“الخيمة التعليمية”..ملاذ وحيد لألاف الأطفال النازحين في إدلب
معاناة للأطفال والكوادر ..ومشاريع تحاول التعويض وفق "المُمكن"
يخرج الطفل محمد بلال دليمي، صباح كل يوم من خيمته، متجهاً إلى مخيم “الهرتمية” قاصداً المدرسة، التي غدت خيمة تعليمية تؤوي أطفال الخيام وتعلّمهم، ضمن إمكانياتٍ محدودة.
الطفل محمد المهجّر من مدينة سراقب شرقي إدلب، يقطع مسافة 2 كيلو متراً من مخيم “القشا” في محيط بلدة كفريحمول شمالي إدلب، ليصل إلى مدرسته في مخيمٍ آخر، في ظل غياب مدرسة مخصصة للمخيم.
في الطريق التي بين أشجار الزيتون، حيث انتشار عدة مخيمات للنازحين في محيط البلدة، يصادف محمد زملاءه القادمين من مخيمات أخرى مجاورة، كلٌّ منهم وجد في الخيمة التعليمية سبيلاً جديداً للتعليم، بعد أن خسروا منازلهم ومدارسهم.
وأصبحت الخيمة التعليمية ملاذاً لأطفال المخيمات، في وقتٍ تغيب فيه المدارس التقليدية عن عدد واسع من المخيمات العشوائية، على الرغم مما تعانيه كواد هذه الخيمة التعليمية من أزمةٍ على صعيد تأمين المرتبات الشهرية والتجهيزات اللوجستية وغيرها من احتياجات العملية التعليمية.
وينتشر في محافظة إدلب، بحسب أرقام مديرية التربية والتعليم، حوالي 151 مدرسة “خيمة تعليمية”، 61 منها تعمل بصورة تطوعيّة.
يوضح محمد وهو في الصف الرابع لـ”السورية.نت” أنّ دراسته في خيمةٍ لا تختلف عن واقعه في البيت، الذي صار خيمةً أيضاً، وهو يطمح أن يكمل ما بدأه من مشوار في مدينته سراقب قبل تهجيره.
لا مقاعد وقرطاسية
يتجمع عشرات أطفال الصف الأول الوحيد في مدرسة “الهرتمية” في المخيم الذي يحمل ذات الاسم، في خيمةٍ واحدة، إذ لا صفاً ثانياً لتلاميذ “الأول”، يحاول مدرّسهم خلال الحصة التعليمية أن يستوعب الأعداد ويؤمن بيئة تعليمية تلبّي الغرض.
لا يعتبر الازدحام الصفي فقط عقبة وحيدة أمام العملية التعليمية في “الخيمة التعليمية”، لتأتي أزمة المقاعد هي الأخرى كعائق إضافي على الطلاب، الذين يفترشون الأرض خلال الحصص الصفيّة.
في هذا السياق، يقول إبراهيم الشمالي مدير المدرسة، لـ”السورية.نت”، إنّهم فقدوا جميع تجهيزاتها بعد تهجيرهم من القرية، بسبب هجمات قوات الأسد وروسيا، ولم يخرجوا إلا بالسجلات الضرورية للطلاب والمدرسة، الأمر الذي أدى إلى افتقارهم لجميع مستلزمات العملية التعليمية.
ويشير إلى أنّ أدنى مقومات العملية التعليمية تغيب عن “الخيمة” من أثاث أو مقاعد و”سبورات” (ألواح كتابة)، وحتى السجادات التي يجلس عليها الطلاب هي من تبرعات الأهالي، وصولاً إلى صعوبات تأمين القرطاسية للطلاب غير القادرين على شرائها.
ويلفت الشمالي إلى قدوم الشتاء، وأنّ “إغلاق باب الخيمة هو سبيلهم الوحيد لتأمين التدفئة ودرء برد الشتاء عنهم”.
مدرسون متطوعون
جمعة، معلم صف في المدرسة، متطوع منذ حوالي السنتين في الخيمة التعليمية، دون أي راتب شهري أو منحة مالية.
يقول لـ”السورية.نت” إنّه تلقى وعوداً بمنح مالية أو سلال إغاثية، لكن لا جديدَ حتى اليوم.
ويعاني طيف واسع من مدرّسي الخيام التعليمية من “أزمة التطوّع” في المدارس، في ظل غياب جهات مانحة تغطّي النقص وتمنح الرواتب.
ويتحدث جمعة، عن معاناة المدرسين إلى جانب “التطوع” خلال الحصص الدرسية، التي تتأثر سلباً في غياب الاحتياجات التعليمية أبرزها القرطاسية.
ويؤكد أنّ “بعض الطلاب لا ينقلون دروسهم، لأنهم لا يملكون قرطاسية من دفاتر وأقلام، لأن عائلاتهم تعجز مادياً عن تأمينها لأطفالها الطلاب”.
تعليم رسمي وغير رسمي
تبذل منظمات إغاثية جهداً في سبيل تأمين النقص الذي يعاني منه التعليم، سواء في المخيمات أو المدن والبلدات والقرى، وسط عجز عام يشهده القطاع.
ومن بينها منظمة “إحسان لللإغاثة والتنمية” وهي أحد برامج “المنتدى السوري”، حيث تعمل على مشروعين تعليميين رئيسيين، وهما التعليم الرسمي والتعليم غير الرسمي، الذي ينتشر في المخيمات والمدن والبلدات، بحسب حمزة أحمد، وهو منسق تعليمي في “إحسان”.
ويوضح حمزة في حديثٍ لـ”السورية.نت” أنّ التعليم الرسمي يعتمد على المناهج المعتمدة من قبل مديريات التربية، ويغطي أكثر من 11 ألفاً و650 طالباً، في 19 مدرسة، موزعة على أكثر من 14 منطقة عمل في ريفي إدلب وحلب.
أما التعليم غير الرسمي، فهو يعلّم مناهج غير رسمية ويستهدف الطلاب المتسربين والمنقطعين عن التعليم ويركّز على طلاب المخيمات، بحسب حمزة، ويهدف بشكلٍ رئيسي إلى تعويض ما فاتهم تعليمياً، وإلحاقهم بالتعليم الرسمي، ويشمل 14 مدرسة و4 نقاط (خيام) تعليمية، و3600 طالب وطالبة.
ويشير إلى أنّ “الدعم يشمل جميع مستلزمات العملية التعليمية بدءاً من إنشاء مدارس (بدل الخيام)، والرواتب الشهرية للمدرسين، والقرطاسية والحقائب للطلاب والمعلمين، إلى جانب احتياجات الشتاء من “وقود ومدافئ وخزانات”.
كما يشمل المشروع تأمين تدريبات تعليم وحماية، ومصاريف تشغيلية وأثاث وفرس ووسائل تعليمية.
وتتطلع الكوادر التعليمية، إلى دعمٍ إضافي يطال القطاع التعليمي، على أمل أن تنتهي “أزمة التطوع” بين المدرّسين، ويزيد الدعم اللوجستي للمدارس.