الأسد وانتخاباته المزيفة
في عام 2005 استُدعيت للتحقيق من قبل إدارة المخابرات العامة التي كان علي مملوك على رأسها في ذلك الوقت، كانت المخابرات وقتها قد وضعت على اسمى ثلاث مذكرات لمنعي من السفر صادرة عن فروع الأمن الخارجي والداخلي والمعلومات وكلها تتبع لإدارة المخابرات العامة.
ذهبت لمقر الإدارة في كفرسوسة حيث مكتب مملوك، وكانت مذكرة الاستدعاء تنص على الموعد الصباحي، المهم وجدت اسمي على الباب ودخلت غرفة التحقيق كما يعرف معظم السوريين وانتظرت لساعات وساعات حتى طلب مني الدخول للقاء “المعلم” وهي الصفة التي تطلق على الرتبة الأعلى بوصفه رئيس الفرع أو قائد الفوج أو قائد اللواء إلى غير ذلك من صفات المخابرات السورية اللصيقة بها.
اكتشفت بعد سؤالين تقريباً أن التحقيق كله يتركز حول كتابي الصادر حديثاً حينذاك “صنع القرار والسياسة الخارجية في سورية” عام 2005، إذ قلت في الكتاب أن “حافظ الأسد كان يعرف تماماً أن الاستفتاء الذي ينظمه كل سبع سنوات كان مجرد كذبة لكنه يصر على تكرار الكذبة ذاتها كل سبع سنوات” هنا استشاط اللواء غاضباً وقال لي: “هل تقول إن القائد الخالد حافظ الأسد كان كذاباً”.. احترت بماذا أجيبه لا سيما أنني كنت تحت رحمته.. فقلت: أنا لم أقل أن حافظ الأسد كان كاذبا لكن الانتخابات كانت كاذبة”.. لم يقتنع بالجواب واستمر التحقيق لساعات.
اليوم يكرر بشار الأسد كذبة والده ذاتها، ويعرف تماماً أن الانتخابات التي يريد تنظيمها في 26 من أيار الجاري، هي مجرد كذبة ومسرحية بائسة لكنه يصر على تكرارها، يعرف تماماً أن أحداً من السوريين لن يصدقها، وأنه لا قيمة لها في تجديد شرعيته الانتخابية فهو لم يتحصل عليها بالانتخابات يوماً. لكنه يريد أن ينظمها فقط كي يقول للخارج إن شعبيته الكاذبة بعد عشر سنوات من الحرب وقتل السوريين وتشريدهم، زادت.
لقد امتلك نظام الأسد خلال سنوات الحرب السورية صفات عديدة على المستوى الشخصي، إذ صار يُعرف بالحيوان بعد اللقب الذي أطلقه عليه الرئيس الأميركي ترامب، أما السوريون فأطلقوا عليه ألقاباً عديدة مثل: بشار الكيماوي لاستخدامه للسلاح الكيماوي ضد المدنيين أكثر من مرة في الغوطة الشرقية وإدلب وحلب وغيرها.
لكن النظام نفسه أصبح شهيراً أكثر بوصفه نظام البراميل، وتلك الصفة تنطلق ليس من مسؤوليته وحده وإنما مسؤولية النظام بكامله على استخدام هذه البراميل وإسقاطها كالمطر على رؤوس السوريين، فهناك قرار سياسي أُعطي باستخدامها وهناك أوامر أُعطيت لتنفيذها من قبل الطيارين الذي استخدموا مطارات عسكرية ومدنية من أجل الإقلاع منها وتنفيذ طلعاتهم الجوية المجرمة ضد المدنيين.
هم مَن تركوا هذه البراميل تسقط على السوريين المدنيين بشكل يومي وهم يعرفون أنهم لا يستهدفون سوى المدنيين بإطلاقها، فكل برميل من هذه البراميل يعتبر جريمة حرب بكامل أوصافها لجهة انتهاك القانون الإنساني الدولي، كما تجلى في اتفاقيات جنيف الأربع وكما حددت مبادئ هذه الاتفاقيات في حماية المدنيين وقت الحرب، فهي صريحة وواضحة بأنه يجب اتخاذ جميع التدابير الضرورية لحماية المدنيين، لجهة عدم استخدام أسلحة عشوائية.
والبرميل المتفجر هو بتعريفه سلاح عشوائي لا يحقق أهدافا عسكرية معينة، والصفة الأخرى أنه وبسبب عشوائيته فإنه لا يميز بين المدنيين والمقاتلين ولذلك يعتبر مِن الأسلحة المحرّم استخدامها في الحروب، لا سيما وأنها لا تحرّم قوانين الحرب التي وقعت وصدّقت عليها كل دول العالم الأعضاء في الأمم المتحدة بما فيها سوريا.
فالأسد اليوم برغم كل جرائمه يريد القول للسوريين إنهم سينتخبوه ويصوتوا له، إنها مسألة تتجاوز الكذب هنا لتدخل في باب الإذلال فأنا أقتلكم وأنتم عليكم انتخابي، والده فعلها من قبله في حماة وحلب، والابن يسير على خطا والده، كلاهما أجرما بحق السوريين وطموحهما يتكثف في إفقار السوريين وإذلالهم عبر قتلهم ثم الطلب منهم تمجيد قاتلهم.
في الحقيقة هناك كثير من الكتب عن الحالة النفسية للدكتاتوريين وكيف يتصرفون من خلال سلوكياتهم الشخصية، لكن من الأكيد أن صفة الكذب لصيقة تماما بالأسد الابن فكل من قابله تقريبا ذكر أنه اعتاد على الكذب بل يستمتع به، في عام 2003 كتب وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول أن الأسد “كذب عليه” فيما يتعلق بتهريب المقاتلين إلى العراق، ثم أصبحت هذه عادة مستمرة لدى الأسد بعد قتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري ثم انسحاب القوات السورية من لبنان ثم أحداث الثورة السورية التي أصبح يردد مواقفه الكاذبة يومياً حتى لم يعد يهتم الإعلام بما يقول لأنه يعرف تماما أنه مجرد “كاذب” مطلق، ولذلك يجب أن لا نتعامل مع هذه الانتخابات إلا بوصفها “كذبة كبرى”.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت