة وتوتراً، قد تستمر وتؤدي إلى تغيير، ودخول أطراف جديدة على ساحة المشهد بالجنوب السوري، وفق محللين سياسيين أردنيين وسوريين.
الوضع الحالي جاء بعد نفاذ صبر الأردن في مواجهة عمليات تهريب المخدرات في ظل صمت الطرف المقابل، إذ لم تنجح جهوده الدبلوماسية لإيقافها ما دفعه للانتقال إلى خطوات أكثر حزماً وتوجيه ضربات عسكرية داخل سورية.
رد متأخر بعد صمت
منذ مايو/ أيار 2023، شهدت قرى وبلدات في السويداء ودرعا جنوب سورية، خمس غارات جوية من الطيران الأردني، حسب تقارير إعلامية، أدت إلى مقتل وإصابة العديد من الأشخاص بينهم رجال ونساء.
وفي ظل عدم تأكيد رسمي أردني بشأن الضربات، قالت تقارير إعلامية ومحللون أردنيون إنها تستهدف مهربي المخدرات.
وآخر هذه الضربات، كان الأسبوع الماضي، واستهدفت بلدتي عرمان وملح في ريف السويداء الجنوبي، راح ضحيتها عشرة أشخاص من عائلتين، بينهم أطفال ونساء، حسب ما ذكرت شبكة “السويداء 24″.
وفي ظل التزام نظام الأسد الصمت عن الغارات السابقة، أعربت خارجيته، الثلاثاء الماضي، عن “أسفها الشديد” بتوجيه عمان ضربات جوية داخل الأراضي السورية، ما أدى إلى مقتل عدد من المدنيين.
واعتبرت الخارجية في بيانها أن العمليات العسكرية الأردنية “لا مبرر لها”، كما أن التصعيد الأردني، السياسي والإعلامي والعسكري، خلال الأشهر الماضية “لا ينسجم إطلاقاً مع ما تم الاتفاق عليه بين اللجان المشتركة من الجانبين حول التعاون”.
وبينما أشار البيان إلى تقديم النظام “مقترحات إلى الأردن للقيام بخطوات عملية من أجل ضبط الحدود”، أكد أن عمان تجاهلت المقترحات ولم يتلق أي استجابة من الجانب الأردني.
وذكّر النظام الأردن بمسؤوليته وراء إدخال الأسلحة من الحدود والمقاتلين إلى سورية منذ سنة 2011.
ولم يختلف بيان الخارجية عن تصريحات رئيس النظام، بشار الأسد، في أغسطس/ آب الماضي، عندما حمل، في مقابلة مع “سكاي نيوز”، مسؤولية تجارة المخدرات إلى “الدول التي ساهمت في خلق الفوضى في سورية”.
الرد الأردني جاء سريعاً، عبر بيان لوزارة الخارجية، أكد فيه أن النظام السوري لم يتخذ “أي إجراء حقيقي لتحييد خطر تهريب المخدرات”.
كما رفض البيان الأردني “أي إيحاءات بأن الحدود الأردنية كانت يوماً مصدرا لتهديد أمن سورية أو معبرا للإرهابيين”.
ولم يقتصر التصعيد رسمياً عبر بيانات خارجية الطرفين، بل انعكس على وسائل الإعلام وشخصيات سياسية، إذ شنت صحيفة “الوطن” شبه الرسمية، هجوماً على الأردن، اتهمت فيه عمان بالتآمر، خلال السنوات الماضية، مع الولايات المتحدة الأمريكية وعدم فصائل المعارضة في الجنوب.
وقالت إن “تجار المخدرات لا يعملون بمفردهم بل مع شركاء أردنيين، وربما من الأفضل للأردن البحث عنهم داخل حدوده وإلقاء القبض عليهم”.
هل انتهى زمن التقارب؟
على مدى الأشهر الماضية، تحسنت العلاقات بين الطرفين، بعد اضطلاع الأردن بدور الراعي للمبادرة العربية، التي بموجبها عاد النظام إلى الجامعة العربية وطبع علاقته مع السعودية.
ومن ضمن بنود المبادرة، كانت مكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود، إلا أن الواقع على الأرض كان مخالفاً، حيث زادت العمليات وتطورت إلى اشتباكات وتهريب أسلحة.
لكن للبيانات الأخيرة بين الطرفين، دلالة على أن “العلاقات بينهما وصلت إلى تدهور كبير، وهو الأكثر خطورة منذ التطبيع” حسب ما قاله باحث الفلسفة السياسية في جامعة باريس، رامي الخليفة العلي.
وقال العلي لـ”السورية.نت”، إن الأردن يعتبر النظام غير قادر على الوفاء بتعهداته وإيقاف تهريب المخدرات، وبسط سيطرته الأمنية والعسكرية على الجنوب، مما اضطره للقيام بمهمات عسكرية وأمنية، ازدادت خلال الفترة الماضية.
ويعتبر العلي أن البيانات الصادرة من كلا الطرفين دلالة على “غياب أي تنسيق” بينهما، إضافة إلى الوصول إلى حالة “فقدان الثقة”.
ويؤكد الخبير الأمني والاستراتيجي الأردني، عمر الرداد، على فكرة عدم وجود تنسيق بين نظام الأسد والأردن على المستوى العسكري والأمني بخصوص الضربات الجوية.
وقال الرداد لـ”السورية.نت”، إن لهجة بيان النظام “مستغربة”، ومن “الواضح أن القيادة السورية بصدد شن حملة إعلامية ضد الأردن، عبرت عنها تسريبات لصحف قريبة من النظام وتعكس وجهات نظره”.
وأضاف أن ما قالته صحيفة “الوطن”، يؤكد “مجدداً أن أوساطاً في القيادة السورية ما زالت أسيرة الماضي، وتنتهج مقاربات تصدير الأزمات وتحميل الآخرين مسؤولية ما يجري في سورية”.
في المقابل يرى أستاذ العلوم السياسية الأردني، إياد المجالي، أن بيان الحكومة الأردنية يحمل “دلالات اللوم وتحميل السلطة السياسية في سورية، مسؤولية عدم اتخاذ أي اجراء لتحييد الخطر” على الحدود الأردنية.
أما النظام فيحاول من خلال بيانه التأكيد على أن الغارات الأردنية داخل الأراضي السورية “غير مبررة”، ويحاول “احتواء حالة التوتر القائمة، والسعي لئلا يكون لهذا العمليات تأثير على استمرار العلاقات الأخوية بين البلدين”.
وأرجع سبب الوصول للوضع الحالية، إلى “واقع تترجمه جملة من الحقائق التي باتت شاخصة في العلاقات الدولية بين دمشق وعمان، وأبرزها التطورات والمتغيرات الجيوسياسية الأمنية على الحدود، وممثلة بالانفلات الأمني أمام ميلشيات وعصابات تهريب المخدرات والسلاح”.
من جانبه اعتبر السفير الأردني الأسبق في إيران، بسام العموش، أن تحريك النظام السوري ضد الأردن كان بـ “أوامر من إيران التي تريد استغلال أي فرصة وثغرة للنيل من الأردن”.
تصريحات سبقت البيانات
في يوليو/ تموز العام الماضي، وخلال زيارته إلى دمشق، أكد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، أن “بلاده لن تتردد في اتخاذ إجراءات ضد أي تهديد لأمنها القومي”.
ومع تأكيد العاهل الأردني، عبد الله الثاني، بأن الأسد “لا يتمتع بالسيطرة الكاملة على بلاده، حسب ما قاله خلال قمة الشرق الأوسط العالمية في مدينة نيويورك، في سبتمبر/ أيلول الماضي، بات الأردن كما يبدو، على قناعة بأن النظام السوري فقد العديد من أوراقه الأمنية والعسكرية، وأن عمليات التهريب باتت تتجاوز النظام إلى ما هو أبعد من ذلك، بوجود إيران التي تعتبر “اللاعب الأبرز ” في سورية، حسب الخليفة العلي.
وخلال الأسابيع الأخيرة، بدأ الإعلام الأردني بالحديث عن ضرورة البحث عن بدائل لحماية الحدود، منها إقامة منطقة عازلة بين الأردن وسورية رغم كلفتها المالية الكبيرة.
كما اقترح الوزير الأردني السابق، محمد أبو رمان، عودة الأردن إلى “نظرية الوسادات العسكرية”، التي تعني “إعادة إنتاج جماعات مسلّحة في جنوب سورية تدافع عن الحدود الأردنية”.
واعتبر أن هذه الاستراتيجية ستمكن “من تخفيف الضغط على الحدود الشمالية ونقل التحدّي إلى الداخل السوري”.
وخلال اليومين الماضيين، برزت تطورات على ساحة الجنوب السوري، الأول إبداء “حركة الكرامة” في السويداء، وهي أكبر فصيل موجود في المحافظة، استعدادها للتعاون مع الأردن والتنسيق معه لمكافحة تهريب المخدرات.
أما التطور الثاني فكان تأكيد قائد “جيش سوريا الحرة” فريد القاسم، المدعوم أمريكياً في قاعدة التنف الحدودية، بوجود تنسيق مع الأردن لمكافحة تهريب المخدرات.
وفي ضوء ما سبق، وما تضمنه بيان خارجية نظام الأسد، يبدو أن النظام فهم “التحركات الأردنية حول وجود تنسيق مع أطراف معارضة له ومدعومة أمريكياً”، حسب ما أكده الخليفة العلي.
ويشير العلي إلى أن وجهة نظر النظام، ترى أن المسألة لم تعد مرتبطة بتهريب المخدرات أو تهديد الأمن القومي الأردني، وإنما “تتجاوز إلى ترتيبات على الأرض تشمل أطرافاً معارضة”.
وتوقع العلي تعاون أردني- أمريكي خلال الفترة القادمة، خاصة أن واشنطن ملتزمة بتأمين الدعم اللوجستي والاستخباراتي والعسكري لعمان، بعد القانون الذي أقره الكونغرس وعرف “قانون الكبتاغون”.
من جانبه اعتبر أستاذ العلوم السياسية، إياد المجالي، أن بيان نظام الأسد “جاء محاولة لاحتواء الإجراءات الإقليمية، وبنفس الوقت يَعد أنه سيقوم باتخاذ الإجراءات، واعتقد أن عمان تنتظر هذه الإجراءات بفارغ الصبر”.
من جانبه ألمح المبعوث الروسي الخاص إلى سورية، ألكسندر لافرينتيف، إلى وجود مخطط للولايات المتحدة الأمريكية في جنوبي سورية وخاصة القنيطرة، قائلاً إن “هناك معلومات حول خطط للأمريكيين لتشكيل شبه دولة في جنوب سورية، وبالدرجة الأولى في محافظة القنيطرة”.
وأضاف، في مقابلة مع قناة “روسيا اليوم”، الخميس الماضي، أن الأردنيين أكدوا أن المخطط الأمريكي “يشكل تهديداً للمصلحة القومية للملكة”.
ضبابية المستقبل
وحول مستقبل العلاقات بين عمان ودمشق، توقع الخليفة العلي استمرار “وتيرة التوتر” على حالها، مستبعداً مزيداً من التصعيد من جانب الطرفين، كما استبعد عودة الهدوء إلى الحدود الأردنية، كون تجارة المخدرات أصبحت حاضرة بقوة في تطور المشهد السوري، وعدم تخلي ميليشيات النظام وإيران عنها.
أما المجالي فاعتبر أن “مستقبل العلاقات يرتبط بشكل عميق في استجابة دمشق وبذل جهود حقيقة لمنع خطر الميليشيات وعمليات التهريب وخاصة الأسلحة والمخدرات عبر الحدود”.
من جانبه يرى السفير الأردني الأسبق في إيران، بسام العموش، أن الأردن سيعمد للاتصال بالنظام السوري “لإيضاح ما يجري”، وليؤكد على “مطلبه في ضبط الحدود، وعلى أقل تقدير ليمنع الأردن أي تطور سلبي في العلاقة بين الطرفين بتأثير رأس الأفعى إيران”.
أما الخبير الأمني والاستراتيجي الأردني، عمر الرداد، فقد أكد أنه “من غير الواضح مستقبل السيناريوهات القادمة حول المواجهة بين الجيش الأردني والمليشيات في الجنوب السوري”.
لكنه أشار إلى “أن الأوضاع لا تسير باتجاه التهدئة مستقبلاً، وهو ما يبدو أن الأردن مستعد له عبر تمكين أجهزته الأمنية وقواته المسلحة على الحدود”.
كما توقع أن يتم التعامل مع بيان النظام من قبل دول عربية أخرى، حاول الأردن إقناعها لإمكانية التعاطي مع النظام، “فيما سترى الأوساط التي عارضت التقارب العربي مع سورية، في هذا البيان دليلاً على صوابية مواقفها من النظام السوري”.