بين من يحلم بعودة حواجز “الجيش العربي السوري” الى مداخل بيروت، وبين من يخشى تجدد الاغتيالات في وسطها، ضاع البحث اللبناني عن طبيعة اللقاء السعودي السوري الاول من نوعه منذ عشر سنوات الذي شهدته دمشق في اليومين الماضيين. وهو بالتأكيد لم يكن لقاءً من أجل لبنان، او من دواعيه.. إلا ربما من زاوية واحدة، هي تحول الاراضي والحدود اللبنانية السائبة الى منصة لواحدة من أكبر حملات تهريب المخدرات_ السورية المنشأ_نحو بلدان الخليج العربي.
المرجح أن الوفد الامني السعودي لم يأت لهذا الغرض وحده، ولم يكن ليتم تسريب نبأ الزيارة من دمشق لو أن الحوار الثنائي إقتصر على قضايا أمنية، لم ينقطع التباحث والتفاهم حولها يوماً، بين مختلف العواصم العربية وبين العاصمة السورية، التي إستقبلت على الدوام مسؤولين أمنيين من جميع الجنسيات العربية والاجنبية.. وتعاملت معهم بإعتبارهم رُسُلَ تطبيعٍ وتجديدٍ للعلاقات الثنائية، التي لا تزال تدور في فلك التكتم والتحفظ، مخافة إغضاب الغرب الاميركي والاوروبي، أو إغواء الروس أو الايرانيين بلا ثمن.
يصعب إدراج التقارب السعودي السوري، الذي لم يخرج الى العلن بعد، في خانة ذلك الحوار الذي بدأ في بغداد الشهر الماضي، بين الرياض وطهران، وإعتباره هامشاً من هوامشه، لأن الجانبين السعودي والايراني، لا يرغبان في ان تكون سوريا بالذات بنداً على جدول اعمال المساومة المفترضة بينهما. اليمن، أولوية أكثر أهمية، وأشد إلحاحاً لكل منهما. ولعل العبء اليمني كان ولا يزال من أهم دوافع ذاك الحوار الذي لم ينقطع، وإن كان لم يصل الى نتيجة مهمة بعد.
المعطى الوحيد الذي يمكن التوقف عنده الآن، هو أن ثمة إنعطافاً سعودياً حاسماً عن سياسة خارجية إتسمت في السنوات الخمس الماضية خاصة بالكثير من العشوائية، بل الهوجائية، التي إستمدت من إدارة الرئيس الاميركي السابق التشجيع والتحفيز، لتتورط في سلسلة من الأزمات والاخطاء، كانت حرب اليمن أهمها وأخطرها. لكن سوريا (ولبنان ايضاً)، لم تكن من عناوينها الرئيسية. حيث كانت الرياض قد تخلت عن دعم الثورة السورية، قبل ان تتدخل روسيا وإيران لحماية نظام بشار الاسد.. مثلما كانت قد أسقطت حلفاءها اللبنانيين الضعفاء أصلاً من حساباتها الاقليمية.
التطبيع السعودي مع النظام السوري، حصل في العامين 2014-2015، عندما كانت دمشق على وشك السقوط في أيدي المعارضة السورية، المدعومة بالتحديد من الرياض. ومنذ ذلك الحين، إنتهت الثورة، وضاع الأمل بالتغيير في سوريا.. ولم يبق لدى السعودية سوى وهم الرهان على أن روسيا يمكن ان ترث سوريا من الايرانيين وتخرجهم من أراضيها.. وهو ما ثبت حتى الآن، أنه كان فرصة إضافية للنظام لكي يناور بين موسكو وطهران، ويبتزهما معاً.
وعليه، يصبح الحوار السعودي السوري الذي لم ينقطع أصلاً، مجرد تنازل جديد تقدمه الرياض لكل من موسكو وطهران، لن يعيد نظام الاسد الى الصف العربي، كما توهمت ولا تزال تتوهم دول مثل مصر والامارات، التي سبقت السعودية الى مثل هذا التنازل ولم تحصد منه سوى إعلان النظام السوري، مثلا، أنه لن يطلب عودة سوريا الى الجامعة العربية، لأنه ينتظر أن تطلب الجامعة نفسها العودة الى سوريا!
والسؤال الآن، هو ما إذا كانت الانعطافة السعودية نحو إقفال ملفات الاضطراب والتوتر في السياسة الخارجية، هي صدى لنصائح أميركية أوروبية، وروسية أيضا، أم أنها مجرد إجتهاد خاص، يطوي مرحلة صعبة من العلاقات العربية، والاقليمية. في الحالتين، ثمة سعيٌ جديرٌ بالاهتمام، لإستخدام، أو على الاقل، لإستكشاف فرص الدبلوماسية، ولو بواسطة ضباط الأمن والاستخبارات حتى الآن.
وحده، الحوار مع نظام الاسد، أو بالاحرى تطويره، لن يؤتي ثماراً، بل سيزيد التعنت الإيراني، والانتهازية الروسية.. وسيطلق في إذهان لبنانيين كثيرين، أسوأ أنواع الكوابيس، من ال”سين سين”، الى غيرها من حروف الابجدية السياسية اللبنانية، المشوهة أصلاً، والتي لا تحتمل نصراً دبلوماسياً سورياً إيرانياً جديداً.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت