الخيط الرابط بين أوكرانيا وسوريا.. حديث روسي عن حرب عالمية ثالثة
يكاد لا يمر يوم دون صدور تصريح روسي، من المستويات الرسمية السياسية والعسكرية العليا، عن التصعيد المتواتر مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) والعواقب التي تترتب عليه، والتحذير من احتكاكات بين الطرفين في أحد بؤر التوتر، يمكن أن تضع الطرفين على حافة مواجهة عسكرية واسعة.
ويترافق ذلك مع إعلانات شبه يومية عن مناورات عسكرية لرفع جاهزية القوات الروسية وتدريبات بالذخيرة الحية، ضد أهداف لعدو افتراضي، تشمل إطلاق صواريخ (كالبير) المجنحة وصواريخ (إسكندر)، وصواريخ منظومات دفاع جوي، ومنظومات “بال” و”أوتيوس” الصاروخية الساحلية المضادة للسفن، أو تحليق قاذفات استراتيجية روسية (تو- 160) في عمليات دورية في منطقة القطب الشمالي والمحيط الهادئ وبحري بارنتس والنرويج، ومراقبة نشاط قطع بحرية وقاذفات استراتيجية أطلسية، واستحداث تشكيلات جديدة في الجيش الروسي، ودخول صنوف أسلحة مطورة للخدمة، ومنها إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال لقائه مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي قوات الفضاء الجوي يوم الإثنين، أن الجيش الروسي سيحصل قريباً على أول نماذج منظومة الصواريخ “إس-500”. في استعراض للقوة أشبه ما يكون بدق طبول الحرب.
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أكد في مؤتمر صحفي، عقده في روما يوم الأحد الماضي، أن روسيا لا تتوافر لديها معلومات “حول ما ينوي الناتو فعله”، وأضاف “نحن نعتمد على الحقائق وهي تتمثل في أن الناتو لا يريد أي تعاون معنا”. وطالب لافروف بعقد اجتماع لمجلس روسيا-الناتو لبحث ملف أوكرانيا.
وأشار لافروف، في مقابلة مع قناة “روسيا 24″، إلى الجدل الدائر حول استخدام الجيش الأوكراني لطائرات “بيرقدار” التركية المسيرة في قصف أهداف للانفصاليين الموالين لروسيا في منطقة “دونباس” شرقي البلاد، محذراً من أن هذا التصرف يُعد خرقاً لـ “اتفاقية مينسك”، التي تحظر حسب قوله تحليق الطائرات المقاتلة والطائرات المسيرة على طول خط التماس بكامله.
وتخشى موسكو من أن يكون هذا التطور مقدمة لتسخين الوضع في “دونباس”، وربما يشجع الجيش الأوكراني على شن معركة للسيطرة على منطقتي “دونيتسك” و”لوغانسك”، اللتين أعلن الانفصاليون تأسيس جمهوريتين شعبيتين فيهما، مع تقديرات بأن القوات الانفصالية لن تستطيع أن تصمد وحدها طويلاً دون دعم عسكري روسي مباشر، تفرض تداعياته المحتملة حسابات معقدة على موسكو، أصعب بكثير من حسابات سيطرتها على شبه جزيرة القرم عام 2014 أو التدخل العسكري في جورجيا عام 2008 إلى جانب الانفصاليين في مقاطعتي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا.
فرغم الخلل الساحق في ميزان القوى عسكرياً لصالح روسيا، إلا أن على روسيا أن تراعي في حساباتها هذه المرَّة احتمال تقديم حلف (الناتو) دعما مباشرا للقوات الأوكرانية، وأن يعجل تدخل روسيا من تدهور العلاقات الروسية مع الاتحاد الأوروبي ودول الأطلسي بشكل غير مسبوق. ولم يتردد المحلل السياسي الروسي ألكسندر نازاروف في التساؤل عما إذا كان استخدام الجيش الأوكراني لمسيرة “بيرقدار” التركية سيشكل سبباً لاندلاع حرب عالمية ثالثة، على خلفية تسخين الوضع في “دونباس”. وأضاف: “أوكرانيا الآن في المركز الثاني بعد تايوان، حيث يمكن أن تندلع شرارة الحرب العالمية الثالثة”.
بالطبع الحديث عن حرب عالمية ثالثة ليس بهذه البساطة، بل ومبالغ به كثيراً، لكنه في الوقت ذاته يكشف عن مصاعب كبيرة باتت تعاني منها موسكو في سياستها إزاء الملف الأوكراني، فالوضع المستجد لن يبقي الحال على ما كان عليه منذ عام 2014، فخلال السنوات الماضية استطاعت روسيا أن تردع كييف عن محاولة إعادة سيطرتها على “دونباس”، وآخرها في الربيع الماضي عندما حركت موسكو قوات كبيرة باتجاه الحدود مع أوكرانيا. بينما يبدو الكرملين اليوم حذراً في التلويح بالقوة الغاشمة في وجه الحكومة الأوكرانية، لأن الحسابات أبعد من ميزان القوى مع أوكرانيا، وهو ما تدركه الأخيرة أيضاً، غير أنها تعوَّل على الدعم الأوروبي والأطلسي.
وأخذت موسكو على محمل الجد تصريحات لوزيرة الدفاع الألمانية، أنغريت كرامب كارينباور، قالت فيها “يجب أن نقدم لروسيا بوضوح أن الدول الغربية مستعدة لاستخدام كل الوسائل”، وذلك في معرض رد الوزيرة على سؤال، في 21 من تشرين الأول الماضي، حول إمكانية استخدام حلف (الناتو) أسلحة نووية لردع روسيا في منطقتي البلطيق والبحر الأسود.
كما اهتم معلقون وخبراء عسكريون روس بمقالة نشرت مجلة “فوربس” الأميركية، قال فيها الكاتب ديفيد إكس إن القاذفات الاستراتيجية الأميركية (B-1B Lancer) يمكنها التعامل بسرعة مع مجموعة سفن الأسطول الروسي في البحر الأسود وتدميرها.
وكما هو الحال في أوكرانيا تواجه روسيا معضلة مركبة في سوريا، في طريقة التعامل مع تركيا التي تلوح بعملية عسكرية ضخمة في شرقي الفرات ضد قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، والولايات المتحدة الموجودة على الأرض والرافضة لتسليم سوريا للجانب الروسي من دون مقابل.
ومن الواضح أن روسيا تتخوف من أن تواجه القوات الروسية في سوريا وضعاً غير مريح في الأشهر، وربما الأسابيع، المقبلة بعد خروج مظاهرات بريف دير الزور رافضة للوجود الروسي، ومنع رتل عسكري روسي من المرور باتجاه الرقة، ورفع بعض المتظاهرين شعارات تدعو لمقاومة ما وصفوه بـ “الاحتلال الروسي”. ونظراً لطبيعة المنطقة ليس مستبعداً أن تنطلق أعمال مقاومة ضد القوات الروسية تشجع على عمليات مماثلة في مناطق أخرى، وقد تجد دعماً غربياً بشكل أو آخر، إذا تأزمت الخلافات بين موسكو والاتحاد الأوروبي ودول (الناتو) حول الملف الأوكراني. مما قد يشكل تحولاً مفصلياً ينهي ما يصفه كثيرون بـ “التدخل العسكري غير المكلف لروسيا في سوريا” خلال السنوات الست الماضية، وفي حال صحّ هذا التقدير سينتقل التدخل العسكري الروسي إلى مرحلة “يوجد ثمن”، وما زالت ذاكرة الروس مثخنة بما آل إليه التدخل السوفييتي في أفغانستان وما نتج عنه من خسائر بشرية كبيرة في صفوف الجيش الأحمر.
وعليه؛ فإن مأزق روسيا ليس في ضعفها عسكرياً، بل فيما أظهرته من فائض قوة في الملفين الأوكراني والسوري، والعديد من الملفات الإقليمية الأخرى وخاصة في أفريقيا، وأول الأثمان التي تدفعها اليوم الانزلاق في سباق تسلح غير متكافئ مع الغرب، كان من أهم عوامل انهيار الاتحاد السوفييتي نظراً لنتائجه الوخيمة على الاقتصاد. وهذا من شأنه أن ينهي المواجهة بالنقاط لصالح الغرب، وليس بحرب عالمية ثالثة، يبقى التلويح بها أو التخويف منها محاولة لتوحيد الرأي العام الروسي أولاً، والضغط على حلف (الناتو) الذي بدأ يشدد مؤخراً على ما يسميه مسؤولو الحلف ضرورة ردع روسيا واحتوائها.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت