في خطاب النصر بالانتخابات الرئاسية الذي وجهه مساء يوم الجمعة الماضي، أطلق الرئيس بشار الاسد سيلاً من الشتائم والتهديدات لمعارضيه السوريين وغير السوريين، يوحي بأنه كان عائداً من غرفة عمليات إحدى الجبهات العسكرية، بعدما نفذ هجوماً ناجحاً، ولم يكن خارجاً من قاعة إجتماعات سياسية، أدار من خلالها عملية إنتخابية معقدة إنتهت بالفوز على منافسيَن إنتحاريَين، وعلى خصوم لا تعوزهم الرغبة بالانتحار!
الحكم على ذلك الخطاب أو بالاحرى على مزاج الاسد الذي ألقاه، محيّر فعلاً. لم يكن من خطاباً إحتفالياً بالفوز يشبه الخطابات التقليدية التي يوجهها أي فائز بالانتخابات، فيشكر الناخبين الذين صوتوا له، ويتعهد لهم بتحقيق وعوده الانتخابية، ثم ينتقل على الفور الى التوكيد على أنه لن يكون رئيساً لأنصاره ومؤيديه فقط، بل أصبح، بعد إعلان النتائج، رئيساً لجميع أبناء الشعب، ويمد يد المصالحة والوحدة، ويوجه الدعوة الى العمل معاً من أجل إعادة بناء البلد..
لم يكن خطاباً للسلم، ولا للجنوح نحوه. كان بمثابة إعلان حرب. ينقض الموقف الرسمي السابق للانتخابات والممهد لها والذي صيغ على أساس أن صفحة الحرب طويت تماماً. ترك الاسد الانطباع بأن الحرب التي مضت عليها عشر سنوات، وما زالت آثارها ظاهرة على جميع السوريين من دون إستثناء، بدأت للتو، أو هي على الاقل تدخل في طور جديد، في مواجهة “الخونة، والمرتزقة، والثيران..”، بحيث بدا وكأنه كان يحرض أنصاره ضمناً على التأهب لمعركة جديدة تهدف تصفية تلك الفئة من السوريين، مهما كان عددهم.
وهو بهذا المعنى خطاب تجديد الحرب، وليس طي صفحتها أو التعهد بوقفها، والتمهيد لإسكات لغة السلاح. وهو ليس غريباً عن جميع الخطابات التي وجهها الاسد على مدى السنوات العشر الماضية، والتي ترجمها أنصاره الى شعارات وهتافات حاملة لفكرة الابادة الجماعية للمعارضين على إختلافهم.. والتي كانت على الدوام تثير الذهول لإفتقارها الى أدنى حس بالمسؤولية عن الحرب، وبالرغبة الصادقة في إنهائها.
لعله أسلوب الاسد الخاص في التعبير عن الفرح ب”النصر”، وطريقته في التخاطب مع جمهوره، كما مع خصومه. وما يبدو أنه زلة لسان، قد يكون مجرد لغة سورية عادية، مكررة، تهدف الى تحفيز الأنصار وترهيب الاعداء.. وما يبدو أنه إلتزام صارم بتقاليد الخطابة الجماهيرية القديمة، التي كانت تختتم عادة بتوزيع السلاح على المستمعين، قد يكون مجرد مخطط لتوجيه المسؤولية عن الأزمة الكبرى التي تعيشها سوريا على جميع المستويات، الى “الثيران” المعارضين ومن لفّ لفّهم.
لكن صدى الخطاب في الداخل السوري، لم يكن على هذا القدر من التوتر. ثمة من دعا، صادقاً، الى ترقب خطاب القسم الذي سيوجهه الاسد في قاعة البرلمان السوري، على الرغم من التجارب السابقة لا تبشر.. ففيه الوعد الصادق، بالسلم والصلح، أو على الأقل إكمال المصارعة، ولكن بروح رياضية، مع “الثيران”. وثمة من دعا الاستعداد لعشر سنوات عجاف، لا تقتصر المعارك فيها على العلف.
أما في الخارج السوري، فإن قراءة خطاب النصر، لم تتوصل حتى الآن الى تقدير دقيق لما إذا كان التطبيع مع الاسد ونظامه، سيمضي قدماً، كما شاع قبل الانتخابات، في بعض العواصم العربية والاجنبية، التي كانت تترقب النتائج على أحر من الجمر، أم أن الرعب، أو حتى الحذر الذي أشاعه ذلك الخطاب سيصل الى تلك العواصم، ويعيدها الى جادة اليأس من إمكان التعامل مع ذلك النظام وفرص إصلاحه، أو كبح جموحه نحو تقديم نفسه كجبهة أمامية، روسية وإيرانية، في مواجهة الغرب، الذي لا يريد أصلاً، القتال في سوريا.
ما زال الوقت مبكراً لإصدار مثل هذا الحكم، ولا يمكن الاعتماد فقط على برقيات التهنئة التي وصلت الى دمشق، أو تلك التي كان الاسد يتوقعها، ولم تصل بعد. الوفود يمكن أن تتقاطر، في الموعد الذي يحدده الدستور السوري!
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت