تشهد الحدود السورية-اللبنانية “موجة نزوح مريبة”، حسب ما يقول حقوقيون،
ورغم أن مشهد تدفق السوريين نحو لبنان، خيّم سابقاً على المناطق الحدودية لسنوات، لكن الأعداد الجديدة المتدفقة، والمقدرة بالآلاف كما يعلن “الجيش اللبناني” تدحض فكرة أن ما يحصل “محض صدفة”.
وأعلن الجيش اللبناني، اليوم السبت، “إحباط تسلل نحو 1300 سوري عند الحدود اللبنانية – السورية”، وقال في بيان إن “هذا الرقم تم تسجيله بتواريخ مختلفة خلال الأسبوع الحالي”.
وجاء الإعلان الحديث بعدما قال ذات الجيش، في السابع من سبتمر، إنه “أحبط تسلل نحو ألف ومئتي سوري إلى لبنان”، في ظاهرة بات الإعلان عنها يتم بشكل متزايد مؤخراً، فيما يطلق مشهدها عدة تساؤلات تتعلق بـ”التوقيت”.
ويستضيف لبنان، وفق الأمم المتحدة، “أكبر عدد من اللاجئين بالنسبة للفرد الواحد حول العالم”، وتقدر السلطات هناك وجود أكثر من مليوني لاجئ، بينما عدد المسجلين لدى الأمم المتحدة يتجاوز بقليل عتبة 800 ألف.
وكانت موجة “العبور الجديد للسوريين” قد أثارت ريبة مسؤولين لبنانيين، إذ قال رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي مطلع سبتمبر: “ما يشغل بالنا هو التدفق الجديد من موجات النزوح السوري عبر ممرات غير شرعية”، مضيفاً أن “الجيش والقوى الأمنية يجهدون مشكورين لمنع قوافل النزوح غير المبرر”.
وقبله قال وزير المهجرين اللبناني، عصام شرف الدين، في السابع من أغسطس الماضي، إن أكثر من 8 آلاف سوري دخلوا إلى لبنان بطريقة “غير شرعية”، خلال الشهر المذكور، مضيفاً أن “الإمكانيات لدى الجيش اللبناني لضبط الحدود ضعيفة”، لافتاً إلى أن عدد العناصر “غير كافٍ”.
ماذا وراء الموجة الجديدة؟
وتتزامن هذه الموجة مع تفاقم الأوضاع المعيشية في مناطق سيطرة نظام الأسد، بعد قرار رفع أسعار المحروقات، وما تلاها من ارتفاع “جنوني” للأسعار في الأسواق، وتدني القدرات المعيشية لمعظم السكان.
كما تأتي في أعقاب عودة النظام إلى الجامعة العربية، في وقت حددت العواصم العربية مسار اندفاعتها ضمن إطار التقدم بـ3 ملفات أساسية، أولها ملف عودة اللاجئين، وقف تهريب الكبتاغون، والانخراط بمسار الحل السياسي، بما يتماهى مع قرار مجلس الأمن 2254.
وتسيطر قوات الأسد على المنطقة الحدودية التي يعبر من خلالها السوريون باتجاه لبنان، وذلك من الشرق حتى أقصى الشمال اللبناني، حسب ما يوضح الحقوقي اللبناني، طارق شندب.
وعلى الجهة المقابلة يسيطر “حزب الله”، وبالتالي فإن “عمليات التهريب تتم عبر هؤلاء”، ويقول شندب لموقع “السورية.نت”: “هم من يسهلون وقادرون أن يضبطوا الموضوع”.
واعتبر الحقوقي شندب أن “الوضع المعيشي في مناطق سيطرة النظام السوري هو السبب الرئيسي للموجة الجديد، وأن معظم العابرين من المحافظات الخاضعة للأخير”.
ومع ذلك لا يستبعد فكرة أن المخابرات التابعة للنظام السوري تعمل على “غض الطرف” عن عمليات التهريب التي تتم على طول الحدود السورية-اللبنانية، ومن منافذ كثيرة.
وكان رئيس حركة “التغيير”، إيلي محفوض قد أشار، في السادس من سبتمبر إلى أن موجة “النزوح السوري الجديدة” مستمرة بوتيرة متصاعدة وبخطورة كبيرة، وقال: “من الواضح أن هناك قراراً استخباراتياً سورياً من أجل إغراق لبنان بعشرات وآلاف اللاجئين السوريين”، وفق ما نقلته الوكالة اللبنانية “الوطنية للإعلام”.
من جهته طالب حزب “القوات اللبنانية” حكومة بيروت باتخاذ كل التدابير لمنع أي “تسلل” من سورية إلى لبنان، وفق ما جاء في بيان للحزب عبر موقع “إكس” (تويتر سابقاً).
ودعا البيان الحكومة لمعالجة أزمة اللاجئين القائمة، وليس مفاقمة هذه الأزمة، وبحسب “القوات اللبنانية”، لا يوجد خطوات عملية لإنهاء أزمة اللجوء السوري في لبنان، والمطلوب منع التسلل من سورية باتجاه لبنان، وإعادة اللاجئين فوراً من لبنان.
"القوات": على الحكومة اتخاذ كل التدابير لمنع أي تسلّل من سوريا إلى لبنان.
#القوات_اللبنانية #الجمهورية_القوية pic.twitter.com/gDf2cAhrO6
— Lebanese Forces (@LFPartyOfficial) September 6, 2023
“توقيت مريب”
وبحسب مسؤولي البلاد فإن الجيش اللبناني “يواجه صعوبات” في ضبط الحدود مع سورية، وذلك بسبب طول الحدود الذي يبلغ نحو 375 كيلو متراً، إضافة إلى طبيعتها الجبلية.
وبعد الاجتماع التشاوري في السراي الحكومي، أعلن وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري، في 14 من سبتمبر “أننا نرى آلاف النازحين السوريين من الشباب يدخلون البلد والجيش لا يمكنه ملاحقة ومتابعة هذا الموضوع بمفرده”.
وقال: “هناك مشاكل لوجستية ومادية كثيرة، وهناك مشاكل لها علاقة بتهريب الأشخاص، إضافة إلى العصابات التي تتحرك والقضاء الذي لا يقوم بواجباته، فالأمور معقدة بشكل لا يوصف ولا يستخف أحد بهذا الأمر”.
وتابع المكاري: “لقد سمعنا أرقاماً يا ليت يمكن لكل الشعب اللبناني أن يعرف ما يحصل ويعرف خطر أزمة النزوح الثاني التي تحصل. في كل الأحوال نقول بوجوب ذهاب وفد حكومي لبناني إلى سورية، وهذا الموضوع يجب أن يبت في أسرع وقت”.
ومن دون شك وفق ما يقول المحامي اللبناني، أمين بشيّر أن “توقيت الموجة الجديدة مريب ومستغرب”، ويقول: “منذ بدء الأزمة كانت طبيعة النزوح واللجوء بوتيرة مفهومة ومعروفة، لكن الوتيرة التصاعدية الأخيرة تطلق عدة أسئلة”.
ويضيف بشيّر لموقع “السورية.نت”: “الموضوع ليس صدفة، وهناك محركات للموجة الجديدة”.
“الكل يعرف أن نظام الأسد يغض النظر عن عمليات التهريب، بينما يؤكد نفوذه مع نفوذ حزب الله على الطرف الآخر أنهم إما يقفون ورائها أو يعرفون من يقودها”.
ويوضح المحامي بشيّر أن ما يحصل “يصب في سياق السباق الرئاسي في لبنان”، وأن “حزب الله يحاول فرض معادلة جديدة لدعم سليمان فرنجية وتصديره مقابل جوزيف عون. وهنا يبرز ملف اللاجئين ككرة يتم تقاذفها في المسرح الداخلي”.
ويحاول النظام أن “يدفع بالشبان داخل مناطق سيطرته إلى لبنان كي يلعب على الوتر العاطفي، المرتبط بالمسيحيين”، ويضيف بشيّر: “الموجة الجديدة يوجه من خلالها رسالة للفريق المسيحي مفادها: إذا أردتم حل المشكلة أمامكم سليمان فرنجية”.
وفرنجية “هو الشخص الوحيد القادر على الحديث مع الأسد ويمون عليه، وقادر أيضاً على ترسيم الحدود البرية وإعادة اللاجئين”.
في المقابل يقول مرشحه المنافس جوزيف عون إنه غير قادر على ضبط الحدود وعمليات التهريب من خلال 14 معبراً غير شرعياً”.
ويشير المحامي اللبناني إلى أن “ورقة اللاجئ السوري يتم الزج بها حتى تزداد أسهم مرشح المقاومة والممانعة”، في إشارة إلى فرنجية، ولتحقيق “هدف القضاء على قائد الجيش عون، والذي يتم تصويره على أنه تابع للدول الغربية التي تطالب بتوطين السوريين في لبنان”.
“لا فرصة للوفود”
وبينما كان الجيش اللبناني يعلن إحباط محاولات “تسلل سوريين” باتجاه الأراضي اللبنانية كان مسؤولون في الحكومة يكررون الفكرة المتعلقة باستعدادهم لتشكيل وفد من أجل الذهاب إلى دمشق، لـ”حل ملف اللاجئين وإعادتهم إلى البلاد”.
لكن القرار المتعلق بوصول هذه الوفود إلى غايتها متعلق بالأسد، ويوضح بشيّر بقوله: “في كل مرة يقولون إنهم سيشكلوا وفداً للذهاب إلى دمشق، لكن النظام يرد عليهم أنه ليس بوارد إعادة اللاجئين في الوقت الحالي ولن يستقبل أحد”.
“نظام الأسد ذهب إلى القمة العربية ويطالب بأموال مقابل إعادة اللاجئين، ولذلك لن يعيدهم كرامة للوفود اللبنانية”، حسب تعبير المحامي اللبناني.
ويتابع بشيّر أن “ما سبق يؤكد أن نظام الأسد يحاول مساعدة مرشح حليفه حزب الله، لإيصال فرنجية إلى السلطة. ولتحقيق ذلك يضغط بورقة اللاجئين عبر الحدود”.