في تطور هو الأول من نوعه منذ عام 2011 زار وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد العاصمة السورية دمشق، والتقى رأس النظام السوري، بشار الأسد، الأمر الذي فتح باب الحديث عن مرحلة جديدة قد يقبل عليها المشهد السياسي للبلاد في المرحلة المقبلة.
ولن تكون هذه المرحلة لصالح السوريين الذين يعانون من الحرب التي بدأها ضدهم النظام السوري منذ عشر سنوات، بينما ستنعكس بالفائدة أكثر على الأسد، والذي تشير معظم المعطيات إلى أنه بات مقبلاً على “محطات تطبيع عربي” قد تكسر عزلته الدولية والإقليمية.
وفي الوقت الذي تثبّت فيه الإمارات سياستها الجديدة مع نظام الأسد، تتجه الأنظار إلى باقي الدول الخليجية، وعما إذا كانت ستحذو حذو أبو ظبي، أو أنها ستبقى على الموقف الذي اتخذته قبل سنوات طويلة.
ولعبت الدول الخليجية في مطلع أحداث الثورة السورية دوراً أساسياً في الملف السوري، سواء على صعيد السياسة أو العسكرة من خلال دعم فصائل على الأرض معارضة لنظام الأسد.
والآن يرى مراقبون أنها ستكون لاعباً أيضاً، لكن بشكل مختلف لعدة اعتبارات، أولها تلك الخاصة بالظرف السياسي الحاصل، وثانيها فيما يتعلق بكيفية التعاطي مع الصورة التي وصل إليها الأسد ونظامه، بعد سنوات قتل قادها ضد كل من نادى بإسقاطه.
ويستعرض فريق “السورية.نت” أبرز مواقف الدول الخليجية خلال السنوات الماضية، وصولاً إلى المسار الذي تسلكه حالياً حيال العلاقة مع نظام الأسد.
“قطر: لا تطبيع”
في مؤتمر صحفي له الجمعة قال وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إنه يأمل وقف تطبيع العلاقات مع نظام الأسد.
وأضاف خلال المؤتمر الذي جمعه مع نظيره الأمريكي، أنطوني بلينكن: “نأمل بأن لا تتشجع الدول على اتّخاذ خطوات إضافية تجاه النظام السوري”، مشيراً: “لا نفكر حالياً في التطبيع مع النظام، ونعتقد أنه يجب محاسبته على جرائمه”.
وتابع آل ثاني: “موقف قطر سيبقى على حاله، ولا نرى أي خطوات جادة لنظام الأسد تظهر التزامه بإصلاح الضرر الذي ألحقه ببلده وشعبه”.
ولم يتغير موقف قطر من النظام خلال السنوات الماضية، بحسب حديث المسؤولين القطريين، على رأسهم وزير الخارجية، والذي سبق وأن تحدث عن الجرائم التي ارتكبها النظام بحق السوريين.
وفي الوقت الحالي تشير تصريحات آل ثاني إلى أن الدوحة لن تكون طرفاً في “قطار التطبيع العربي”، خاصة مع التزام النظام بالسياسة التي بدأها منذ 2011، فضلاً عن عرقلته لكافة مسارات الحل السياسي، لاسيما تلك المتعلقة بقرار مجلس الأمن “2254”.
“السعودية لا تفكر في التعامل”
إلى جانب قطر لا توجد أيضاً بوادر إعادة تطبيع فوري للعلاقات مع النظام السوري من جانب المملكة العربية السعودية، أكبر الدول الخليجية.
وفي مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الحالي قال وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، رداً على سؤال إن كانت الرياض تفكر في التواصل مع الأسد أسوة بالعديد من الحكومات: “السعودية لا تفكر بذلك حالياً”.
وأضاف في مقابلة مع مع قناة “سي إن بي سي” الأمريكية: “الرياض تدعم العملية السياسية في جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة بين النظام السوري والمعارضة”، وأنها تريد المحافظة على الأمن وتدعم ما يحقق مصلحة الشعب السوري.
وكانت الرياض سحبت سفيرها لدى دمشق عام 2011، وجمدت علاقاتها الدبلوماسية مع نظام الأسد، على خلفية قمع قواته للمظاهرات الشعبية السلمية، ما خلف أعداداً كبيرة من القتلى والجرحى.
وتبعتها بذلك بقية دول مجلس التعاون الخليجي عام 2012، إلا أن الإمارات والبحرين أعادتا فتح سفارتيهما في دمشق نهاية عام 2018، على مستوى القائمين بالأعمال.
ووفقاً لتقارير إعلامية كانت السعودية قد أعادت في مايو/أيار الماضي فتح قنوات مباشرة مع النظام، بزيارة رئيس جهاز المخابرات السعودي، خالد الحميدان لدمشق، وهو ما نفته الرياض حينها.
“البحرين على الأبواب”
لا تختلف نظرة مملكة البحرين من نظام الأسد عن تلك التي اتخذتها الإمارات في الفترة الأخيرة، سواء بإعادة العلاقات الدبلوماسية من بوابة السفارات أولاً، ومن ثم التوجه للقاءات مباشرة لـ”رفع الغمامة”.
وكانت مصادر مقربة من نظام الأسد وآخرين من المعلقين الإماراتيين قد توقعوا في الأيام الماضية أن تتجه المنامة إلى خطوة مشابهة لتلك التي اتخذها وزير خارجية أبو ظبي، عبد الله بن زايد، وذلك خلال الأيام المقبلة.
لكن حتى اللحظة لم يصدر أي تعليق رسمي من البحرين بشأن إعادة تطبيع العلاقات كاملة مع نظام الأسد.
وكان وزير الخارجية البحريني، الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة قد قال في لقاء مع قناة “العربية”، أكتوبر/تشرين الأول 2018 إن “الحكومة السورية هي حكومة سورية، ونحن نعمل مع الدول وإن اختلفنا معها، ولا نعمل مع من يسقط تلك الدول، ونحن نسعى لتحقيق تطلعات الشعب السوري”.
وجاء حديثه بعد لقائه مع وزير خارجية نظام الأسد السابق، وليد المعلم، مضيفاً أنه “لم يكن الأول منذ بدء الأحداث في سورية، وتم في فترة يشهد فيها العالم تحولات إيجابية تجاه أن يكون هناك دور عربي فاعل في المسألة السورية”.
وأغلقت البحرين سفارتها في دمشق، في مارس/ آذار 2012، لتكون حينها ثاني دولة عربية في الخليج تتخذ مثل هذا القرار، لكنها أعادت فتحها، أواخر عام 2018، بعد يوم من افتتاح الإمارات العربية المتحدة سفارتها بشكل رسمي.
الكويت: العلاقات مجمّدة
على خلاف الدول المذكورة سابقاً تشي معظم تصريحات المسؤولين الكويتيين إلى حالة من “الحياد النسبي” اتجاه العلاقة مع نظام الأسد، وهي سياسة لطالما انسحبت إلى معظم الشؤون الإقليمية.
وتلتزم الكويت علناً بقرار 2012 (إغلاق السفارات) ونفت، في نوفمبر/ تشرين ثانٍ 2018، صحة أنباء ترددت عن إعادة فتح سفارتها في دمشق.
وبحسب “المركز الأطلسي للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني“: “من مصلحة الكويت تحويل قرارات مثل الاعتراف بالأسد إلى هذه المؤسسات المتعددة الأطراف (الجامعة العربية، مجلس التعاون الخليجي)”.
وينعكس ما سبق في خطاب الكويت بشأن هذه القضية، حيث قالت إنها ستنتظر “الضوء الأخضر” من جامعة الدول العربية قبل الالتزام بأي نهج معين تجاه سورية.
واستضافت الكويت المؤتمرين الثاني والثالث للمانحين لدعم الوضع الإنساني في سوریة، في عامي 2014 و2015، وشاركت في رئاسة المؤتمر الرابع في لندن، عام 2016.
ومن المرجح أن تؤجل أي قرار يتعلق بشرعية الأسد حتى يتم التوصل إلى إجماع في جامعة الدول العربية.
ويقول “المركز الأطلسي”: “على الرغم من أنها لا تبدو مولعة بشكل مفرط بنظام الأسد، فمن المحتمل ألا تقف في طريق عودته للجامعة العربية”.
من جانبه كان نائب وزير الخارجية الكويتي، خالد الجار الله، قد أكد في أواخر عام 2018 أن العلاقات بين بلاده ونظام الأسد “مجمَّدة وليست مقطوعة، وفقاً لقرارات الجامعة العربية”.
“عُمان خارج السرب”
في غضون ذلك وانتقالاً إلى سلطنة عُمان الدولة الخليجية الأخيرة، فقد غردّت خارج السرب اتجاه العلاقة مع نظام الأسد، على الرغم من التزامها بقرار 2012، القاضي بقطع العلاقات الدبلوماسية.
وعُمان واحدة من الدول العربية القليلة التي حافظت على علاقات دبلوماسية مع نظام بشار الأسد بعد انتفاضة 2011، على الرغم من ضغوط الولايات المتحدة وحلفاء خليجيين آخرين.
وكان السلطان هيثم بن طارق تعهد عند توليه السلطة في يناير/ كانون الثاني 2021 بمواصلة إقامة علاقات ودية مع جميع الدول.
وفي مارس/آذار الماضي التقى بوزير خارجية نظام الأسد، فيصل المقداد في العاصمة مسقط، في زيارة كانت قد سبقتها واحدة للوزير السابق وليد المعلم، في أغسطس/آب 2015.
و”تمارس سلطنة عمان تأثيراً مطّرداً في سورية، ما قد يجعل منها لاعباً دبلوماسياً ذا أهمية متزايدة هناك، ولكن يتعيّن على السلطنة التنبه جيداً لخطواتها”، بحسب تقرير لمؤسسة “كارينغي للسلام الدولي” في أكتوبر/ تشرين الأول 2020.
وتحدث التقرير عن استراتيجية السلطنة القائمة على الحفاظ على علاقات دبلوماسية مع بلدان الشرق الأوسط خلال مراحل العزل النسبي التي تمر بها تلك البلدان، والتي تندرج في إطار الأعراف والشخصية الوطنية العُمانية التي تركّز على الحاجة إلى الحفاظ على حوار سليم وعلاقات دبلوماسية مع جميع الحكومات.
وقال التقرير إن مسقط كانت واضحة بأن كل ما تريده هو الاضطلاع بأدوار إنسانية ودبلوماسية في سورية، لا إرسال الأسلحة والدعم المادي إلى الفصائل المعارضة للنظام، مثلما فعلت قطر والسعودية.