رغم الدعاية المضادة لهذا التنظيم، وربطه بالحركات الجهادية السلفية العابرة للحدود، لدى التركستان ميزات اختلاف، وتاريخ لا بد من أخذه في الاعتبار.
خمس سنوات على تأسيس فرعه السوري، اقتربت ساعة الصفر بالنسبة لعناصر التنظيم المتحدرين بأغلبهم من مقاطعة شنجيانغ الصينية، المعروفة في أدبياتهم وأدبيات القوميين الأويغور بإسم “تركستان الشرقية”.
تأسس هذا التنظيم كإمتداد للحركة الاسلامية لتركستان الشرقية، وهي مجموعة مقاتلين من المقاطعة تطوعوا للقتال إلى جانب حركة “طالبان” في أفغانستان. كان على رأس هذه المجموعة رجل دين اسمه حسن مخدوم يتحدر من عائلة لها تاريخ في مواجهة السلطات الصينية منذ أربعينات القرن الماضي، وقدمت تضحيات أليمة على هذا النهج. وفَد هؤلاء المقاتلون إلى الحركات الجهادية، حاملين نزعة قومية للإسلام فيه دور كالإثنية في رسم حدود الاختلاف مع الآخر (الهان، قومية الغالبية في الصين). هناك الكثير من المشتركات بين رموز في الحركات الجهادية مثل الشيخ عبد الله عزام على سبيل المثال، وبين حسن مخدوم. تحرير تركستان الشرقية مهمة قومية شبه مستحيلة تماماً مثل تحرير فلسطين. تماماً مثل عزام، اعتقد مخدوم أن تحرير أجزاء أخرى من الأمة الاسلامية، يقود الى شينجيانغ. الطريق إلى كشغر عاصمة الاقليم الذي يتحدر مخدوم من إحدى بلداته، يمر في كابول، وفي إدلب أيضاً.
ولكن هناك فارقاً من الضرورة تسجيله في هذا السياق. صحيح أن الحزب حركة جهادية تنضوي في القتال الى جانب جماعات مثل “هيئة تحرير الشام” في سوريا و”طالبان” في أفغانستان، إلا أن هناك حساسية قومية-اسلامية تضع التنظيم في خانة مختلفة. وهذا الاختلاف واضح في مجلة التنظيم، “تركستان الاسلامية”، حيث يغيب فيها الفكر التكفيري عند التعاطي مع تاريخ الأويغور. ذلك أن المجلة تحتفي بالرمز الأويغوري، حتى لو كان علمانياً أو شيخاً صوفياً، كمناضل في مواجهة الهيمنة والممارسات الصينية ضد هذه الأقلية. ليست السلفية الجهادية حداً فاصلاً في التاريخ، بل استكمالاً أنشط لمراحل سابقة من النضال.
وهناك أكثر من دلالة على هذا الاختلاف. أولاً، من الناحية العددية، تمكن “الحزب الاسلامي التركستاني” من جذب أعداد كبيرة من المتطوعين رغم آلاف الكيلومترات الفاصلة بين شمال سوريا واقليم شينجيانغ في شمال غربي الصين. وهذه المسألة على ارتباط بالليونة في التجنيد، إذ أن الانتماء أو الولاء القومي والموقف من الصين، أساسيان في هذا المجال، ويتفوقان على الايديولوجيا. لا يتوقع الحزب من المتطوع الأويغوري الخضوع الى اختبارات أو دورات دينية مكثفة قبل الانضواء إلى صفوفه. جوهر النضال قومي، وشكله سلفي جهادي، وقد يأخذ أشكالاً أخرى. والحقيقة أن الحزب، ورغم ضمه سوريين (ربما لأسباب لوجستية)، حافظ على طابعه الإثني، ويُخاطب “الوطن التركستاني” في منشوراته.
المؤشر الثاني إلى الاختلاف في العقيدة، على ارتباط بسلوك التنظيم ونبذه الصراعات الداخلية بين الفصائل المختلفة، وحضه على التركيز على مقارعة النظام وميليشياته. وهذا سلوك غير تكفيري. والواقع أن التنظيم هنا لا يُخفي هدفه الأساسي في القتال بعيداً “عن الوطن”، وهو يتمثل بحض العالم الإسلامي على رد الجميل بالتضامن. بكلام آخر، التركستان حضروا الى سوريا وأفغانستان لنُصرة شعوب مظلومة، وبذلوا الدماء في سبيل ذلك، واليوم حان الوقت لرد الجميل.
وهنا تحديداً حقق الحزب نجاحاً غير مرئي. القضية الأويغورية أو التركستانية باتت حاضرة لدى مختلف الجماعات الجهادية في سوريا، وأيضاً لدى رموز في هذا التيار في مختلف أنحاء العالم. وهذا الانجاز ليس بالهين. وبالإمكان الجزم أن الصين اليوم تحتل مكانة متقدمة، إلى جانب الولايات المتحدة، على قائمة أعداء هذا التيار.
لذا فإن معركة جبل الزاوية، لو وقعت الآن أو في مرحلة مقبلة، قد تطوي صفحة الحزب في سوريا، لكنها ستفتح صفحات مواجهة جديدة نجح التنظيم في الإعداد لها على مدى سنوات مضت.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت