بزيارة وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد إلى العاصمة المصرية القاهرة، يوم السبت، تكون الخطوات العربية اتجاه الأسد قد ازدادت واحدة، بعدما شهدت الأيام الماضية الكثير من التحركات، انعكس البعض منها ضمن “إطار المبادرات والمباحثات”، بينما ترجمت أخرى على نحو أكبر باستقبال رسمي، تخلله “سجاد أحمر وطلقات ترحيب”.
ومن المقرر أن يجري المقداد ونظيره المصري، سامح شكري “مباحثات ثنائية تهم البلدين”، بحسب البيانات الرسمية، ومع ذلك تأتي هذه الخطوة المصرية تجاه النظام السوري ضمن جو عربي عام، كان آخر مستجداته بإعلان المملكة العربية السعودية بدء مباحثات رسمية مع دمشق، من أجل استئناف الخدمات القنصلية.
وفي حين تعتبر زيارة وزير خارجية الأسد إلى القاهرة الأولى منذ أكثر من عقد كان التأكيد الرسمي من جانب الرياض هو الأول من نوعه أيضاً منذ انطلاقة الثورة. وقبل هاتين الخطوتين كانت دولة الإمارات قد استقبلت رأس النظام، بشار الأسد وزوجته، بعد أسبوعين من استقباله في سلطنة عُمان.
وفي غضون ذلك وفي أعقاب كارثة الزلزال المدمّر قصد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي دمشق والتقى المقداد وبشار الأسد، في وقت كان الوزير المصري سامح شكري قد اتخذ مساراً مشابهاً، بالتزامن مع الاتصال الهاتفي الذي أجراه عبد الفتاح السياسي مع رأس النظام.
ورغم أن هذه الخطوات العربية اتجاه نظام الأسد باتت أكثر ما يتصدّر المشهد السوري بشقّه السياسي، إلا أن النقطة التي ستصل إليها لا تبدو معالمها واضحة حتى الآن، وكذلك الأمر بالنسبة للأسباب التي دفعت هذه الدول لهكذا تقارب في الوقت الحالي، وما إذا كانت تمضي بناء على شروط ومحددات أم بسياق “أشبه للمجان”.
“توافق لا اتفاق”
على مدى الأشهر الماضية لطالما ردد الأردن مصطلح “المبادرة العربية” الخاصة بالحل السياسي في سورية في أثناء تحركاته للتواصل مع النظام السوري، وبينما لم يكشف التفاصيل والبنود المتعلقة بذلك، أوضح وزير الخارجية الصفدي أن “المبادرة تتمثل بقيام العرب بحوار سياسي مع النظام يستهدف حل الأزمة، ومعالجة تداعياتها الأمنية والسياسية والإنسانية”.
وأشار خلال اجتماعه مع المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسون في العاصمة عمّان إلى أن الأمم المتحدة مطلعة على تفاصيلها، وأن “التنسيق مع العرب حول موعد إطلاقها وآليات عملها مستمر”.
وليس من الواضح ما إذا كانت “المبادرة” التي تقودها الأردن تشمل الخطوات التي أعلنت عنها السعودية، وقبلها الإمارات وسلطنة عمان، ومصر في الوقت الحالي، فيما يقول خبراء ومحللون لموقع “السورية.نت” إن لكل دولة مسار منفرد، ومع ذلك “تتوافق مع بقية الدول بعيداً عن أي اتفاق”.
ويعتقد الخبير الأمني والاستراتيجي الأردني، عمر الرداد أن “هناك توافقاً بين كثير من الدول العربية على فكرة إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية، في ظل مقاربة تقول إن هذه الإعادة ستسهم في إبعاد سورية عن التاثير والسيطرة الإيرانية”.
لكن “هذا التوافق لم يصل لدرجة أن يكون اتفاقاً وقراراً بالإجماع من قبل الحكومات العربية”، حسب ما يضيف الرداد لموقع “السورية.نت”.
ويشير إلى أنه من الواضح “أننا أمام مقاربات بمرجعيات مختلفة”، و”يبدو معها أن لكل دولة أهدافها وسياقاتها المرجعية”.
وفي حين كانت علاقة الأسد بإيران أكثر ما يثير اهتمام الدول العربية ويقف عائقاً أمام أي محاولة لإعادة تطبيع العلاقات باتت هذه القضية خافتة على نحو كبير، في المسار المتسارع الذي شهدته الأيام الماضية.
ومن الرياض إلى عمّان وصولاً إلى القاهرة وأبو ظبي تركّزت جميع تصريحات المسؤولين العرب على أن خطواتهم اتجاه دمشق تهدف بالأساس إلى دعم “وصول المساعدات الإنسانية”، في أعقاب كارثة الزلزال، إلى جانب تسوية قضية اللاجئين وعودتهم بسلام إلى بلادهم.
ورغم ما يقال عن وجود “مبادرات”، إلا أن الباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش يعتقد أن “التحركات العربية تجاه سورية لا تحمل مبادرة جوهرية يمكن أن تفضي إلى نهاية الصراع”.
ويقول لـ”السورية.نت”: “الدول العربية بدأت في إعادة علاقاتها مع نظام الأسد وهذا الانفتاح لو كان مشروطاً بمبادرة ما لما بدأ يظهر فعلاً”.
و”لا تملك أي دولة عربية تصوراً واضحاً لسبل دفع التسوية السياسية في سورية، ومن غير المرجح أن تكون بعض الدول تعتقد أن بإمكانها إقناع الأسد بقبول حل سياسي بينما هو الآن في موقع قوة”.
ويوضح علوش: “الإماراتيون لديهم أهدافهم ومصالحهم الخاصة في سورية، وكذلك الحال بالنسبة للسعوديين والمصريين”.
“إعادة تعويم”
وكانت مسألة “عودة دمشق” أو النظام السوري إلى الحضن العربي قد طرحت قبل الزلزال المدمّر الذي ضرب سورية وتركيا بسنوات وأشهر.
وفي أعقاب الكارثة عادت هذه المسألة لتتصدر المشهد السوري، في وقت ترجمت على الواقع بزيارات واتصالات ولقاءات، وتصريحات مستجدة حملّت نفساً مغايراً ومتسارعاً عن الماضي، ووضعها مراقبون ضمن إطار “دبلوماسية الكوارث” من جانب.
ومن جانب آخر يرجّح مراقبون أن الخطوات العربية تهدف إلى “إعادة تعويم النظام السوري”، على الرغم من تأكيد الدول صاحبتها على القرارات الأممية الخاصة بالحل السياسي في سورية، من بينها قرار مجلس الأمن 2254.
وبينما هناك تنسيق بين الأردن والإمارات وجمهورية مصر في المسار المستجد حيال الأسد، لدى السعودية حسابات أخرى أظهرتها المصالحة الأخيرة بين الرياض وطهران، حسب ما يقول الخبير الأردني، عمر الرداد.
ويقول إنه وبالرغم من كل ذلك فإن إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية “سيبقى مرهوناً بمواقف الأطراف الفاعلة في الملف السوري، وتحولاتها بعد الحرب في أوكرانيا، لاسيما وأن هناك موقفاً أمريكاً وأوروبياً ما زال يتحفظ على الانفتاح العربي على دمشق، بوصف القيادة السورية متهمة بجرائم حرب وضد الإنسانية”.
من جهته لا يعتقد الباحث محمود علوش أن هناك تنسيقاً واضحاً في المواقف العربية بشأن سورية، وأنه “قد يبدو ظاهرياً وجود مثل هذا التنسيق لكن لكل بلد دوافعه وحساباته الخاصة”.
ويرى علوش أن “ما يجري الآن هو إعادة تعويم بشار الأسد عربياً وإقليمياً وليس مبادرة لتسوية سياسية حقيقية للصراع”، موضحاً أن “لدى العرب مصالح في سورية وانفتاحهم على الأسد ليس مجانياً”.
ويتابع: “لكن هذه المصالح لا تتعلق بشكل جوهري بالتسوية السياسية. هناك من يأمل أن تؤدي عودة الدور العربي إلى تقليص نفوذ إيران وبعض الدول تريد التعاون مع النظام لوقف تهريب المخدرات”.
ويعتقد الباحث علوش أن “الترويج لفكرة المبادرة وبكثرة يهدف إلى إضفاء مشروعية على الانفتاح العربي على النظام السوري”.