“التطبيع لم يوقف التدفق”.. ما خيارات الأردن في “حرب الكبتاغون”؟
يواصل الجيش الأردني اعتراض شحنات مخدرات وأسلحة قادمة من مناطق سيطرة نظام الأسد جنوبي سورية، رغم عمليات التنسيق التي حصلت مؤخراً، في أعقاب التطبيع.
وبعدما كانت هذه الشحنات تعبر الحدود من خلال البر، تطور عمل المهربين المرتبطين بأجهزة نظام الأسد الأمنية والميليشيات الإيرانية إلى استخدام الطائرات المسيّرة.
وكان الأردن من أكثر الدول العربية حماساً لعودة العلاقات الرسمية مع النظام لأسباب أمنية واقتصادية، ونظراً لأنه يشترك مع سورية في حدود يبلغ طولها نحو 375 كيلومتراً، ما يمثل تحديا أمنياً كبيراً.
وقدم الأردن مبادرته الدبلوماسية واستطاع من خلال علاقته الجيدة مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الحصول على إعفاءات تتعلق بعقوبات “قانون قيصر” المفروضة على النظام السوري، وتسهيل إمداد لبنان بالكهرباء عبر سورية، رغم أن تلك الصفقة لا تزال قيد العمل.
كما أعاد فتح المعابر التجارية على الحدود السورية، وتبادل المسؤولون فيه والنظام السوري الزيارات الرسمية بعد سنوات من الانقطاع، تزامناً مع التقارب بين الأسد وعدة دول عربية، والذي تتوج بعودته إلى مقعد سورية الدائم في الجامعة العربية.
“التطبيع لم يوقف التدفق”
ورغم الخطوات السابقة فشلت الجهود الأردنية والعربية في تغيير سلوك النظام السوري، خاصة في مجال مكافحة المخدرات، بحسب مقال تحليلي للباحث السياسي الأردني، طارق النعيمات.
إذ استمرت عمليات التهريب بشكل مكثف، وقُتل عدد من الجنود الأردنيين خلال مواجهاتهم مع تجار المخدرات، الذين يمتلكون وسائل لوجستية متقدمة من طائرات مسيرة ومركبات حديثة.
وفي كثير من الحالات، كان المهربون برفقة مجموعة مسلحة توفر لهم الحماية.
وفي مقابلته التلفزيونية الأخيرة، لم ينكر بشار الأسد، رئيس النظام السوري، علاقته بتجارة المخدرات، كما لم يبد خلال المقابلة أي جدية مطلقة في معالجة هذه المشكلة.
وفي وقت لاحق، غير الأردن سياسته بعد أن كانت عمان تأمل في أن يساعد التفاهم مع نظام الأسد في احتواء الخطر القادم من الحدود.
ونفذ الجيش الأردني عدة غارات جوية في العمق السوري، واستهدفت تجار مخدرات بارزين، خاصة في الجنوب السوري.
كما قام الجيش بتغيير قواعد الاشتباك على الحدود الأردنية، في وقت لم يعد جنوده يترددون في إطلاق النار بهدف قتل أي مهرب يحاول عبور الحدود.
ما خيارات عمّان؟
وتتمتع عصابات الكبتاغون السورية، التي تبلغ إيراداتها مليارات الدولارات بقدر كبير من الموارد، بحيث لا يمكن القضاء عليها عن طريق الغارات عبر الحدود.
ويقول كاتب المقال: “مما لا شك فيه أن الخيار الأمني والعسكري لا يشكل حلاً جذرياً لمشكلة المخدرات العالمية الآن، لأن المخدرات لم تعد مقتصرة على مجرد مهربين غير محترفين، بل تحولت إلى مؤسسة ذات نظام هرمي وميليشيات مسلحة”.
والأهم من ذلك أن المخدرات أصبحت مربحة للنظام السوري، الذي تلاشت موارده المالية.
ولقد أصبح أكثر اعتماداً على المليارات التي يكسبها من تهريب المخدرات ورعايتها، ولذلك “على الأردن أن يجمع بين جهوده الأمنية والسياسية في الوقت نفسه”، وفق النعيمات.
سياسياً، يمكن للأردن أن يشكل إجماعاً إقليمياً ودولياً نحو تأسيس جهد جماعي لمكافحة المخدرات، لا سيما وأن دول الخليج قلقة من التجارة، وتدهور الوضع في سورية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن دور الميليشيات المدعومة من إيران في صناعة المخدرات يعزز القناعة بأن وكلاء إيران في المنطقة يستفيدون مالياً منها، الأمر الذي يثير مخاوف دولية، خاصة من الولايات المتحدة، التي طورت مؤخراً قانون الكبتاغون، لمنح مكافحة عبور الحبوب الأولوية القصوى.
ويشير النعيمات إلى أن “حكومة الولايات المتحدة تتمتع بسلطة فرض عقوبات على الأفراد المتورطين في هذه التجارة، وقد يكون الجو الإقليمي ملائماً لمبادرة لمكافحة المخدرات”.
ويمكن للأردن، الذي يتمتع بعلاقات مستقرة مع موسكو وعلاقات ممتازة مع الإدارة الأميركية، أن يلعب دوراً محورياً في تشكيل المبادرة والتحالف.
لكن التحديات التي تواجه هذه المبادرة كثيرة.
ويوضح المقال التحليلي أن “هناك شكوك حول قدرة النظام السوري ونفوذه في المناطق التي يسيطر عليها، علماً أن إيران تتمتع بنفوذ هائل في سورية، من خلال الميليشيات التي قامت بتدريبها وتسليحها، والتي تنتشر بكثافة في جنوب سورية بالقرب من الحدود الأردنية”.
وتتمتع روسيا بنفوذ سياسي منذ تدخلها العسكري في سورية عام 2015، وهذا يلقي بظلال من الشك على ما إذا كان التوصل إلى اتفاق مع النظام السوري وحده بشأن قضايا أمنية محددة كافياً لتقديم الضمانات.
ولذلك “قد يتعين على الأردن التحرك في مسارات متوازية والتفاوض مع النظام السوري ورعاته الدوليين”، حسب الباحث الأردني.
ويشير إلى أن “الأردن له تجربة سابقة في ذلك من خلال تفاهمه مع موسكو حول ابتعاد الميليشيات الإيرانية عن حدوده الشمالية، والاتفاق على دخول قوات النظام والشرطة العسكرية الروسية إلى درعا عام 2018”.
“الخيارات ليست سهلة بالنسبة للأردن، والمعادلة الأمنية في سورية مرتبطة بشكل وثيق بالوضع السياسي، وسط تعنت النظام السوري وفشله في تقديم التنازلات للوصول إلى الحل السياسي والمصالحة الوطنية”.
ويتابع النعيمات أنه “ونظراً للتدخل الدولي في سورية ووجود العديد من اللاعبين، ليس أمام الأردن خيار سوى محاولة إشراكهم مع إبقاء أعينه مفتوحة على حدوده الشمالية غير المستقرة”.