الجوكر “الداعشي”
لم يُخطىء مقتدى الصدر الزعيم السياسي العراقي الفائز أخيراً بأكبر الكتل في الانتخابات البرلمانية العراقية، في وصف التهديد الداعشي المتصاعد، وتحديداً اعتباره أن المشكلة الأكبر تتمثل في تضخيم القوى المسلحة الموالية لإيران “الأمر ليشيع الخوف والرعب والطائفية في أواسط الشعب العراقي فيكون بنظرهم حامي الأرض والعرض”.
هناك شكوك حيال تسهيلات محتملة لنشاط تنظيم “الدولة الاسلامية” (المعروف بداعش) ليس فقط في العراق، بل أيضاً في سوريا ولبنان، أمنياً وإعلامياً. ولهذه الشكوك مبرراتها على المستويين السياسي واللوجستي.
كيف تخرج ميليشيات مسلحة موالية لإيران من مأزق سياسي يتمثل في خسارتها الانتخابات البرلمانية العراقية، وتصاعد حدة الانتقادات لها سياسياً وشعبياً (في الوسط الشيعي قبل غيره)؟ تُساعد أو تُهيء لخلق تهديد خارجي يكون محط إجماع بين القوى المختلفة، من أجل إعادة خلط الأوراق. تنظيم “الدولة الاسلامية” المعروف بـ”داعش” هو ورقة الجوكر، أي البطاقة “المخلصة” أو القابلة للاستخدام في أسوأ الظروف لقلب الطاولة على الجميع. القوى المسلحة الموالية لإيران اكتسبت شعبيتها ونفوذها وشرعيتها المحلية من خلال قتال “داعش” خلال السنوات الماضية، ولكنها اصطدمت بجدار الرفض الشعبي بعدما فشلت في إدارة البلاد. خلطت هذه الجماعات بين فرض أجندة اجتماعية محافظة على الشباب بقوة السلاح، وبين إدارة فاسدة لشؤون المناطق الخاضعة لسيطرتها. وردت على الحركة الاحتجاجية الشعبية بالقمع الدموي دون أي رادع.
و”داعش” جوكر مثالي، كون ظهور التنظيم يُفيد في بلدان عدة للخروج من مآزق مختلفة، ليس فقط للجانب الإيراني بل لمروحة متنوعة من القوى التي تتقاطع معه أحياناً. في العراق، تستفيد القوى المسلحة الخاسرة في الانتخابات من صعود “داعش”، والحاجة اليها في ردعه. هي مفيدة في ظل وجود “داعش” وعبء في غيابه. وفي سوريا، النظام السوري يحتاج الى صعود “داعش” كونه مبرراً اضافياً لمحاولة اعادة تعويمه اقليمياً ودولياً دون عملية سياسية وفقاً لسياسة “القبول بالسيء لمكافحة الأسوأ”. و”قوات سوريا الديموقراطية” تستعيد جدواها السياسية بالنسبة للعالم، وفي مواجهة محاولات الاحتواء التركي.
في لبنان، قد يستفيد “حزب الله” وحلفاؤه وعلى رأسه التيار الوطني الحر من عودة بعبع “داعش”، لتأجيل الانتخابات وضمان انتخاب رئيس جديد للجمهورية بالغالبية المتوافرة لديهم في البرلمان الحالي.
الأسئلة اللوجستية حيال هذه العودة التدريجية للتنظيم أيضاً تؤشر إلى “تسهيلات” لهذه العودة. كيف تعرّض سجن الصناعة الكبير بحي غويران في مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا، لمثل هذا الهجوم الواسع باستخدام سيارتين مخففتين وأسلحة رشاشة ومتوسطة دون مساعدة خارجية؟ في السجن 3 آلاف عنصر من “داعش”، وبالتالي فإن تحرير قسم منهم سيُساعد التنظيم لاعادة ترتيب صفوفه للمرة الأولى بعد هزيمته في آذار (مارس) عام 2019.
وهذا السؤال يُطرح في العراق وفي لبنان أيضاً حيث تمكن عشرات الشباب من العبور من الشمال الى العراق مروراً بالأراضي السورية الممسوكة أمنياً. والحقيقة أن للنظام السوري تاريخاً في استخدام “داعش” لمآرب خاصة، أكان نشر الفوضى في العراق بعد غزوه عام 2003، وبالتنسيق مع الجانب الإيراني، أو ضمن استراتيجيته لاحتواء الثورة السورية عام 2011. كان النظام السوري ينقل الانتحاريين الى مقر حلبي بإدارة الشيخ محمود قول أغاسي (أبو القعقاع) (الذي تبين لاحقاً ارتباطه بالمخابرات السورية)، قبل نقلهم الى الحدود العراقية لتنفيذ عمليات في الداخل (ضد تجمعات مدنية غالباً).
وعملية الحسكة وما سيليها من هجمات لتنظيم “داعش، قد تُمثل حبل نجاة للجانب الإيراني وحلفائه على مستوى هذه البلدان المتصلة. بيد أن التنظيم كالجوكر في لعبة الورق، أو كمرهم “النمر الصيني”، علاج رخيص ينفع لمداواة جروح مختلفة الأحجام في مواضع عدة. ليس حلاً مستداماً لكنه ورقة الجوكر “المُخلّص” التي لا تنفك تطل برأسها المرة تلو الأخرى في لعبة ورق مغشوشة.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت