تبدو خطوات التطبيع مع نظام أسد متناقضة مع جوهر القانونين الأمريكيين (قانون قيصر وقانون الكبتاغون)، وهذا يعني في المنحى العام، تقديم مصالح هذه الدولة أو تلك على المصلحة الدولية بتطبيق القرار 2254.
تقديم المصلحة الخاصة لا يتناقض فحسب مع جهود تنفيذ القرار الدولي المذكور، بل إنه يتناقض أيضاً مع سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، فهذه السياسة، ترتكز على منع تطبيع العلاقات مع نظام أسد، وترتكز على إجباره على الانصياع لتنفيذ التزاماته حيال القرارات الدولية الخاصة بالقضية السورية.
لهذا، تبدو خطوة دولة الإمارات والأردن بخصوص تطبيع علاقتهما مع النظام الأسدي، وكأنها تجاهل صريح للسياسة الدولية بصورة عامة، والسياسة الأمريكية بصورة خاصة.
التطبيع في هذه الحالة، يمثّل نسف كل مسؤولية للنظام عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، التي ارتكبها بحق المدنيين السوريين العزّل، وتحديداً في ارتكابه مجازر فظيعة عبر استخدامه للأسلحة الكيماوية المحرّمة دولياً، والتي أثبتت تحقيقات منظمة حظر الأسلحة الكيماوية مسؤولية نظام أسد وحليفه الروسي لمجزرة دوما عام 2018.
التطبيع مع نظام أسد يعني تأييداً لخرق القوانين الدولية، والتي يؤدي خرقها إلى مفاقمة انتهاكات حقوق الانسان، فكيف يخطر ببال الدول المطبّعة إغماض العينين عن جرائم موثقة دولياً، هذا يعني في المحصلة أن هذه الدول تهتم بمصالحها الضيّقة على حساب الأمن والسلام الدوليين.
في هذا الصدد، قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي (بوب منينديز) في تغريدة له على تويتر، إن “الحراك الدبلوماسي الأخير يقوّض جهود محاسبة النظام السوري على ما ارتكبه من جرائم حرب بحقّ شعبه، وأنه لا يمكن أن يكون هناك تطبيع دون محاسبة مشروعة”.
وفق ذلك، تبدو عمليات التطبيع مع نظام أسد وكأنها قفزة في الفراغ، فهذه العمليات إذا ما تمّ الشغل عليها من قبل الدول المطبّعة، أو الدول التي تبحث عن مكاسب في الوقت الضائع، فإنها ستكون هدفاً للعقوبات الأمريكية، وهذا ليس في مصلحة هذه الدول، سيما إذا ما تمّت المقارنة بين فوائد التطبيع والامتناع عنه، فإنها لن تكون في صالح المطبّعين.
هذه حقيقة، لذا أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية مبعوثاً خاصاً إلى تركيا ودولة الإمارات العربية، لإبلاغهما رفض الإدارة الأمريكية لأي خطوات تطبيعية مع نظام أسد، وأن هذه الخطوات ستتعارض مع القرار الدولي رقم 2254، وسيكون التطبيع في هذه الحالة إنقاذاً لنظام ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهذا يتناقض مع جوهر الاتفاقات الدولية، ومع جهود الأمم المتحدة الساعية لتنفيذ القرارات الخاصة بالصراع في سورية.
إن الأمريكيين الذين وافق مجلس نوابهم ومجلس شيوخهم على إصدار قانونين ضد نظام أسد وجرائمه، لم يصدروهما بدون غاية وهدف، فقانون قيصر الذي منع أي تعامل اقتصادي مع نظام أسد، سواءً كان التعامل من قبل دولة أو مجموعة اقتصادية أو شركة خاصة، فإن هذا التعامل سيخضع للعقوبات الأمريكية، فالولايات المتحدة الأمريكية تستطيع فرض عقوبات على منتهكي هذا القانون، وهذا سيضرّ بمصالح المتعاملين الاقتصادية والمالية.
لقد خنق قانون قيصر اقتصاد النظام الأسدي، وأدرك المتعاملون الاقتصاديون معه خطر هذا التعامل، وهو ما أدى إلى انهيار تام لاقتصاد النظام، والذي عجز ويعجز عن تأمين أولويات المعيشة للسوريين الخاضعين لهيمنته وحكمه، وهذا ينفي أن قانون قيصر يضرّ بالمدنيين السوريين فحسب، بل إنه أضرّ بقدرة النظام على السيطرة على الأوضاع الاقتصادية، التي بدأت تفلت من يده، وهو يشكّل بداية انهياره.
كذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية اكتشفت خطر تصنيع النظام لحبوب الكبتاغون المخدرة، وقيامه بترويجها إقليمياً ودولياً، وإن هذه التجارة الممنوعة دولياً ليست مجرد مصدرٍ للأموال التي يحتاجها النظام للاستمرار في حربه العدوانية ضد الشعب السوري، بل أنها مصدر تهديد لصحة وحياة الشعوب، حيث تدمّر هذه المخدرات القدرة على التفكير والعمل والابتكار، كما أنها تدمر القيم الاجتماعية والوطنية، وتحيل من يستهلكها إلى حالة من العجز العقلي والصحي والنفسي والأخلاقي، وهذا سينعكس على تماسك البنية الاجتماعية وأمن البلاد.
الخطر الذي شعرت به الولايات المتحدة الأمريكية حيال قيام نظام أسد وحليفته إيران من ترويج هذه المخدرات القاتلة، دفعها إلى سنّ قانون مكافحة وتدمير مرتكزات صناعة هذه المخدرات، واعتبار أن رئيس النظام بشار الأسد هو من يقوم برعاية هذه العمليات الخطيرة.
إن الإدارة الأمريكية معنية بوضع خطط فعالة لمكافحة الكبتاغون، ومحاسبة من يقف خلف تصنيعه وترويجه إقليمياً ودولياً، وهذا يشمل السماح لوكالات المخابرات الأمريكية باعتقال ومحاكمة كل من يساهم في هذه الصناعة وترويجها وفي مقدمتهم رئيس النظام الأسدي بشار الأسد.
وفق هذه المعطيات الملموسة، فإن عملية التطبيع مع نظام أسد تصبّ في خانة العداء للسياسة الأمريكية بهذا الشأن، وهذا يضع الدول المطبّعة قيد عقوبات أمريكية، كذلك فإن التطبيع مع نظام أسد يعني حمايته من المحاسبة العادلة وفق القانون الدولي، وهذا من شأنه الإضرار بالدول التي تذهب في هذا الاتجاه.
إن الحل الوحيد لإغلاق ملف الصراع في سورية وعليها، يكمن في تنفيذ القرارات الدولية وفي مقدمتها بيان جنيف1 والقرار 2118 والقرار 2254، هذا التنفيذ الجوهري للقرارات المعنية يسمح بانتقال سياسي في سورية، وبتحقيق عدالة انتقالية، والتي من شأنها منع حدوث حالات فوضى وانتقام بشأن الجرائم المرتكبة وضرورة محاسبة مرتكبيها.
إن الذهاب إلى التطبيع مع نظام الأسد في هذه المرحلة، لا يمكن فهمه سوى أنه إطالة للصراع الذي يدفع ثمنه الشعب السوري، ولا يمكن فهمه سوى أنه محاولة للاستفادة البراغماتية على حساب حقوق الشعب السوري الجريح.
إن محاولات التطبيع لا افق لها، لأنها تتناقض مع القرارات الدولية الخاصة بسورية، وتتناقض أكثر مع السياسة الأمريكية حيال نظام أسد، لذا فهي قفزة في فراغ، لن يكون لها أي جدوى لدى من يقفزها.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت