رغم جولات القصف الجوي الثلاث التي نسبت للأردن ولم تتبناها عمّان واستهدفت مواقعاً في جنوب سورية خلال الفترة الماضية واصلت عصابات التهريب عمليات إدخال المخدرات وحبوب “الكبتاغون”، وتسارع نشاطها شيئاً فشيئاً لتصل إلى حد تمرير الأسلحة والذخائر والصواريخ الموجهة إلى الداخل الأردني.
آخر الجولات حصلت، ليلة الجمعة، حيث قصفت طائرات أردنية “مخابئ مخدرات للمهربين المدعومين من إيران” في ريف محافظة السويداء، كما ذكرت “رويترز”، فيما أكدت شبكات محلية مقتل شخص مدني فقط، يدعى حمود العاقل.
ولم يمض يوم كامل هذه الضربة حتى عاد الجيش الأردني ليعلن عن خوضه مواجهات فجر السبت “مع مجموعات مسلحة كبيرة من المهربين” على طول الحدود الشمالية مع سورية، الأمر الذي يثير تساؤلات عن الخيارات التي قد تتبعها عمّان في المرحلة المقبلة؟
وقد جاء التوجه لتنفيذ الضربات بعدما ألمح مسؤولون أردنيون إلى عدم تحقيق أي نتائج على صعيد الحوارات والنقاشات مع نظرائهم في دمشق.
ولم يتوقف الموقف عند ما سبق فحسب، بل تطور إلى حد توجيه الاتهامات غير المباشرة لإيران بتقديم الرعاية والدعم لميليشيات التهريب، والتي تحاول تمرير حبوب “كبتاغون” وأسلحة وذخائر من مختلف الأنواع.
“التهريب سياسي”
ويبلغ طول الحدود السورية- الأردنية حوالي 370 كيلومتراً، وتمتد من منطقة وادي اليرموك التابعة لدرعا، وصولاً إلى المثلث العراقي- السوري- الأردني.
ويخضع الجزء الأكبر منها لسيطرة نظام الأسد، ومع ذلك نادراً ما يعلق الأخير على المحاولات المتكررة لتهريب الأسلحة والمخدرات، والتي تشي طبيعتها تنسيقها على أنها منظّمة وتمر بعدة مراحل حتى الوصول إلى الهدف.
ووفق ما أشار الناطق باسم الحكومة الأردنية، مهند المبيضين فإن “التهديد الذي تشكله عصابات التهريب سيبقى مستمراً، ولن ينتهي بغارة ولا بمواجهة هنا وهناك”.
وأضاف لقناة “المملكة” بعد المحاولة الجديد التي تبعت القصف في جنوب سورية أن “الحرب طويلة مع هذه الجماعات على الحدود مع سورية”، مؤكداً على ضرورة “بناء استراتجية إقليمية لمواجهة المخدرات، بالإضافة لدفاع المجتمع عن نفسه من هذه الآفة”.
ويوضح السفير الأردني الأسبق في إيران، بسام العموش أن “التهريب الحاصل من سورية إلى الأراضي الأردنية سياسي وليس تجارياً كما حال بقية الدول، التي تعاني من مشكلة العصابات”.
ويقول لموقع لـ”السورية.نت” إن بلاده “تواجه حرباً غير معلنة من قبل إيران، ومن قبل بعض المتنفذين بالحكومة السورية، والذين تدر عليهم تجارة المخدرات والكبتاغون المليارات”.
العموش يعتقد أن “الهدف السياسي لإيران هو محاولة دخولها للأردن بالسلاح والمخدرات، لإنشاء خلايا كما فعلت في سورية ولبنان والعراق واليمن”.
ويشير إلى أن الجيش الأردني كان قد غير قواعد الاشتباك، بداية بإلغاء تنبيه أي شخص على الحدود، وتطور الأمر بعد ذلك ليصل إلى حد عدم انتظار المهربين للدخول إلى الأراضي الأردنية، بل الذهاب إليهم وقتلهم بالعمق السوري.
ولم تتبنى الأردن حتى الآن الضربات الجوية الثلاث التي حصلت في مناطق متفرقة بريف محافظة السويداء ودرعا، رغم أن وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية تنقل الأحداث والمستجدات المتعلقة بالاستهدافات.
وفي غضون ذلك لا توجه الاتهام بشكل رسمي إلى إيران أو نظام الأسد بالوقوف أو دعم عمليات التهريب، وما تزال متمسكة بسياسة الإلماح إلى “ميليشيات تدعمها قوى إقليمية”.
ما الخيارات؟
وتعطي تصريحات المبيضين الحديثة مؤشراً على أن القصف الجوي لن يحقق أهداف الجيش الأردني بكبح تدفق الكبتاغون والسلاح، ويؤكد ذلك أيضاً الواقع المفروض على الطرف الآخر من الحدود.
ورغم أن الضربة الأردنية الأولى التي حصلت في مايو الماضي أسفرت عن مقتل مرعي الرمثان المتهم بتجارة المخدرات لم تسفر الثانية التي حصلت في ديسمبر الماضي والثالثة قبل يوم عن أي نتائج تذكر.
وعلى العكس وثقت شبكات محلية بينها “السويداء 24” ضحايا وجرحى من المدنيين، وآخرهم حمود العاقل المنحدر من قرية الشعاب.
ومنذ المواجهات الأخيرة التي حصلت في ديسمبر ترددت الكثير من الأصوات في الداخل الأردني، وطالبت بالتفكير بإنشاء منطقة “عازلة” ولا تقل عن 30 كيلومتراً داخل سورية، كما اقترح أستاذ العلوم السياسية، محمد القطاطشة.
وخلال برنامج “نبض البلد” الذي تبثه قناة رؤيا قال في 21 ديسمبر: “على الدولة الأردنية أن تكون واضحة مع النظام السوري. نحن تحدثنا خلال 4 سنوات مع الروس ومع النظام وبعثنا له وزير الخارجية وتحدث مع بشار الأسد، لكن يبدو أن الرئيس السوري سيادته ناقصة ضمن الجهد الإيراني”.
وأضاف: “إن استمر الوضع أنا مع الجيش العربي بأن يقوم بالأخذ بمناطق عازلة لا تقل عن 30 كيلومتراً، وقد تكون بالتعاون مع بعض الإخوة السوريين من اللاجئين بعد أن يعودوا لأرضهم”.
وقبله لم يستبعد اللواء المتقاعد، والمحلل الاستراتيجي العسكري، مأمون أبو نوار في يوليو / تموز الماضي لجوء الأردن إلى تغيير قواعد الاشتباك والتدخل عسكرياً في الجنوب السوري، على غرار “اتفاقية أضنة الأمنية” في شمال سورية.
ويؤكد العموش أن “هناك إصرار إيراني على الدخول للأردن، وفي المقابل إصرار لدى المملكة لكبح أي عملية تخريب بأي حال من الأحوال”.
ويرى المحلل الجيوسياسي الأردني، عامر السبايلة أن “خيارات الجيش الأردني واضح أنها تنحصر بالاستمرار بإرسال رسائل قوية بأنه مستعد لهذه المواجهة والانتقال للمرحلة الثانية بالاستهداف في الداخل السوري”.
وقد يأخذ ما سبق عدة أشكال وتطورات في المرحلة القادمة، بحيث يتم رفع الكلفة على كل من يحاول استهداف الحدود، وفق السبايلة.
ويقول لموقع “السورية.نت”: “الأردن يدرك أنا ما يجري مرتبط بتطورات الإقليم وليس فقط في موضوع حدوده مع سورية. موضوع السلاح يشير إلى نوايا لخلق نقاط ساخنة لاستهداف مصالح أردنية أو غربية في الأردن”.
ولذلك يعتقد أن “الاستمرار بالاستراتيجية الحالية سيتطور تدريجياً، مع الأخذ بعين الاعتبار الأبعاد والأشكال الجديدة”.
كما يشير السبايلة أيضاً إلى “وجود رغبة في انخراط أكبر لحلفاء الأردن كنمط التحالف الذي تم تأسيسه لمحاربة داعش”.