وضعت الانتخابات البرلمانية السورية الأخيرة، التي أجريت في 19 يوليو/ تموز الحالي، سابقة جديدة لنظام الأسد، وكانت هناك 10 اختلافات رئيسية عن الانتخابات السابقة، التي أجريت منذ أن قدمها حافظ الأسد لأول مرة في عام 1973.
الإعلامي السوري، أيمن عبد النور نشر مقالة مفصّلة في مركز “ميدل إيست إنستيتيوت”، استعرض فيها واقع الانتخابات التي شهدتها المحافظات الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، في الأيام الماضية، والتي تصدرها مرشحون ينتمون لـ”حزب البعث”.
إدخال الانتخابات التمهيدية
يشير عبد النور إلى أن انتخابات “مجلس الشعب” شهدت إدخال الانتخابات التمهيدية (الاستئناس الحزبي) ونظام انتخابات من جولتين، على عكس الانتخابات السابقة.
ويضيف الإعلامي السوري: “هذه المرة اعتقد بشار الأسد أن الانتخابات التمهيدية يمكن أن تكون وسيلة لاختبار شعبية وميل كل مرشح في حزب البعث، الذي يضم حوالي 2 مليون عضو، تغطي مجموعة سياسية واسعة”.
وأظهرت نتائج الانتخابات التمهيدية مقدار الدعم الشعبي الذي يحظى به كل مرشح ومن يشكل قاعدته: الإسلاميون واليساريون والمحافظون.. الخ.
لكن وبعد أن استخدم الانتخابات التمهيدية لرسم المشهد السياسي، قام الأسد بإلغائها، قائلاً إنها لن تستخدم إلا كمؤشر.
حسب عبد النور، فقد “تم إلغاء الانتخابات التمهيدية التي عقدت في نهاية يونيو في 2 يوليو. في 4 يوليو، وأعلن حزب البعث عن قائمة المرشحين للمحافظات المختلفة، وأدخل أسماء الأشخاص الذين لم يسبق لهم الترشح من قبل”.
في حين أضاف “حزب البعث” أسماء إلى قائمته وغيّر آخرين دون الإعلان عن التغييرات، بحسب يكون لكل محافظة فئتان: “الفئة أ” للمزارعين والعمال، و”الفئة ب” للمحترفين والمثقفين ورجال الأعمال.
وكمثال على التغييرات السرية في إدلب، تمت إزالة باسل كرنوب (مرشح مسيحي)، من القائمة من قبل قيادة البعث واستبداله باسم نعسان عبد الغفور حجازي، وهو تغيير لم يتم الإعلان عنه حتى يوم الانتخابات، عندما رأى الناس القائمة المنقّحة.
وكان مبرر النظام لهذه الخطوة هو أنه لم يعد هناك مسيحيون في إدلب، فلماذا يكون لهم ممثل؟
المقاعد في البرلمان مقسمة بين “حزب البعث” والأحزاب الأخرى والمستقلين.
وضمن مقالة الإعلامي أيمن عبد النور أشار إلى أنه تم تخصيص 181 مقعداً مبدئياً لـ”الجبهة الوطنية التقدمية”، ولكن تم إضافة مقعدين إضافيين في وقت لاحق، ليصبح المجموع 183، مع 166 لـ”حزب البعث” و 17 للأحزاب الأخرى.
في حين كانت المقاعد الـ 67 المتبقية للمستقلين، ومع ذلك، وفي انتخابات “مجلس الشعب”، خاض العديد من المرشحين من “الحزب الوطني السوري الاجتماعي”، كمستقلين.
على سبيل المثال، لدى “الحزب السوري القومي الاجتماعي” مرشحين في قائمة “الوحدة الوطنية”، في مناطق مثل ريف حلب وحماة وحمص، ولكن لديه أيضاً آخرون في أماكن أخرى يعملون كمستقلين.
وعلى الرغم من ذلك، انخفض عدد المرشحين بشكل كبير، وشهدت هذه الانتخابات أدنى نسبة من المرشحين لكل مقعد حتى الآن: كان هناك ما مجموعه 1656 مرشحاً، بما في ذلك 200 امرأة، يتنافسون على 250 مقعداً في البرلمان.
في الانتخابات الأخيرة في عام 2016، كان هناك 2649 مرشحاً.
التصويت الإجباري لموظفي الدولة
إلى جانب ما سبق أوضح الإعلامي السوري أن هذه هي المرة الأولى التي يُسمح فيها للجيش والشرطة بالتصويت، في انتخابات “مجلس الشعب” بسورية.
وسمح القانون رقم 8 الصادر في عام 2016 للجيش وضباط إنفاذ القانون بالتصويت كوسيلة لتعزيز رصيد النظام في صناديق الاقتراع.
وعلى الرغم من التصويت الإلزامي بين العسكريين والشرطة والموظفين الحكوميين في أماكن عملهم، إلا أن 10 بالمائة فقط من الناخبين المؤهلين أدلوا بأصواتهم، وفقاً لمصادر على الأرض.
في حين أن نسبة المشاركة الرسمية التي أعلن عنها وزير العدل كانت 33 في المائة، فإن بعض مراكز الاقتراع، وخاصة تلك الموجودة في مدارس الناخبين العاديين (على عكس موظفي الدولة)، لم يكن لها إقبال على الإطلاق.
وقال الإعلامي السوري إن نسبة المشاركة كانت منخفضة على الرغم من الإجراءات القسرية التي تبين أن الناس لا يثقون في النظام.
وأشار إلى أن الناس اعتادوا على التصويت لصالح النظام، لأنهم لا يريدون أن يتم تمييزهم من قبل المخابرات، ولكن يبدو أن الأمر لم يعد كذلك، حيث كان هناك إقبال منخفض حتى في المناطق المسيحية والعلوية، مما يشير إلى عدم رضاء عام عن النظام.
تمثيل أرمني أكبر.. مع استبعاد الأكراد
ما ميّز انتخابات “مجلس الشعب” في سورية أيضاً، حسب عبد النوي هي المرة الأولى التي يرشح فيها الأرمن ضمن “قائمة البعث”، وهو تغيير جدير بالملاحظة، نظراً لأن “حزب البعث حزب قومي عربي”.
وفاز الأرمن بما مجموعه ثلاثة مقاعد في الانتخابات، إذ ترشحت لوسي اوهانس اسكانان لمقعد حلب، ضمن “الفئة أ” في قائمة البعث.
وأوضح الإعلامي السوري أن الأساس المنطقي للأسد لهذه الخطوة هو ثلاثة: كان يهدف إلى المساعدة على إقامة علاقات أفضل مع أرمينيا في مواجهة تركيا، والحصول على المعدات العسكرية السوفيتية القديمة التي لا تزال في حوزة أرمينيا، ومكافأة الجالية الأرمينية على الدفاع عن النظام.
انضمت إسكانان إلى اثنين من المرشحين الأرمن الآخرين، جيراير أريسيان، الذي خاض الانتخابات كمستقل في “الفئة ب”، ونور أريسيان، الذي فاز بمقعد في دمشق.
عسكّرة متزايدة
شهدت الانتخابات أيضاً زيادة عسكرة البرلمان.
وكتب الباحث البريطاني، تشارلز ليستر في مقال له حديثاً لصحيفة “Politico”، إن الأسد يقود المجتمع السوري نحو العسكرة على غرار كوريا الشمالية.
ويبدو أن الأسد يحب فكرة عسكرة المجتمع السوري، ويريد توسيع الروح العسكرية لتشمل المستويات الاجتماعية والسياسية، حسب الباحث.
الثقافة العسكرية، كما قال الأسد عندما روّج لهذه الخطوة: “تنطوي على الاحترام المطلق للتسلسل الهرمي، وتنفيذ الأوامر بشكل أعمى، والصبر والمرونة اللامحدودين”.
وحسب الباحث، فقد تصدر سبعة ضباط في قوائم المرشحين للمجلس، في الأيام الماضية، بينهم عبد الرزاق بركات من ريف حلب، وبسمة الشاطر، التي تحمل دكتوراه في الشرطة من دمشق، بالإضافة إلى مفلح نصر الله وهو ضابط في قوات الأسد من درها.
حملات على مواقع التواصل
النقطة التي ميّزت انتخابات “مجلس الشعب”، في الأيام الماضية، وفق الإعلامي السوري هي تنافس المرشحين على مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى نشر قضايا “فساد” كان قد اتبعتها عشرات المراكز الانتخابية.
ما سبق تمثل بمنشور لرئيس غرفة صناعة مدينة حلب، فارس الشهابي، والذي خسر الانتخابات، وقال علانية إن “مافيا الفساد وأمراء الحرب” كانوا يتآمرون ضده، ويزورون الانتخابات.
في حين وبعد أن خسرت بروين إبراهيم، وهي امرأة كردية بارزة ورئيسة “حزب الشباب من أجل العدالة”، في الانتخابات انتقدت الانتخابات، وقالت عبر “فيس بوك” غن التلاعب بدأ في الساعة 6 صباحاً يوم الانتخابات، عندما طُرد مندوبوها، من أجل تغيير النتائج.
وهددت إبراهيم بأن “العصابة” ستحاسب على أفعالها، وأضافت أنها جلبت أكثر من ألف ناخب إلى صناديق الاقتراع، لكنها لم تحصل إلا على 250 صوتاً، وهو مؤشر على “تلاعب صارخ”.
أكثر عدوانية لطرد المرشحين السابقين
في إطار ما سبق، أشار الإعلامي أيمن عبد النور إلى أن نظام الأسد كان “أكثر عدوانية” في طرد النواب هذه المرة.
في الانتخابات السابقة، اعتاد النظام السوري أن يحتفظ بما لا يقل عن 40 % من أعضاء البرلمان الحاليي، كوسيلة لتعليم النواب الصغار، لكن عمليات الإزالة هذه المرة كانت بعيدة المدى، خاصة في السويداء.
ولمعاقبة المنطقة (السويداء) وتأكيد السيطرة عليها، أزاح النظام جميع النواب الحاليين في السويداء، وكان الأساس المنطقي أنهم لم يتمكنوا من تهدئة الناس واستعادة النظام في المنطقة بعد الاحتجاجات الأخيرة.
ومن بين الوجوه الجديدة التي جلبها النظام كان المقدم المتقاعد الجنرال نسيب أبو محمود، وهو عسكري سابق يمكنه التعامل مع أي حوادث مستقبلية في المنطقة، حسب الإعلامي السوري.
في حين ومن زاوية أخرى أوضح الإعلامي السوري أن هذه هي المرة الأولى التي يسمح فيها النظام للأفراد “المتصالحين” بالترشح للبرلمان.
ومن بين “الأفراد المتصالحين” قيادي سابق في تنظيم “الدولة الإسلامية” اسمه فادي رمضان العفيس، والذي كان قد دخل بـ”مصالحة” مع النظام السوري، بعد دفع نصف مليون دولار، وفق الإعلامي السوري، أيمن عبد النور.
وأشار الإعلامي السوري إلى أنه تم مسح سجله (فادي رمضان العفيس) حتى يتمكن من خوض الانتخابات، على الرغم من أنه “خسر” في النهاية.
مرشح آخر مماثل كان قادرًا بالفعل على الفوز بمقعد، هو عامر تيسير خيتي، الذي ترتبط عائلته بفصيل “جيش الإسلام”، وكان شقيقه عبد الرحمن أحد كبار الضباط المقربين من زهران علوش، قائد “جيش الإسلام”.
وبحسب عبد النور: “هرب عامر إلى مصر وبقي هناك لمدة أربع سنوات حتى تصالح مع النظام قبل عامين، وعاد إلى سوريا محملاً بالأموال”.