كان لافتاً أن تأتي زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، ومسؤولين إيرانيين آخرين، إلى دمشق، بعد أيام على زيارة بشار الأسد الإمارات، وأن يؤكد وزير خارجية النظام في سورية فيصل المقداد، لدى استقبال نظيره الإيراني، أن “العلاقات الإيرانية السورية تمرّ بأفضل الظروف”، وعلى وقوف النظام “في خندق واحد” مع إيران، التي شددّ على أنها “تدعم سورية قيادة وحكومة وشعباً”.
وإذا كانت زيارة الأسد دبي وأبوظبي، والتي جرت من خلال شحنه بطائرة إماراتية، قد توجت المسار الذي بدأته الإمارات منذ سنوات لاحتضان الأسد، وإعادة تأهيله وتعويمه عربياً، فإن زيارة الوفد الإيراني جاءت كي تؤكد أن الحضن الإماراتي ليس نهائياً بالنسبة إلى الأسد، وأن حضن إيران أكثر دفئاً واطمئناناً بالنسبة إليه، وهذا لا ينفي أن نظام الأسد أراد اختبار هامش المناورة الممكن له، نظراً إلى حساباته السياسية والاقتصادية، وأنه أراد أن يوحي بأن اتباعه خطوة تكتيكية نحو الحضن الإماراتي، والعربي بشكل عام، لا يغيّر في استراتيجيته، كونها لن تفضي إلى تخليه عن علاقاته التاريخية مع نظام الملالي الإيراني، الذي دفع كثيراً من أجل تثبيت الأسد في السلطة وإبقائه جاثماً على صدور السوريين.
على هذا الأساس، يمكن اعتبار زيارة الوفد الإيراني دمشق بمثابة ردّ سريع على ما حاول ساسة الإمارات تسويقه، أن استقبالهم واحتضانهم الأسد يأتيان في إطار “توجّه الإمارات الرامي إلى تكريس الدور العربي في الملف السوري”، بما يعني منافسة الحضور الإيراني الطاغي والمؤثر فيه، والتي تجري من خلال “انتهاج سياسة واقعية تجاه خفض التوترات، وتعزيز الدور العربي في مقاربة عملية لإيجاد حلول لأزمات المنطقة”، ذلك أن ممكنات منافسة الحضور الإيراني لا تصمد أمام التحالف الاستراتيجي بين إيران ونظام الأسد، والتي ترجع إلى عدة عقود، وأفضت إلى تغلل إيران في مختلف مفاصل النظام وأجهزته الأمنية والعسكرية، وحتى في المجتمع. أما التذرّع بتوسيع مجالات التعاون الاقتصادي والتبادلات التجارية مع نظام الأسد في مختلف المجالات، فإنه سيصطدم بالعقوبات الغربية، وخصوصا قانون قيصر في الولايات المتحدة، والذي يهدد بفرض عقوبات على أي جهةٍ تتعاون اقتصادياً مع نظام الأسد، وبالتالي، لا فائدة اقتصادية ستجنيها الإمارات من تطبيعها مع نظام الأسد، كما أنها لن تستطيع أن تقدّم للنظام الأسدي الكثير من المساعدات، وأقصى ما يمكنها تقديمه قد لا يتعدّى تأمين كميات متواضعة من القمح وسواه من المواد الأساسية من الأسواق المجاورة، عوضاً عن روسيا التي مُنعت من تصدير القمح بعد غزوها أوكرانيا. وبالتالي، لن تستطيع الإمارات تلبية ما يطمح إليه نظام الأسد من عودة استثماراتها إلى تنفيذ مشاريع جديدة وإحياء المشاريع التي توقفت بعد اندلاع الثورة السورية.
ويعتبر نظام الأسد أن نتائج الزيارة إلى الإمارات، ومؤشرات اقتراب التوقيع على اتفاق العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، تصبّ في مصلحة تعزيز العلاقة بين النظامين الإيراني والسوري، لأنهما سيكونان في موقف أفضل مما كانا عليه، على المستويين الإقليمي والعالمي، مع التأكيد على أن عودة النظام إلى علاقاته العربية واسترجاع مقعده في جامعة الدول العربية، مطلب مهم بالنسبة إلى نظام الأسد، وأن النظام الإيراني يدفع هذا الاتجاه ويشجعه، بشرط ألا يكون على حساب نفوذه وتغلغله في سورية.
ولعل التساؤلات عن الحيثيات التي دفعت الإمارات إلى استقبالها الأسد قد تجد بعض متحققها في سياق إدخال نظام الأسد إلى مسار اتفاقيات أبراهام التطبيعية، وفي الدور الذي تتطلع الإمارات إلى القيام به في منطقة الشرق الأوسط، وسعيها إلى الإسهام في صناعة القرار فيها بوصفها قوة قائدة، خصوصا في الإقليم العربي وجواره، لذلك تحاول القيام بهذا الدور القيادي، سواء بواسطة القوة الناعمة على المستويين السياسي والدبلوماسي، أم على مستوى القوى الخشنة التي يجسدها دعمها القوى العسكرية والمليشيات في كل من اليمن وليبيا والصومال وجيبوتي وسواها.
ولا تخفي إيران تطلعها إلى القيام بدور إقليمي مهيمن في المنطقة، وهي صاحبة مشروع هيمنة توسّعي فيها، وبنت من أجل تحقيقه شبكة كبيرة، ذات أذرع أخطبوطيه مليشياوية في كل من العراق وسورية ولبنان واليمن. ويشكل نظام الأسد أحد الأركان الأساسية في المشروع الإيراني. لذلك من الصعوبة بمكان الاعتقاد بإمكانية ابتعاد نظام الأسد عن الحضن الإيراني لصالح الحضن الإماراتي، خصوصا أن إيران تراهن على العودة إلى الاتفاق النووي، ومن أجل زيادة قدرتها على التحرّك بمساحة واسعة بعد رفع العقوبات الأميركية عنها، وأن تمتلك قدراتٍ اقتصاديةً تمكّنها من الاستثمار بما أسست له في سورية، وصرفت عليه كثيراً. لذلك أقصى ما يمكن أن يفعله نظام الأسد هو مجرّد التفكير بالتخفيف من الارتماء في الحضن الإيراني كإجراء تكتيكي من أجل فك العزلة المفروضة عليه إقليمياً ودولياً، إضافة إلى تطلّعه للاستفادة من الأموال التي أودعها أفراد من عائلة الأسد وحاشيته في بنوك الإمارات، ومن الغاز المصري القادم عبر الأردن.
ربما أراد ساسة الإمارات من احتضان الأسد توجيه رسائل دعم للنظام وداعميه الروس والإيرانيين، في وقت تنشغل الولايات المتحدة بتداعيات مواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا، وفي ظل تراجع دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ومحاولة بعض دول المنطقة إعادة تموضعها الجيوسياسي، وخصوصا التي لم تأخذ موقفاً ضد غزو أوكرانيا. لذلك ليس مستبعداً أن تحضر زيارة الأسد الإمارات على طاولة الاجتماع الثلاثي في شرم الشيخ، الذي جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وذلك ضمن محاولة استجرار الدعم الإسرائيلي المصري للخطوة الإماراتية، وتجييرها في سياق توحيد المساعي لإعادة تموضع جديد لدول المنطقة، وبناء تفاهماتٍ تهدف إلى مواجهة النفوذ المتزايد لإيران في المنطقة، خصوصا أن إسرائيل تعدّ ابتعاد الأسد عن الحضن الإيراني لصالح الحضن الإماراتي يخدم هدفها في إضعاف الوجود الإيراني في سورية.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت