شحنت روسيا الأسد مجدداً إلى موسكو حيث ظهر فجأة في لقاء مع الرئيس الروسي بوتين، ردد الأسد الكلمات ذاتها حول “الإرهابيين” وفشل “العملية السياسية” التي تعمد إفشالها، بينما ردد بوتين من جهته العبارات ذاتها بأن التدخل الروسي “مشروع” في قتل المدنيين بينما هو محرم على الآخرين لأنهم لا يستهدفون المدنيين.
منذ اللحظة الأولى لاستخدام روسيا حق النقض الفيتو للمرة الأولى بالتعاون مع الصين لمنع إقرار مقترح غربي يدين الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سوريا ويهدد إجراءات ضد حكومة بشار الأسد. وذلك في تشرين الأول 2011 أي بعد ستة أشهر من بدء الثورة السورية وإلى اليوم ما زالت تستخدم الفيتو لحمايته ضد أية إدانة دولية في مجلس الأمن حتى بلغ عدد المرات التي استخدمت فيها روسيا الفيتو في الأزمة السورية 16 مرة.
أي منذ ذلك التاريخ والسوريون يحاولون التكهن لفهم حقيقة النوايا الروسية وسياساتها في سوريا وهو ما مثل أحد أهم المعضلات ليس للسوريين فحسب وإنما للخبراء الدوليين، فالنظام الروسي هو نظام أوتوقراطي يشكل الرئيس الروسي بوتين عصبه الأول والأخير، ولذلك ازدادت التكهنات والتوقعات من حقيقة الموقف الروسي والأهم المخاوف من أية مبادرة روسية.
والأمر ذاته يعود عندما قررت موسكو التدخل عسكريا في الأزمة السورية في أيلول 2015 لصالح النظام السوري، لم يكن واضحاً الهدف الروسي من هذا التدخل العسكري الذي ربما كان سيقود إلى صدام عسكري روسي – أميركي على الأرض السورية، لكن بعد سنوات ها نحن نرى الطرف الأميركي ينسحب تماماً سياسياً وربما عسكرياً قريباً وتتحول روسيا لضامن سياسي ووكيل كامل الصلاحيات للنظام السوري.
استخدمت روسيا قوة عسكرية نارية لا مثيل لها في الغوطة الشرقية أدت إلى تدمير كامل لحساب سيطرة الأسد وإيران، ثم تكرر السيناريو ذاته في الغوطة الشرقية ثم القلمون ثم درعا، فإنه من الغباء المطلق القول إن النوايا الروسية لم تعد واضحة وصريحة، إنها تكرار للنموذج الشيشاني في سوريا مهما كانت التكلفة فروسيا تستقوي اليوم بالغياب الأميركي الكامل وانعدام أية سياسة عربية تجاه القضية السورية.
ظهرت الرغبة الروسية في جني أرباح تدخلها في سوريا، إذ ليس هناك أرقام روسية رسمية عن التكلفة البشرية في سوريا أو حتى التكلفة المادية، ولكن ما يهم هو العقود الروسية في سوريا من الغاز إلى مرفأ طرطوس إلى الشركات الاستثمارية في الساحل السوري، فضلا عن العقود لمئة عام والتي تعكس أشبه بما يسمى Land grabbing ولذلك ترغب روسيا الآن بالحصول على بعض العائدات مع الأيام الصعبة التي يعيشها الاقتصاد الروسي بسبب العقوبات الغربية، وربما سيحصل بوتين على تنازلات جديدة من الأسد بعد هذه الزيارة التي من الصعب وصفها بأنها رسمية، فلا حضور للعلم السوري أو لأي من المراسم في الاستقبال والصورة.
ما زالت روسيا اليوم تطمح للسيطرة على إدلب ودرعا وإن كانت لا تفضل الحل العسكري الآن ربما وبشكل مؤقت، وبنفس الوقت تقود روسيا حملة مضللة كما فعلت على مدى العشر السنوات الماضية في مجلس الأمن والمنظمات الدولية، إذ تستغل روسيا عضويتها في مجلس الأمن لترداد معلومات عن درعا ليست مغلوطة فقط، وإنما مجرد أكاذيب وتلفيقات، والحقيقة أن هناك درجات من المعلومات المغلوطة إلى عدم قول الحقيقة كاملة إلى الكذب وأعلاها بالتأكيد التلفيق، وصلت البروبوغاندا الروسية إلى هذا المستوى الأخير بسرعة وبشكل يشعر بالاستفزاز والغضب، إذ كيف يمكن مواجهة هذه الأكاذيب والمغالطات بحق سوريا إذا كان مندوب النظام السوري الذي ما زال يحتل موقع سوريا في الأمم المتحدة يردد الأكاذيب ذاتها وعلى المستوى نفسه إنما ليس بالبراعة الروسية التي تدخل في التفاصيل، إذ ما زال المندوب السوري فذاً في غبائه عند ترديد الشعارات وقول الشعر بأخطاء لغوية لا حصر لها، ولذلك فإن دعايته لا ترقى لوصف البروبوغاندا، إنها أحط من ذلك بكثير.
لكن، الخطورة في الدعاية الروسية هي أنها تطلب من العالم تصديقها وتجبر مؤسسات الأمم المتحدة أن تأخذ روايتها الكاذبة على محمل الجد، هذه المرة تقدمت البروبوغاندا الروسية مرة أكثر تقدما في الاستخفاف بالمجتمع الدولي وبالسوريين بشكل رئيسي، تريد منا أن نصدق أن عشرات الضحايا ليس لهم وجود، تريد منا أن نصدق أن عشرات الفيديوهات التي ظهرت قد تم فبركتها بشكل كامل من قبل “عصابات” الخوذ البيضاء.
النظام السوري كما روسيا يخافون من الحقيقة ويخافون أكثر من انتشار الحقيقة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وبالرغم من أن روسيا تستخدم وسائل التواصل هذه بكثافة من أجل بث دعايتها المسمومة وأخبارها الملفقة فإن إيماننا وإخلاصنا للحقيقة يجب أن يدفعنا دوماً إلى اعتبارها كمبدأ رئيسي خلال نشرنا أو كتابتنا للأخبار، لأن الحقيقة دوماً صديق الضحية وأن المجرم دوماً يخاف النور كما الحقيقة ويحاول طمسها بكل ما يستطيع وهو ما لن تستطيع روسيا القيام به أبداً مع ملايين المستخدمين من وسائل التواصل الاجتماعي من السوريين حتى ولو استغلت أقوى منبر في العالم وهو منصة مجلس الأمن التي من المؤسف أن تصبح منبراً لترداد الأكاذيب والأخبار المزيفة والملفقة.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت